أنسى يعني أتذكر
نبيل الملحم
كلما ظهرت حركة جديدة أو حزبا جديدا، أو مجموعة جديدة، أعادت الماضي، وكأنه لم يمض أبدا، بما يجعل الماضي حاضرا أزليا أبديا فينا.
الأحزاب القومية، تحكي وبذات لغة الراحلين من زكي الارسوزي وصولا الى أكرم الحوراني مرورا بسامي شرف وأبو سمير سامي جمعة .
والأحزاب الماركسية مازالت تجاهر بالراحل خالد بكداش باعتباره وارث الكومنتيرن، وصاحب ستالين، وابن عم ماو تسي تونغ، والهامس الدائم في أذن كارل ماركس.
والأحزاب الدينية مازالت تتطلع الى العمرين، ابن الخطاب وابن عبد العزيز وترجو الله أن يعيد لها واحدا منهما لينصر الاسلام المندحر على الكفرة القابعين وراء أسوار البيت الابيض.
والداشرون من (نمرتي)، ونمرة المطربة ساريا سواس، مازالوا متأرجحين بين أحكام الله وأحكام الارض، وبين :” ياعروبة مين لباك”، وبين ياعمال العالم اتحدوا”، كما “أحيي شعب الخليج وقيادته” واحيي بقية من تبدو التحية لهم واجبا، وحين يستغرقون في تأملاتهم (ومازلنا بمن هم على شاكلتي)، يفضلون بنات شارع بغداد، لأنهن أدرى واكثر ادراكا لاستحقاقات الجسد المنسحق بعد انسحاقات طاولت الروح وجعلتها مثل الملابس الداخلية التي تباع على الارصفة، مكونة من شكل مغر لكتل بالغة الاغراء، ولكنها فارغة من كل مايغري.
الى أين ستروح الفئة الثالثة، وأعني بها فئتي، وقد جمعنا الى سارية السواس، الليل الطويل ولم يجمعنا مايساوي طوله من مكاسب، فحصدنا مكائد الليل دون أن نحظى بمآثر النهار؟
اليوم، عثرنا على الطريق، والطريق ربما يختزل ببيان اطلقه موقع جديد على الانترنيت، والبيان هو البيان الأول عن اطلاق حزب جديد اسمه حزب النسيان، وشروط الانضمام اليه، وان بدت ميسورة، فهي أكثر من مستحيلة، فعلى المنضم اليه أن لايكون من الضالعين في الدماء أو الاموال، وهذا مقدور عليه، ولكن من غير المقدور عليه، أن تدخل الحزب وأنت بلاذاكرة، مايعني أن تستأصل الذاكرة وتدخل نظيفا منها، وليت الذاكرة كلية أو زائدة أو ربما نصف رئة، ولو كانت كذلك لتكفل بها أي من المشافي بجراحيه، ولكن من أين بوسعك أن تكون بلا ذاكرة؟
على المستوى الشخصي، فاذا فكرت بأن أكون واحدا من “نسيان”، فتصوروا المطلوب مني:
أولا: أن أنسى أن عام 1967 كان نصرا سياسيا وهزيمة عسكرية.
ثانيا: أن أنسى، أن “ثورة حتى النصر”، اكلت كل أبناءها بدءا من خليل الوزير وانتهاء بياسر عرفات.
ثالثا: أن أنسى أن بلادنا باتت عربة متجولة تبيع ناسها كما قطاع غيار خردة.
رابعا: أن أنسى أن الرجم وارد وجاهز ومشروع، لأي امرأة تطلق ساقيها على ايقاع قلبها.
خامسا: أن أنسى أنني عشت عمري بربع صوت وربع قلب، وربع وقت وربع عيش وربع موت.
سادسا: أن أنسى أن واحد من متل شتراوس قد علمني، وأن فرويد شكلني وأنني لم آخذ من تربتي الوطنية سوى حفنة تراب مؤجلة لموتي، وأنني لم أقرأ رواية واحدة في لغتني تنتمي الي مرة، ولم أسمع نشيدا واحدا أنحني في حضرته لأقول : أفضالك غمرتني ياسيدي.
و .. أنني لم أصب بالغيرة مرة من رجل من رجال وطني.
أن أنسى يعني ان أتذكر ، وأتذكر ماذا؟
ليتني أتذكر همس العشب وهو ينمو على يدي.. لكنه لم ينمو لهذا لن أستطيع أن أتذكر.
لن أستطيع أن أنسى.
حربكم صعب ياصاحبي.