صفحات العالمقضية فلسطين

هل صحيح أن هذا يحصل في غزة؟

صقر ابو فخر
كانت الصورة في غزة يوم الجمعة الواقع فيه 14/8/2009 تشبه، إلى حد بعيد، مشهدا سرياليا هاذيا وساخرا معاً. عناصر المشهد متنافرة، غير متآلفة كما يجب أن تكون، بل إنها مفككة تماما مثل المنامات «المخربطة»، أو كما يقول العرب: «أيامها منحوسة وأنباؤها مدسوسة ومجاريها معكوسة».فبينما كان اسماعيل هنية يُلقي خطبته في أحد مساجد غزة، وينفي فيه، نفيا قاطعا، وجود مجموعات متطرفة في القطاع، كان أبو النور المقدسي (أو عبد اللطيف موسى) يعلن، في الوقت نفسه، من مسجد ابن تيمية في حي البرازيل في رفح قيام إمارة اسلامية، متوعدا المخالفين بالحدود، وواعدا الأنصار بامتداد إمارته إلى بقية دساكر قطاع غزة في القريب العاجل. فما كان من حركة حماس، وقد ضرب إعلان إمارة أبو النور المقدسي على أوتار سلطتها الحساسة، إلا ان عاجلته بهجوم ضار راح فيه نحو ثلاثين قتيلا وقرابة مئة وخمسين جريحا، بينهم أبو النور المقدسي ومساعده أبو عبد الله المهاجر وهو رجل سوري يدعى خالد حسن بنات. وهكذا انتهت قصة هذه الامارة الاسلامية التي كانت الأقصر عمرا بين جميع إمارات العالم القديم والجديد معاً.
أيقظت هذه المعركة الدموية في رفح شجونا كثيرة، وأطلقت تساؤلات مُرّة على غرار: ما الذي فعلته حركة حماس بقطاع غزة؟ ما الثقافة التي تنشرها حماس الآن في صفوف الناس والتي ستؤدي، بكل تأكيد، إلى ظهور أبو النور المقدسي بعشرات الشخصيات الأخرى؟ إلى أين سيقود الهجوم الكلامي غير البليغ الذي طالما تمادت حماس في شنه على اليسار وعلى العَلمانيين وعلى حركة فتح؟ ما سيكون مصير الناس في كل مرة تظهر مجموعة متطرفة هنا أو جماعة «منحرفة» هناك؟ كيف ستتعامل حماس مع جميع الذين يرفضون أسلمة الحياة اليومية لأهالي القطاع؟
يبدو أن المسلك الفكري ومعه السلوك اليومي لحركة حماس في غزة ما زال يدور في إطار الحلال والحرام، والمنكر والمكروه. وما رأيناه في رفح هو النتيجة المنطقية، بل الحتمية، للأصوليات الدينية حينما تتحكم برقاب الناس، فتخلق، في جملة مخلوقاتها العجيبة، كائنات شوهاء من طراز «جند أنصار الله» وغيرها، وتعيد سيرة التجربة الصومالية او التجربة الأفغانية او حتى التجربة الحوثية.
الجماعات الاسلامية المسلحة والمتطرفة مثل النابض الحديدي، ما إن يرتفع ثقل الدولة عنه حتى يتمدد بسرعة وعنف. وهذا ما حصل فعلا في غزة بعد 14/6/2007، وهو يذكرنا بالجماعات المسلحة في الجزائر ومصر، وبجماعة الاخوان المسلمين في سورية التي مارست الارهاب الأسود والقتل بالجملة وترويع المجتمع، وأطلقت السعار المذهبي المقيت، ولم تتورع عن إعلان منهجها «الجهادي» بتفخيخ حافلات النقل واغتيال النخب الراقية وتفجير الأحياء السكانية.
خرافة الفكر المنحرف
لا ينفع البتة الكلام الذي تسوِّقه حماس، الآن بعدما وقعت الواقعة، على «الفكر المنحرف» وعلى هذه الجماعات المنحرفة. هناك دائما من يعتقد أن حماس نفسها تعتنق فكرا منحرفا.
ستواجه حماس منذ الآن جماعات عفريتية لا يدري أحد كيف تنبثق وكيف تنتفض. والمجتمع الفلسطيني في غزة هو الذي سيدفع، في نهاية المطاف، أثمان ذلك، وسيتدهور إلى حال من الرثاثة المروِّعة.
