الديمقراطية: هل هي ديكتاتورية الأغلبية؟
من تأليف باسل
05/08/2009
منذ يومين، أعاد الصديق العزيز عمر فتح النقاش بخصوص مشروع قانون الأحوال الشخصية، وأثار الموضوع من باب أنّ النقد القاسي الذي تعرّض له الموضوع المشروع لم يكن ديمقراطيا، وطلب الإحتكام إلى الدستور أو إلى الشعب، والحقيقة أنّ ما أودّ نقاشه هنا هو مدى ديمقراطية الاحتكام للشعب في استفتاء عام في موضوع مشابه؟!
بداية ً أودّ إيضاح نقطتين: الأولى أنّني، وبالرغم من اعتقادي بأنّ جميع أنظمة الحكم السياسية القائمة على أساس ديني هي أنظمة فاشلة، لا أجد مانعا، من حيث المبدأ، في أن يحكم تيّار أو حزب اسلامي، سورية عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة، والثانية: أنّني أعتقد أنّ الإسلام كدين فيه الكثير من الجوانب الإيجابية التي ينبغي أن تدفع كل باحث موضوعي، إلى عدم التساهل في تطبيق معايير علمية صارمة أثناء نقده لأي جانب من جوانب الدين الإسلامي، الأمر الذي لايفعله الكثير من الكتّاب/ النقّاد ممّا يحوّل نقدهم لمجرّد شتائم تعبّر فعليا عن غياب مفزع للرغبة في الحوار!
الديمقراطية تعريفا هي وسيلة (إحدى الوسائل!) لتمكين الشعب من حكم ذاته، لكنّها تفترض قيمتين اثنتين لايمكن من دونهما الحديث عن ديمقراطية وهما: “الحريّة والمساواة”[1] وأي نظام حكم يفتقد أيّا منهما لايمكن تسميته بالديمقراطي! يكفي التفكير بالكيفية، البعيدة عن الديمقراطية، التي يتمّ فيها الإنتخاب في حال غياب الحريّة، أو في حال عدم تكافؤ الفرص!
الآن الديمقراطية بمعنييها السياسي والعملي تعني مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى تشكيل السّلطات، وبعد تشكّل أغلبية منتخبة فإنّ هذه الأغلبية تمتلك الحقّ الكامل في الحكم، لكن ماهو المقصود بالحكم نفسه؟ وأين ينتهي حقّ الأغلبية في التشريع وتاليا في الحكم؟؛ في نظام حكم ديمقراطي، تقسّم دائرة التشريع إلى قسمين: القانون العام والقانون الخاصّ، فيما يخصّ القانون العام يحقّ للأغلبية المنتخبة التشريع في كلّ ماتراه مناسبا تحت سقف الدستور الذي يحدّد المصلحة الوطنية العليا، أمّا فيما يخصّ القانون الخاصّ وهو القانون الذي يعنى بالعلاقات مابين الأفراد من ذوي الشخصيات الفيزيائية أو الاعتبارية، ففي هذه الدائرة تمارس الأغلبية المنتخبة تشريعا يحدّده مبدأ يعرف بــ”التحديد الذاتي للمصير” (وهو مرتبط بطريقة واضحة جدّا بالحريّة! وغيابه ينسف أيّة ديمقراطيّة!)، وبذلك تقوم الأغلبية بدور تنظيمي بحت لهذه العلاقات!
بالعودة الآن لمشروع قانون الأحوال الشخصية، ففي هذا القانون نقطتين اثنتين، في تعارض تامّ مع الديمقراطيّة، مع الحريّة، مع سيادة الدولة، ومع الدستور الوطني، وهاتان النقطتان هما:
• تقسيم المجتمع إلى طبقات: حيث تختلف درجة المواطنة باختلاف الدين، أو الطائفة، وترتيب الأفضلية تبعا لذلك.
• النظرة إلى المرأة: وفيها يؤسّس القانون لتفوّق الرجل وحقّه في التحكّم بمصير النساء اللاتي تحطن به من أخوات وزوجات وبنات، بل وأمهات!
وهنا نصل إلى نتيجة: إذا كان القانون يخرق مبادئ الديمقراطية التي ترتكز على الحريّة الشخصيّة، ويخرق سيادة الدولة بتأسيسه لسيادات فرعية طائفية ودينية، ويخرق الدستور الوطني بخرقه لمبدأ المساواة بين مواطني ومواطنات الجمهورية العربية السورية، يصبح من غير الديمقراطي التذرّع بحجة الديمقراطية وذلك لوجود أغلبية مساندة!
الديمقراطية ليست دكتاتورية الأغلبية، وإنّما حكمها وحسب، وهو حكم محدود غير مطلق ويستند للدستور الذي ينبغي أن يحصل بالمقابل على شبه إجماع، وليس مجرّد أغلبية!
إذا حتّى بالعودة لرأي الشعب، وحتّى إذا ماافترضنا وجود أغلبية تساند ذلك القانون الذي يدخل في نطاق القانون الخاصّ، فإنّ القانون يبقى باطلا، وغير ديمقراطيّ، وأعتقد أنّ الدولة (بغضّ النظر عمّن يحكم) ينبغي عليها في قوانين من هذا النوع أن تحترم آراء ومعتقدات الجميع، ضمن حدود الدستور الوطني!
أخيرا، أعتقد أنّنا فعلا بحاجة لــ”فهم الحدّ الفاصل مابين التعبير عن الرأي وبين مصادرة الرأي الآخر ضمن التعبير عن الرأي”، وهذا هو بالضبط مالم يفهمه معدّو المشروع عندما حاولوا تطبيق نظرتهم على الجميع، دون مراعاة الآراء الأخرى المختلفة؛ ليس الأمر رفضا لتطبيق وجهة النظر الإسلامية على من يريد، لكنّها دفاع عن حقّ أولئك الذين لايرغبون بتبنّي هذه النظرة خلال حياتهم، وهو حقّ مشروع على ماأعتقد، مشروع دينيا، لأنّ الدين يقوم على توازن حريّة الاختيار/ المسؤولية، مشروع وطنيا، لأنّنا جميعا سوريون مسلمين ومسيحيين، ومشروع ديمقراطيا، لأنّ الديمقراطية تقوم على الحريّة والمساواة.