موسيقا الشباب.. حوار الجذور
عامر خ. مراد
طرأت تغيرات واسعة على الموسيقى الشرقية أداء ولحنا وكلمات, وكانت التأثيرات الغربية أعم من كونها مؤثرة على منطقة من الشرق دون غيرها, فقد كان تراث المنطقة بأسره معرضا لهذه التغيرات وهذا التوجه في الغناء الغربي, ولم تسلم الأغنية الكردية من هذه المؤثرات بل كان الفنان الكردي مسايرا لهذه الموجة الفنية الطارئة من الغرب ولذلك نشأت بين الفنانين الأكراد موجة نحت بالفن الكردي نحو بعض المؤثرات الغربية وشكلت نوعا من الغناء المبتعد إلى حد ما عن التراث وإن كانت لدى بعض هؤلاء الفنانين جذور فنية أثرت عليهم في حين ابتعد الجدد منهم عن الروح الأصيلة للتراث الكردي متمثلين روح العصر.
بدايات متجذرة
بدايات هذه الموجة كانت عبر بعض الأغاني التي أطلقها الفنان الكردي الشهير جوان حاجو والذي من الممكن اعتباره رائد الأغنية ذات الطابع الغربي في الوسط الكردي, والذي بدأ من التراث وانطلق وهو في المهجر نحو هذا النوع الغربي الذي تأثر به هناك, كما هو حال معظم الفنانين الأكراد الموجودين هناك, وكانت هذه البداية التي شكلت نقطة البدء والتقليد الذي سار عليه مجموعة من الفنانين الذين لم يختلفوا عنه كثيرا كالفنان عباس أحمد و خيرو عباس و روزين وغيرهم, وكانت الصبغة الأساسية لهذه المرحلة هي محاولة التزاوج بين النمط الغنائي الكردي التراثي وبين النغمة الغربية حيث كانت هذه الطريقة تذكرة المرور للشارع الكردي الذي تقبل بأجزاء منه هذا الشكل فيقول الفنان بروسك محمد شيخو :”لأن هذا النمط من الغناء عالج ضرورة التوافق بين ظروف الحياة المتطورة نحو المختلف فإنه تم قبوله بيننا في هذا المجتمع المحافظ وهذا ليس خطأ فتأثير الآخر ليس مقتصرا على مكان بعينه بل إنه يتسع في رقعة التأثير ليصلنا,ولذلك فيجب أن تظهر لدينا كافة الألوان الغنائية لكي نواكب التطور”.
ولكن هذا الاختراق لم يكن بالأمر السهل والسبب كما يقول الفنان عباس أحمد أحد الرواد الأوائل لهذه الأغنية :” إن انتشار هذه الأغنية في الوسط الكردي كان وما زال صعبا لأن كل ما فيها جديد على المستمع الكردي سواء من آلات أو كلمات أو ألحان أو طريقة أداء, وأكثر من يهتم بها الشباب الكردي وكذلك أولئك المنفتحين على التأثيرات الموسيقية الغربية وعلى كل جديد وأولئك الذين يرغبون في أن تكون في الموسيقى الكردية كافة الألوان الموسيقية الموجودة على الساحة الفنية العالمية, ورغم أن الخطوات الأولى مازالت هشة وبسيطة إلا أنها هامة جدا كبداية”.
نقطة تحول
أما نقطة التحول الأساسية فلقد بدأت مع انتقال مجموعة من الفنانين وعلى رأسهم جوان حاجو إلى نوع من الأغاني البعيدة عن التراث الكردي والذي لم يكن الوحيد في هذا بل رافقته بعض الفرق الكردية الموجودة في أوربا ومنها وعلى سبيل المثال لا الحصر ( كوما جارنوا ) أو فرقة جارنوا وبعض الفنانين الشباب الذين لم يلقوا رواجا في الشارع الكردي الذي يسيطر عليه وإلى الآن بعض الفنانين الأكراد القدماء والذين استطاعوا أن يطبعوا أغانيهم بطابع شبابي أيضا كالفنان الكبير محمد شيخو وهذا ما أغلق الأبواب, نوعا ما, أمام المد الزاحف من هؤلاء الجدد بين أوساط الشباب فيقول الأستاذ أحمد ( مدرس الموسيقى ومدير فرقة سلاف للموسيقى الفلكلورية ):”إن ظاهرة النمط الغربي في الوسط الغنائي الكردي هي ظاهرة مرتبطة بالتطور وهي نتيجة للتأثير الغربي ولكن الأهم هو معرفة أن تأثيرها على الأغنية الفلكلورية والتراثية الكردية ليس خطيرا فكما يعود العرب دائما إلى أم كلثوم وغيرها فإننا نعود إلى محمد شيخو وسعيد يوسف وغيرهم, وخاصة أن لدينا مجموعة من الفنانين الشباب الذين حافظوا على النمط التراثي كشيدا و هفال إبراهيم فالمهم برأي هو أن يحافظ دعاة وممارسي هذا النمط على مبدأ عدم السرقة من التراث وتشويهه, ومن ثم أن يكون لهم هدف من هذا النمط ” ويضيف: ” أعتقد بأن الغناء بالكلمة الكردية وبهذا النمط الموسيقي الغربي أفضل من اللجوء إلى سرقة أغاني الغير, وخاصة إذا كانت في موسيقى هذه الأغاني شيء من الروح و الصبغة الموسيقية الكردية” .
إن كل هذا لم يمنع من ملاحظة تأثير ومد أولي لهذه الأغاني مؤخرا وعلى يد بعض الفنانين الشباب من أمثال الفنانين دلو دوغان و شريف أومري الذين يمكن أن يعدا رائدي نمط الهيب هوب والراب بين الأكراد في سوريا.
مواضيع تلك الأغاني
اختلفت مواضيع تلك الأغاني الجديدة بين أغاني اجتماعية وأخرى عاطفية ولأن تلك الأغنية الاجتماعية لم تستطع أن تلعب دورها فلقد كان مدها في الشارع ضعيفا وبالنسبة للأغنية العاطفية فإن أهم ما ميزها هي الكلمات( الماجنة ) وخاصة في أغاني جوان حاجو كما في أغنية ( سى سى ) مم أدى إلى إعاقة وصولها وانتشارها بشكل سلس في الشارع الكردي لما فيها من تعارض بين العادات والتقاليد والأخلاقيات الكردية وطبيعة تلك الأغاني فيضيف بروسك بما يخص كلمات هذه الأغاني قائلا:” ليس من الضروري الحكم على كلمات هذه الأغاني على أنها كلمات ماجنة أو غير مقبولة دائما فهناك الأغنية والفنان الذي يحترم نفسه من بين الموالين لهذا النمط والذين يقدمون الكلمة الجميلة والمقبولة” ويضيف الفنان دلو دوغان فيما يخص الشروط الأساسية لقدرة هذا النمط على التقدم أكثر في هذا المجتمع قائلا :”إن من أهم شروط استمرار النجاح الذي حققه هذا النمط في الشارع الكردي هو التمسك قدر المستطاع بالروح الكردية والاهتمام بالكلمة وإذا كان هناك البعض ممن يهاجم هذا النمط فالسبب الأهم لذلك باعتقادي هو عدم قدرتهم على أداءه ” وفيما يخص مواضيع هذه الأغاني يقول دوغان:” إن أهم المواضيع التي نتناولها هي المواضيع العاطفية في حين يتوجه أمثال شريف أومري الذي يغني الراب نحو الكلمات الاجتماعية الناقدة”.
ولقد كانت من أهم الأسباب الإضافية التي منعت تلك الأغاني من الانتشار هو ظهور مجموعة هائلة من الفنانين الأكراد الشباب المشهورين والذين انتشروا بسرعة هائلة نتيجة تجديدهم في الأغنية على الأسس التراثية أولا وابتعادهم عن تلك النبرة الغربية أمثال حسن شريف, شيدا, زكريا عبد الله, وغيرهم في حين نجد شرخا واضحا في هذا الفريق عبر آخر كاسيتات الفنان الشاب بلند إبراهيم والذي كان يعتبر من الفنانين المهمين من ذوي الإيقاع الشرقي الخفيف, حيث اتجه نحو هذا النمط الغربي, و يقول فيما يخص هذا التحول :” إنه ضروري جدا لكي نتأقلم مع الواقع الاجتماعي المتغير والمتأثر بكل ما هو جديد”.
الأغنية الغربية في الشرق عموما
وفي أحسن الأحوال فلقد كانت تلك الأغنية المرتكزة على أسس غربية منافس بسيط جدا للأغنية التراثية أو المرتكزة على التراث والمتوافقة مع التقاليد والعادات والتي ما زالت المسيطرة على الساحة الفنية العربية أو الكردية أو التركية وغيرها من الثقافات الشرقية, فيقول الفنان شيدا:” إن هذا التيار الموسيقي موجود عند كل الشعوب,ويجب تقبله ولكن ما يجب الحفاظ عليه دائما هو التراث والجذور المرتبطة به وعدم التضحية بهذا التراث لأجل اللباس الموسيقي الغربي الذي لا يناسبنا أحيانا كثيرة” ففي الوقت الذي ظهرت فيه تلك الأغنية على الصعيد التركي في أغاني فنانين من أمثال تاركان, إسماعيل يك, فرقة الأخوة الوطنيين المشهورين جدا في تركيا فإن تلك الأغاني لم تستطع أن تنافس أغاني جديدة لفنانين من أمثال إبراهيم تاتليسس, والفنان يوسف خربوطلي الذي كان المتربع بأغانيه الشرقية الجديدة على عرش معظم المسابقات الغنائية في القنوات الغنائية التركية وهذا هو حال الفنان حسن شريف الكردي الذي كان المتربع على عرش أمثال تلك المسابقات, و السؤال هل تراجعت مبيعات كاسيتات عبد الحليم حافظ أو أم كلثوم في الوسط العربي أمام الحديث من الأغاني التي ما زال مؤدوها يحلمون بأداء مقطوعة مشابهة لأغاني ذلك الجيل القديم – الحديث؟ ومع ذلك فإن تجاهل الجديد من الأنماط الغنائية فيه الكثير من الإجحاف بحقها وبحق الآلاف من جماهير هذه الأغاني وهذا النمط بشكل عام, ولكن من الواجب و المهم أن ينتهي حديثنا بقول الأستاذ أحمد حين يؤكد بأنه:” في النهاية لا يصح إلا الصحيح, فنجاح الأغنية الأصيلة والمتقنة في كلماتها ولحنها وأدائها غير مرتبط بنمط موسيقاها غربيا كان أم شرقيا”.