صفحات ثقافية

الرواية السورية الجديدة وأسئلتها

null
محمد ديبو
أكثر مايلفت الانتباه في معرض الكتاب هو الشيء الذي لم يلتفت إليه منظمو المعرض ومبرمجو المحاضرات والفعاليات الثقافية المرافقة له.
وهذا ليس جديداعلينا, إذ تعلمنا على مدى عقود أن يأتي الملفت والمدهش دائما من الخارج, من نقطة لا نراها, وكأن ثمة وعيا مزيفا تمكن منا, بأن ما يدهشنا يجب أن يأتي من هناك, حتى لو كان هذا “الهناك” يعني مجرد الـ (لاهنا) فقط.
ظاهرة معرض الكتاب الحقيقية هي بروز جيل روائي جديد استطاع أن يثبت وجوده, وينشر في أهم دور النشر العربية “لا السورية” طبعا, حاملا بذلك شهادة اعتراف مدمغة باعتراف “الهناك” الذي تحدثنا عنه أنفا.
لغة جديدة, مفردات جديدة, هموم جديدة.. والأهم لغة شابة تحمل العصر بين جوانحها لتلغي احتكار “الأباء” بعيدا عن اقصائهم.
أسماء كثيرة دخلت بقوة : عبير اسبر في روايتها الجديدة “قصقص ورق”, وروزا حسن في “حراس الهواء” ومها حسن في “تراتيل العدم” ونادين باخص في ” وانتهت بنقطة”, و لينا هويان الحسن في “سلطانات الرمل”, وعبد الناصر حسو في “قصر الطين”.. إضافة إلى إصدارت جديدة لأسماء معروفة ” فواز حداد في عزف منفرد على البيانو” وغازي العلي, وبعضها ينشر للمرة الأولى منها “منذر بدر حلوم” ..
الأمر الذي يعني أننا أمام موجة روائية جديدة, تستحق القراءة والتفحص والمتابعة النقدية, وهذا ماغاب عن إدارة المعرض.
ومايلفت النظر في الأسماء الجديدة هو هيمنة العنصر النسوي في الكتابة, وكأن الرجال اختفوا من خارطة الرواية السورية الجديدة , الأمر الذي يطرح اسئلة عدة, البعض يطرحها بلؤم, حول سبب بروز الأسماء الأنثوية واختفاء الأسماء الذكورية بعد أن استبدت على مدى قرون طويلة..
هذا السؤال الاستنكاري سمعته من أكثر من صديق ومهتم بـ”الشأن الثقافي”, أسئلة تدور في الخفاء, تطرح خلف الكواليس..دون الجرأة على البوح بها ووضعها فوق طاولة البحث.
ماأراه أن هذه الأسئلة, تعبر عن مرض كامن متأصل فينا, مرض يذهب بنا إلى مناقشة القشور بعيدا عن الجوهر المتمثل في فحص هذا المنجز الابداعي الجديد, قراءته , نقده, متابعته, ليكون النص لا الشخص هو بيضة القبان.
مرض مازال يذهب بنا إلى أن الأنثى لا تصل إلا إذا أوصلتها “المواهب الأخرى”!!! …..
هنا نقول: أن بروز الأسماء الأنثوية وتحدثها بهذه الصراحة, والوضوح حول تجارب ونقاط ربما لم يقدر الرجل على طول تاريخه أن يتحدث بمثلها وبجرأتها أحيانا, هو دليل عافية, دليل نضوج أن الأنثى في مجتمعنا أخذت طريقها, وشقت دربها نحو سماء النور, بعد عقود من اختبائها خلف ظلها الرجل.
ما يلفت النظر هنا أيضا, هو طباعة هذه الأعمال خارج سوريا, ونستدرك كي نقول أن “أغلب” هذه العناوين لا مشكلة لديها مع الرقيب, الأمر الذي يجعنا نتساءل أين دور النشر السورية؟
لماذا لاتقدرعلى اكتشاف اسم واحد كل عام, وبعض هذه الدور يستلمها مثقفون وروائيون؟
ولماذا يسعى الروائيون أنفسهم أيضا لطباعة أعمالهم خارج سوريا, في لبنان ومصر حصرا؟
الروائيون معذورون, بسبب عدم وجود دور نشر سورية تتبنى الشباب وتسعى لاكتشاف الأسماء الجديدة, هذا من جهة, ومن أخرى يسعى الروائي للنشر لدى جهة تستطيع أن تقدم تسويقا مقبولا لكتابه, وهذا غير متوفر في دور النشر السورية..
لماذا؟
لأنها دور نشر يغيب المشروع الثقافي عن أجندتها, فهي مجرد مشاريع تبحث عن الربح الصافي؟؟ وهذا حقها.
ولكنها حتى في عملية بحثها عن هذا الربح فهي لاتمتلك الآليات الحقيقية والمؤسساتية التي تجعل منها مؤسسة لا مجرد “دكان بيع”!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى