سواسية وأخواتها!
رزان زيتونة
لم يكن ينقص الحراك الحقوقي السوري إلا أن يُستهدف أمنياً من جديد، هذه المرة باعتقال رئيس مجلس إدارة إحدى منظماته. الناشط والمحامي مهند الحسني، رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان ‘سواسية’، اعتقل أخيرا بعد استدعاءات أمنية عدة، وانضم بعدها بيومين إلى زملائه من النشطاء الحقوقيين والسياسيين الذين سبقوه بأشهر أو سنوات إلى سجن عدرا.
منذ تأسيسها عام 2004 حتى اليوم، شهدت المنظمة أداءً ملفتاً في المجال الحقوقي، إن على صعيد دقة المعلومة والصياغة القانونية أو على صعيد رصدها أغلب محاكمات محكمة أمن الدولة الاستثنائية المفتقرة للمعايير الدنيا للمحاكمات العادلة، وللحد الأدنى من احترام حتى الإجراءات الشكلية للمحاكمات، بينما اقتصر رصد المنظمات الأخرى إلى حد بعيد على رصد محاكمات معتقلي المعارضة من معتقلين عرب وأكراد. وعلى الرغم مما ذكرته التقارير الحقوقية عن أن ذلك الرصد بالذات لمحاكمات محكمة أمن الدولة، كان السبب الأساسي للاعتقال، فربما من الأصح عدم البحث عن سبب، لأنه موجود سلفاً، ويتمثل في ما ‘ارتكبه’ الأستاذ الحسني من وهن لنفسية الأمة ونشر الأنباء الكاذبة، وفقاً للتهم التي وجهت إليه قضائياً!
لكن لو صح ما ذكرته تلك التقارير الحقوقية، فهو دليل على ‘تطور’ مهم في عمل محكمة أمن الدولة، حيث لم يعد دورها مقتصراً على التعامل مع المعتقلين عبر محاكماتها الصورية، بل أصبحت تساهم في إرسال المحامين الذين يتولون الدفاع عن أولئك المعتقلين إلى السجن أيضاً. وخصصنا المحامين بالذكر، لأن للمحكمة المذكورة سوابق في إرسال غيرهم إلى السجن، كما حصل مثلاً في الاعتقال السابق للكاتب الصحافي علي العبد الله ونجله محمد اللذين تعرضا للاعتقال والمحاكمة بسبب تضامنهما مع عائلات المعتقلين أمام مبنى المحكمة.
هذا أمر محبط فعلاً؛ بعد سنوات من البيانات والتقارير والجهود الحقوقية المختلفة التي تطالب بإلغاء تلك المحكمة أو على الأقل تحسين إجراءات المحاكمة فيها، تكون النتيجة أن يصبح رصد المحاكمات هناك أحد أسباب اعتقال ناشط حقوقي بارز.
من ناحية أخرى، فإن هذا الاعتقال يثير من جديد الدور الغائب تماماً لنقابة المحامين في حماية ودعم أعضائها. لم نسمع مرة تنديداً من النقابة في انتهاك تعرض له أي من المحامين المنتسبين إليها. بل لاتزال تلك النقابة شريكة في عدد من تلك الانتهاكات، في إصرارها مثلاً على ضرورة حصول المحامين على موافقة شخصية من رئيس فرع نقابة دمشق لزيارة معتقلي الرأي، خلافاً للقانون ولواقع الأمر بالنسبة لجميع سجناء ذلك السجن الجنائيين.
هو أمر محبط آخر؛ لم يحصل خلال السنوات الماضية أي تقدم على هذا الصعيد حتى لو كان طفيفاً.
نقطة أخيرة تتعلق بهذا الاعتقال؛ غني عن البيان أنه عندما نقول ‘منظمة’ فنحن نعني رئيسها، فمن المعروف، أن جميع منظمات حقوق الإنسان في سورية بلا استثناء، هي إلى حد بعيد منظمات الشخص الواحد، بحيث تفتقر إلى هيكلية مؤسساتية وإلى أعضاء ناشطين عملياً، على الرغم من تعداد عشرات الأسماء كأعضاء نظرياً. وهذا يعود إلى أسباب جرى الحديث عنها سابقاً إلى حد الاستفاضة. لذلك، فإن أي اعتقال مماثل يشكل ضربة قوية للحراك الحقوقي السوري، بالإضافة إلى آثاره على شخص الناشط المعتقل وعلى الصعد كافة. هو أيضاً أمر محبط، لكنه واقع يجب التعامل معه بجدية، خصوصاً مع الأخذ بعين الاعتبار ألا أحد يحمل حصانة من مصير مشابه.
في المحصلة، الناشط الحقوقي نزار رستناوي لايزال قيد الاختفاء القسري منذ أكثر من عام على الرغم من انتهاء محكوميته، الناشط والمحامي أنور البني يقضي عقوبة بالسجن خمس سنوات على خلفية نشاطه الحقوقي، وزميله الناشط خليل معتوق يواجه محاكمة أمام القضاء العسكري بتهم القائمة السوداء إياها، فضلا عن الاستدعاءات الأمنية ومنع المغادرة وغيرها من الضغوط المتنوعة.
في مثل هذه الظروف، مع التذكير بعدم السماح بترخيص أي منظمة حقوقية حتى الآن، لا يمكن التعويل إلا على استمرارية ومثابرة زملاء ‘سواسية’ وتضامنهم، على الأقل في سبيل منع عقارب الساعة من الاستمرار في السير إلى الوراء!
* كاتبة سورية