إذا كان الاسلام لدى حركة حماس أداة تعبوية (علاوة على كونه عقيدة إيمانية) استُخدمت في النضال الوطني، فإنه، في سياق ما يحدث في غزة، سيتحول أداة للحكم: فرض الحجاب، ومنع الغناء والموسيقى، ومنع تعليق الملابس على المجسمات النسائية الكاملة، ومنع السباحة، ومنع تجول الفتيات مع رفاقهن الشبان، ومنع الضحك بصوت عال… وهكذا. وهذه، بالضبط، البيئة التي ستنتعش فيها الجماعات المقاتلة، لأن هذه الجماعات مثل عيدان الكبريت تحتاج إلى بيئة ملائمة لتشتعل. فلو رُميت العيدان في برميل من الماء لانطفأت. ولو رُميت في برميل من البنزين لاشتعلت.
السلفيون في غزة: «جلجلت»
بدأ ظهور السلفية في قطاع غزة في أوائل ثمانينيات القرن العشرين مع عودة بعض الطلاب الذين درسوا الدين في المملكة العربية السعودية، ثم باشروا الخطابة والوعظ في المساجد. وبعد ذلك شرعوا في إنشاء المؤسسات السلفية الدعوية مثل «المجلس العلمي للدعوة السلفية» و«دار الكتاب والسنة» و«جماعة التبليغ والدعوة» (أميرها علي الغفري). وفي 5/5/2007 اغتيل سليمان الشاعر، وهو أحد عناصر حركة فتح جراء إلقاء قنابل وإطلاق نار على مهرجان أقامته الأونروا في المدرسة العمرية في رفح بذريعة الاختلاط. وقد كشف هذا الحادث عن وجود مجموعات سلفية متشددة تركت السلفية الدعوية وانتقلت إلى السلفية الجهادية أمثال:
1ـ جماعة «سيوف الحق» التي تخصصت بملاحقة «الفساد الأخلاقي»، وقامت بتفجير مقاهي الانترنت ومحلات بيع الأفلام، ومارست الاعتداء على المتبرجات.
2ـ «جيش الاسلام» الذي أسسه (الشيخ) ممتاز دغمش في 8/5/2007. وممتاز دغمش هو الذي اختطف غلعاد شاليط والصحافي ألن جونستون في 12/3/2007.
3ـ «جماعة التكفير والهجرة»، وهؤلاء لا يرسلون أولادهم إلى المدارس، ولا يذهبون إلى الأطباء، بل يتداوون بالأعشاب ويقومون بتدريس أبنائهم بأنفسهم.
4ـ «جيش الجهاد وردع الفساد»، وهو ينتمي إلى تنظيم «القاعدة».
5ـ «الجبهة الاسلامية لتحرير فلسطين»، وهي تتقاطع أهدافها مع «القاعدة»، وتأخذ على حماس التهدئة العسكرية مع اسرائيل وعلاقتها القوية بإيران.
6ـ «جيش القدس الاسلامي ـ تنظيم القاعدة في أرض الرباط» الذي أذاع بيانه التأسيسي في 8/5/2006.
7ـ «جند أنصار الله» وهم أنفسهم «أنصار السنة» الذين أخذوا على حماس مشاركتها في الانتخابات التشريعية في كانون الثاني 2006 ومهادنتها اسرائيل، وقبولها الدولة الفلسطينية على اراضي 1967. وهذا التنظيم الذي اشتهر باسم «جلجلت» فيه ما يكفي من الحمقى والمعتوهين، ففي 8/6/2009 امتطى عشرة أشخاص منهم الجياد وهاجموا مستوطنة ناحل عوز الصهيونية في حملة أسموها «غزوة البلاغ بالجياد المفخخة» فقتل خمسة منهم على الفور من غير ان يصاب أحد من الاسرائيليين.
وفي معمعان هذه الجماعات ظهرت شخصيات سلفية أمثال الشيخ سليم شراب وياسين الأسطل وحسن العقاد ومصطفى العقاد والشيخ كامل البلتاجي وسليمان الأسطل وعبد الكريم الكحلوت وعلي الغفري وجهاد العجوة وآخرين.
إلى أين تقود حماس قطاع غزة… بفكرها الديني السلفي؟
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى