أدعياء الإمارة الإسلامية.. كفى متاجرة بدماء الأبرياء!!
محمد فاروق الإمام
قبل ما يقرب من ألف وأربعمائة سنة – بحسب ما روته لنا كتب التاريخ الموثقة – قامت في ربوع الدولة الإسلامية إمارات إسلامية أعلنها بعض الخارجين على الخلافة الإسلامية بدءاً من عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، وحتى بداية الدولة العباسية، مروراً بالدولة الأموية، رفعت شعارات تكفير أولي الأمر واستباحة دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، بحجة تعطيلهم للشريعة ومنعهم تحكيم القرآن، وشغلت هذه الإمارات الباغية الخلافة الإسلامية عن الفتوحات لسنين طويلة، وأرّقت مضاجع الحكام وأرعبت المسلمين وسفكت دماءهم، دون حرمة للمساجد أو البيوت، ولعل ما قام به الخارجي يزيد بن شبيب وزوجته غزالة في مدينة الكوفة، وقد أزهقا أرواح ما يزيد عن ثمانين معتكفاً في جامعها قبل صلاة الفجر – كما روت كتب التاريخ – يعطينا الصورة القاتمة والمظلمة لفكر أدعياء هذه الإمارات التي لا تمت إلى الإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد.
ولسنا هنا في معرض الحديث عن الخوارج الباغين الذين ملأت سود أعمالهم صحائف التاريخ الإسلامي وشوهت تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، فالحديث عن تلك الإمارات يحتاج إلى دراسات وبحوث ومقالات.. إنما أردنا في التلميح إلى ذلك ما نراه اليوم يظهر بين الفينة والأخرى مثل هؤلاء الأدعياء الذين يستغلون عقول الشباب الغض البريء اللين العجينة فيغويها ويجندها لخدمة أغراضه أو هوسه الفكري المظلم، فقد قام بعض هؤلاء الأدعياء بالأمس (يوم الجمعة 14 آب) في مدينة رفح الفلسطينية بمفاجأة المصلين بإعلانه قيام (الإمارة الإسلامية في بيت المقدس) وأعلن عن انطلاقتها من مدينة رفح، وقال هذا الدعي للمصلين (سنقيم هذه الإمارة على جثثنا وأجسادنا، وسنقيم بها الحدود والجنايات وأحكام الشريعة الإسلامية) وخاطب هذا الباغي حكومة حماس بالقول (إما أن يطبقوا شرع الله ويقيموا الحدود والأحكام الإسلامية أو يتحولوا إلى حزب علماني تحت مظلة الإسلام).. متهماً حماس بأنها (لا تقيم شرع الله في الأرض).. محذراً حماس بقوله (من استحل دماءنا سنستحل دمه ومن استحل أموالنا سنستحل ماله ومن يتم أطفالنا سنيتم أطفاله، وإن رملوا نساءنا سنرمل نساءهم).
فهل ما يقوله هذا الدعي هو لوثة عقلية أم ضلال فكري، أم هناك أصابع خفية تحركه وأمثاله بين الفينة والأخرى لإشغال المسلمين ببعضهم عن العدو الحقيقي (إسرائيل)؟!
حماس.. هذه الحركة الإسلامية الوسطية التي ولدت من رحم المعاناة والاحتلال، والتي تحملت ما لم تتحمله الجبال الراسيات من الصديق قبل العدو، وتصدت لعدو ظالم غشوم يملك أعتى وسائل القتل والتدمير والتخريب، مدعوم من دول الاستكبار العالمي، وكل أعداء الإسلام شرقاً وغرباً، وأفشلت خططه في النيل من شرف الفلسطينيين وكرامتهم وإعادة احتلال القطاع المحرر.. وكان الأجدر بمثل هذه الحركات التي تدعي الإسلام والحرص على تطبيق شريعته أن تعين حماس وتقف إلى جانبها في صمودها الأسطوري، وأن تحاورها بالعقل والمنطق حول الخلاف معها نهجاً ومعتقداً، وأن تساعدها في تصحيح أخطائها إن كان هناك من أخطاء، والتاريخ علمنا أن العنف لا يصحح مسار ولا يقوم اعوجاج، والله سبحانه وتعالى قال (ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).
والنبي صلى الله عليه وسلم – من خلال سيرته العطرة – أعطانا الدروس في فن الحوار والجدال والخلاف وتقبل الرأي الآخر.. فلم نقرأ في سيرته أنه قتل أحد منافقي المدينة، أو أحد المشركين الذين يساكنونه أو يجاورونه، أو ظلم يهودياً ذمياً ارتبط معه بالعهود والمواثيق!!
ختاماً نقول لهذا الدعي والمجموعة التي انساقت وراءه على غير هدىً: غزة منطقة محررة لا تحتمل مزيداً من ظهور أدعياء الإسلام وصناع الإمارات الإسلامية الورقية عبر خطب منبرية غير مسؤولة.. غزة تحتاج إلى تلاحم كل الفلسطينيين ومن كل المشارب والمعتقدات والتوجهات، فالعدو الصهيوني هو من يتم الأطفال ورمل النساء ودمر المنازل والمنشآت واستباح دماء أهل غزة من رفح حتى بئر السبع، وهو الذي يمنع الغذاء والدواء والماء عن أهل غزة، وهو الذي يتربص بها الدوائر، ويحاصر أرضها ومياهها وسماءها.. وكان الأجدر بهؤلاء الأدعياء إن كانوا حقيقة يريدون الجهاد ويسعون إليه فهذه الضفة الغربية المحتلة التي يعيث فيها قطعان المستوطنين اليهود الفساد والخراب وطرد الفلسطينيين من بيوتهم ومنازلهم وأحيائهم ومدنهم وقراهم هم أحوج إلى سماع أزيز رصاصهم ودوي أحزمتهم الناسفة، التي يهددون بها حماس وأمن القطاع المحرر واستقراره، وترويع الآمنين من النساء والأطفال والشيوخ، الذين لم تلتئم بعد جراحهم الغائرة بفعل ما قامت به آلة الحرب الوحشية الصهيونية من قتل وتدمير!!
المركز الاعلامي للأخوان المسلمين في سورية