قضية فلسطين

ما يتعدى حماس و”أنصار جند الله”

سعد محيو
هل صحيح ما قالته حركة حماس من أن زعيم تنظيم “أنصار جند الله” الشيخ عبد اللطيف موسى، مصاب ب”لوثة عقلية”؟
ربما، فأهل مكة الإسلاميون أدرى بشعابها. لكن، إذا ما كان الأمر كذلك، فهذه اللوثة تبدو منتشرة كالنار في الهشيم. إذ إن ما يطرحه موسى من دعوات إلى إقامة الإمارات الإسلامية وإعلان الجهاد المسلّح ضد الغرب، هو أيضاً في جذر المبرر نفسه الذي ولدت من رحمه، ولاتزال، مئات الجماعات الإسلامية المسلحة، من الجزائر في شمال إفريقيا إلى إندونيسيا في جنوب شرق آسيا.
لا بل أكثر: منطق موسى يجد صدى حتى داخل صفوف حماس، حيث رصد المراقبون توترات إيديولوجية فيها بين تيارات النهج العملي السياسي البراغماتي وبين التوجهات الدينية المتشددة.
بيد أن هذه الانشطارات ليست خصيصة للحركات الإسلامية. قبلها كان اليسار يشهد ظاهرة مماثلة حين كان هو والاشتراكية ونظريات الحتميات التاريخية، الموضة الفكرية والسياسية في الخمسينات والستينات. في تلك الفترة، كانت تولد كل يوم أيضاً، كالفطر، تنظيمات متطرفة على يسار اليسار “تكفّر” الأحزاب الأخرى، وتتهمها بتحريف تعاليم كارل ماركس وفلاديمير لينين وماوتسي تونغ، وتدعو إلى الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة لبناء الاشتراكية ومجتمع المساواة.
وقد تكشّف فيما بعد أن “السي. أي. آي” كانت وراء العديد من هذه التنظيمات. الهدف: تشويه سمعة الاشتراكية وزرع الانقسامات والصراعات في صفوفها.
منذ أواخر السبعينات، ومع ظهور المضاعفات الكارثية لهزيمة ،1967 حل شعار الإسلام مكان اليسار بوصفه الموضة الجديدة، وبات المعبر الاجباري لكل من يود دخول معترك العمل السياسي. لكن، وكما مع ظاهرة اليسار، حدث التشظي والتدخلات الخارجية (الدولية كما الإقليمية) في صفوف الحركات الإسلامية، وهكذا، تم، على سبيل المثال، إحصاء 70 منظمة إسلامية في بيروت وحدها تتمّول كلها من جهات خارجية متباينة. هذا في حين كانت تتردد شائعات عن أن “السي. أي. آي” والموساد تقفان وراء نشأة بعض التنظيمات الإسلامية المتطرفة لخدمة أجنداتهما الخاصة ضد الإسلام.
بيد أن التحدي الرئيس لمستقبل الحركات الإسلامية لايكمن لا في هذه الانقسامات، على مرارتها، ولا في التدخلات، على خطورتها، بل في قدرة هذه الحركات على الانجاز في ثلاثة محاور: الأول، ابتداع صيغة ما لإنهاء التوتر العميق بين المُثُل الدينية وبين الصفقات السياسية. والثاني، تقديم برامج عمل لتحقيق الديمقراطية السياسية والتحديث الاقتصادي. والثالث، توفير خطط عملية غير انتحارية لتحقيق الاستقلال النسبي عن السيطرة الغربية.
إسلاميو المغرب وتركيا وإندونيسيا يخوضون الآن غمار المحور الأول، حيث قسموا العمل بين النشاط اللاهوتي والعملي. وإسلاميو إيران وصلوا إلى اللحظة الحرجة في علاقة الدين والسياسة. هذا في حين لاتزال جماعة الأخوان المسلمين، وهي التنظيم الأم لمعظم الحركات الإسلامية، تتخبط في أولوياتها بين هذه المحاور الثلاثة.
لكن، سيكون على الحركات الإسلامية الانتباه. فالتفويض الشعبي لهم ليس شيكاً على بياض، كما أنه محدود زمنياً. فإذا ما فشلوا في تقديم إنجازات محددة للشعوب قريباً، فإن هذه الأخيرة ستنفضّ من حولهم كما انفضت في السابق عن اليسار.
وبالطبع، فعشرات القتلى اوالجرحى بين حماس وأنصار جند الله، ليسوا المعالم الصحيحة على طريق هذه الانجازات.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى