آباء يقتلون الحب.. آباء يزرعون الحقد ( متاجرة يسمونها مبادلة )
لافا خالد
نعيب زمننا والعيب فينا .. يتغير الزمان وتتبدل الأحوال لكن أنفسنا وعاداتنا تكاد تبقى ثابتة مهما تبدل الزمان. أشكال كثيرة للزواج انقرضت، لكن زواج المبادلة لا يزال جاثما لدى جيل من الآباء الذين لا يزالون يعيشون زمنا هو أبعد ما يكون عن زماننا، متناسين أن السلف ومنذ مئات السنين قالوا: علموا أبنائكم غير ما تعلمتموه لأنهم يعيشون زمانا غير زمانكم.
اتفق الإخوة أبو احمد وأبو بهاء على تزويج أبناء العم من بنات العم، جمعوهم كأية عملية حسابية وان كانت النتيجة في مثل هذه الزيجات معروفة فهي وفي اغلب الأحيان تقبل القسمة على الأصفار والأوجاع.
تحقق حلم بهاء بالزواج من ابنة عمه (ن) وان كانت الطريقة من خلال زواج المبادلة، وليكتمل عقد الزواج أصر آباء الطرفين على تزويج أخت بهاء لابن عمها دون أن يعرفوا أن أحد أهم شروط العقد الصحيح في الزواج هو القبول والإيجاب، الأبوين لم يفعلوا ذلك زوجوا أحمد وابنة عمه حسب رغبة الأبوين لا برغبة من سيعيشون معا تحت سقف واحد، فما كان من أحمد إلا أن يتزوج ابنة عمه رغما عنه بالرغم من أنها كانت في نظره دوما مجرد أخت وليس أكثر من ذلك.
يقول احمد: تزوجت ابنة عمي وأنا لا أحمل في قلبي مشاعراً تجاهها وفي كل سنوات زواجنا كنت ولا أزال أتساءل كيف يعيش الإنسان مع من لا ينبض قلبه لها؟ في الفترة الأولى حاولت إقناع نفسي أنه قدري وعليّ أن أعيشه بمشيئة أو من دون رغبة حاولت مقاومة حالة اللاحب تجاه ابنة عمي، هناك دوما أكثر من قوة دفعني للتحمل والمكابرة منها الحفاظ على علاقتنا العائلية وانفصالنا يعني القطيعة الأبدية بين العمومة ومن ثم انفصال أختي ” بديلتي في الزواج ” وصلت الأمور لنفق مسدود أخبرت والدي برغبتي في الانفصال وكانت عبارته الأولى: أيها العاق كيف تطلقها وهي ابنة عمك؟ كيف تطلقها وتتحدى رغبة والدك وعمك؟ كيف تطلقها وانت تدرك ان أختك تعيش بسعادة مع ابن عمك بهاء ولها منه طفلين؟ كيف تطلقها وانك تعرف العرف الاجتماعي الذي يفرض إن طلقتها طلقوا أختك؟ هل نسيت عقلية ( المعاملة بالمثل ) في هكذا حالات أو لا تعرف بان قرار منك سيخلق حالة الحرب بين الإخوة وينسحب ذلك على العشيرة ويفرح بها فلان وفلانة… حاصرتني الأسئلة طيلة سنوات النار التي اتسعت بحكم فارق السن والمستوى التعليمي مع زوجتي (م) كان يفكر قد يأتي الطفل وأحقق من خلاله حلمي المُغتال على قارعة مصالح والدي وعمي ( كل الأبواب مغلقة لإنجاب الطفل منها ) هكذا قالت الطبيبة بعد اختبارات الفحص.
مابين الانتحار والاستمرار في تلك الزيجة التي حولته إلى الحائر الأول، كما يصف أحمد نفسه، وجد خيارا ثالثا و لأكثر تعقلا وهو مفاتحة أخيه بأوجاعه عاتبه الأخ بشدة وقال له ولِمَ لم تعترض حينما زوجوك إياها؟ حوار احمد مع أخوه انتهى بسرعة، لان مَن يعيش في النار لا يمكنه محاورة النهر، لذا لم يوضح مئات الأسباب وأهمها عدم عصيان الأب وانتم تعرفون مضاعفاتها من الأسباب.
وأخيرا وجد خيارا رابعا وأفضل خيارته كان مُراً، اخذ زوجته لبيت عمه ورماها بالطلقات الثلاث، فعل المسكين بهاء ذات الفعل مع زوجته وابنة عمه ( ن) رغم قصة الحب بينهما والتي تضاعفت وأثمرت عن الزواج وطفلين بينهما.
احمد تلاحقه الاتهامات ويُحملوه مسئولية تطليق أخته والخلاف الذي نشب حادا بين والده وعمه، زوجة أحمد ( م) اغتيل حلمها بفارس الأحلام وعليها أن تنتظر قسمة غالبا لا تأتي لأنها مطلقة ولا تنجب الأطفال، أما بهاء فقد قتلوا حبه واُبعد عنه عنوة زوجته وأولاده ويبقى كل العمر بلا قلب أو قلبا يعمل كمضخة تنقل الدم، أما زوجته (ن) فإنها أصيبت بانهيار عصبي، لان كل الخيارات مطروحة في حالتها التي تبكي الشجر والحجر ويجعلهم ينادون ( ها هم خلفي يختفون… الذين أجرموا و قتلوا الحب وزرعوا الكراهية ).
ونتساءل من أين جاءتنا هذه البضاعة الفاسدة؟ من أين ظهرت فكرة المبادلة التبادل وبشكله السلعي؟
ظهر في العصور البدائية وذلك بعد ظهور فائض الإنتاج نتيجة لتقسيم العمل، أي كانوا يبادلون سلعة بسلعة، ثم ظهر المعادل العام والنقد بأنواعه وتحدد السوق في رقعته الجغرافية، تطورت البشرية على صعيد التكنلوجيا فأصبح السوق غير مرئيا والبضاعة قد تكون بروح ومشاعر فيتم تبادلها كما جرى مع احمد وبهاء وبنات عمهم، قد تكون فكرة المبادلة امتدادا لفكرة التبادل ولكن في نطاق السوق الاجتماعي، قد تكون مبررة في عصور معينة لتوطيد علاقات الأفراد والدول والشعوب، قد يكون العامل الاقتصادي مؤثرا في هكذا زيجات ولكن الأكيد حينما نسال أحمد وبهاء وبنات عمهم بما يفكرون حينما ينهضون من النوم؟ لا نشك بأنهم يريدونه نوما ينتهي بيقظةّّ!!
مجلة ثرى – العدد 192 تاريخ 26\ 7 \2009 – السنة الخامسة