الانسانية العربية والانسانية الغربية
فلورنس غزلان!
ـــ شكر الرئيس الفرنسي الرئيس السوري بشار الأسد على دوره الهام في العمل على إطلاق سراح الشابة الفرنسية ” كلوتيلد ريس” ومن قبلها الفرنسية بالتجنيس الموظفة في السفارة الفرنسية بطهران السيدة ” نازك أفشار” ـ وكتبت الصحف المقربة من الرئاسة الفرنسية الخبر الهام وأبدت اهتمامها بسورية ودورها في المنطقة وحكمة الرئيس الفرنسي بالانفتاح على النظام السوري لأهمية دوره في عملية السلام والاستقرار في المنطقة.
ـــ قبل قليل فقط أعلنت الاذاعات والبرامج التلفزيونية خبراً عاجلا مفاده إطلاق سراح سجين آخر ــ يختلف نوعا وجرماً ــ إنه السيد عبد الباسط المقراحي ضابط المخابرات الليبي، الذي رست عليه جريمة ” لوكربي ” وكان كبش الفداء الليبي لانقاذ سمعة بلده ودورها المشين في قتل مسافرين عزل ينتقلون من لندن إلى نيويورك على متن طائرة لوكربي…لم يكن المقراحي إلا ذراعاً من أذرعة جهاز الأمن الليبي، ذراعا تنفذ ولا تعترض وربما تقتنع بصحة القتل وفائدته الثورية !، ورغم كل شيء رغم الموقف الإنساني لدى كل منا حيال ضحايا لوكربي، لنا كذلك موقفاً إنسانياً من إطلاق سراح المقراحي ، المريض بالسرطان وأن من حقه أن يعيش ماتبقى له من أيام بين أهله وذويه ، ولعلمنا ويقيننا كذلك أنه مجرد ” عبد مأمور لسيد مستبد”، وهل كان باستطاعته رفض المهمة؟
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ونحن نقرأ ونرحب بخبر اطلاق سراحه “الانساني “.
كم من مقراحي آخر يعيش بين جنبات وحواشي الأنظمة العربية؟.
.لكن يبدو أنهم لايخشون شيئاً ويستندون لدعامة قوية ونظام يعتقدون أنه أكبر منعة وصلابة وسيظل كذلك لأن كل العوامل الداخلية والمناطقية والعالمية يهمها أن تظل أوضاعنا ” مستقرة ” ــ حسب رأي السياسة الفرنسية ــ وتساعد في استمرار عملية الاستقرار سواء عن قناعة سياسية ، أو عن عمى سياسي كما هي حال المعارضة السورية وفهمها لمجريات الأمور وقراءتها لسياسة المنطقة والداخل خاصة. لكن هل سأل مقراحيو النظام السوري وما ارتكبته أيديهم من جرائم ليس بحق مواطنين من دول أخرى ” كلبنان مثلا ” وإنما بحق أبناء وطنهم وأبناء جلدتهم، ويعتقدون أنهم سيبقون بمنأى عن كل محاسبة وعقاب ، التاريخ لم يرحم أحداً ولكم في تاريخ البشرية وإنسانيتها خير مثال من الأوروغواي وتشيلي ونيكاراغوا ورواندا حتى العراق ولبنان.
ـــ جميل أن يتدخل رئيس بلد ما من أجل عمل إنساني ويطلق سراح بريء ـ وأن يسجل له هذا الشرف والفضل، كنا نتمنى أن يقوم بالدور نفسه الرئيس ساركوزي لدى بشار الأسد للعمل على إطلاق سراح معتقلي الرأي في السجون السورية ولأهداف إنسانية أيضاً لاتقل أهمية عما فعل الأسد ولا ما قام به وزير العدل الاسكوتلندي ” كيني مكاسكيل ” وضرب عرض الحائط بالضغط الأمريكي صاحب الإنسانية التي تحمل وجوها تشبه في إنسانيتها الوجوه الإنسانية للأنظمة العربية ، وتقيم الوضع حسب انتماء الانسان وجلده ، وإلا بماذا يختلف وضع رياض سيف المصاب بنفس الاصابة السرطانية للمقراحي ، مع الفارق الشاسع بين التهمتين ، فرياض سيف لم يفجر طائرة ولم يقتل 270 راكباً ، لكنه استخدم صوته مطالبا بالحرية له ولوطنه وأبناء وطنه معتقدا أن هذا لايخل بالاستقرار بل يزيده منعة، أم أن الإنسانية تتعلق بالقتلة فقط وليس بأصحاب الرأي؟
ويا سيدي الرئيس ساركوزي ، ماهو الفارق بين كلوتيلد وفداء حوراني إنسانيا؟
نعم انه فارق كبير وشاسع، ففداء ابنة أكرم الحوراني، وابنة حماة والعاصي ، طبيبة وظيفتها إنسانية لم تقدم تقاريراً لسفارة غربية أو عربية ، حتى أنها لم تشارك بمظاهرة علنية، شاركت باجتماع سري علني ، طرحت أفكاراً تحيي ولا تميت ، طرحت أقوالاً تحمل نوراً وحرية ،تطالب بالخبز للجميع والطبابة للجميع والكهرباء والماء للجميع، لكنها تعاقب بالسجن لأن مطاليبها” توهن عزيمة الأمة” ، وكلوتيلد لم توهن عزيمة الأمة الفرنسية ولا الايرانية …ألهذا السبب لم تتدخل سيادتكم وترى أن” الاستقرار” يعني عض النظر عن الإنسانية وحقوق الإنسان حين يكون سوريا وليس فرنسيا؟!.
ــ الأكثر غرابة موقف السيدة هيلاري كلينتون ومعارضتها لإطلاق سراح المقراحي، لكنها ترسل بزوجها الرئيس السابق بمهمة صعبة هي الأخرى و” إنسانية ” كذلك من أجل إطلاق الصحفيتين الأمريكيتين من سجون كوريا الشمالية..
هنيئا لمواطنيكم لأنهم مهمين عندكم وتسعون جاهدين من أجل حريتهم وهذا واجبكم ومسؤوليتكم، لكن رجاء توقفوا عن المتاجرة بالانسانية ، توقفوا عن الكيل بمكيالين ، وعن القياس السياسي حسب منظاركم ومصالحكم التي تضعونها في رأس قائمة علاقاتكم وتعرقلون كل الدواليب الانسانية من أجل مواطنكم ، بينما تبيعون جلودنا حين تصبح مصالحكم في كفة الميزان، وتوضع قوانين الإنسانية ومعاهدات الكون ومواثيق هيئة الأمم وحقوق الإنسان على الرف والهامش لأن الضحية والثمن لاينتمي لوطن من أوطانكم.
فداء وأكرم وأنور ورياض ورفاقهم يدفعون غاليا من أجل حرية الانسان في أوطانهم ، لكنهم ونحن معهم كنا نعتقد أن دولاً دافعت وساهمت وناضلت من أجل صياغة لاميثاق العالمي لحقوق الانسان ، لن تتخلى بسهولة عن مناضلي هذا الحق، وهاهي الأيام تجري وتثبت لنا يوماً بعد الآخر أن الخطاب السياسي يختلف عن الممارسة، وأن القيم الانسانية تباع في سوق المساومة السياسية، يكفي أن نقرأ تصريحا للرئيس السوري يقول فيه حرفيا” أنه قدمت لنظامه مساومات سياسية عديدة بشأن قضية المحكمة الدولية الخاصة بقضية الرئيس الحريري”…إذن نحن ننتمي لبازار سياسي عالمي… وهذا يعني أنه علينا أن نغير من الكثير من سلوكياتنا وقناعاتنا واستراتيجياتنا ، فكيف وأين يجب أن نضع أقدامنا؟ ومع من نتحالف ؟ وكيف نتعامل ونفهم السياسة إن لم نتقن فعل التجارة السياسية؟
ـ باريس 20 ــ 08 ــ 2009
خاص – صفحات سورية –