حيـن تصبـح كـرة القـدم لعبـة ثقافيـة
بيثنتي مولينا فويكس
من أسوأ الأمور التي يمكن أن يتعرض لها أي كاتب اسباني، أن تكون هناك مباراة في كرة قدم مبرمجة، في الوقت المحدد له كي يقدم إلى الجمهور كتابه الجديد. لقد عشت هذه التجربة، حيث عرفت حصتي من العذاب والإهمال والذلّ، وأستطيع أن أشهد على ذلك.
تخشب
في البداية، لا بد من أن تواجه صعوبة جمّة في أن تجد كاتبا يرغب في تقديمك، في المقهى أو في المكتبة حيث يدور، عادة، هذا النوع من التظاهرات. لا لأنه يعتبر كتابك بمثابة عمل بدون قيمة أو لأنه يتردد في أن يغمرك بالمديح أمام الجمهور، بل لأن المشكلة، تكمن في أن هذه التظاهرات الكُتبية (من كتب) غالبا ما تكون أيام الأربعاء، الذي يشكل أفضل يوم لإقامة مباريات دوري أبطال أوروبا أو لإقامة المباريات الدولية الأخرى: من هنا فأنت تطلب منه أن يُضحي بعدم مشاهدة النقل المباشر لمبارة قد تضم بايرن ميونخ مع برشلونة، أو مباراة ريال مدريد ـ الأرسنال، أو فالنسيا ـ أولمبيك مارسيليا. لن يتحدث صديقك معك بصراحة، ثمة حياء أدبي يعتريه، إلا أنه حين يجيء اليوم الموعود، يعلن إليك بصوت مرغم بأنه ذاهب إلى الدانمارك حيث على ابنه أن يقدم عرضا في مدرسته. حقا أنك غير محظوظ.
وحين تقع في النهاية على شبيه مثلك لا يهتم أبدا لا بمباريات البطولة ولا بمباريات الكؤوس، لا يتبقى أمامك سوى أن تراعي مزاج صاحب المكتبة السيئ كما مزاج أصدقائك الحميمين (القليلين) المجبرين على سماعك وأنت تخطب حول روايتك، في الساعة التي سيسجل فيها فرناندو توريس هدفا أسطوريا.
ذات يوم، وكان ذلك منذ سنوات، أجبر ناشري السابق على تعيين تاريخ تقديم احدى رواياتي في اليوم الذي كانت ستدور فيه مباراة نصف النهائي في كأس أوروبا، ومع ذلك لم أجده متوترا. كان جالسا إلى طرف الطاولة، خلف المقدم، وبينما كنت مع هذا الأخير نتحدث عن الكتاب، كنت أراه مستغرقا، وربما كثير الاستغراق، في الاستماع إلى هذه التفاهات الحماسية وإلى هذا المديح العديم الطعم الذي كان يقال. بعد انتهاء المداخلات، لم يُعف الجمهور القليل نفسه من التصفيق الحار، إلا أن الناشر لم يُصفق، بل انه لم يهتز له طرف، بل بقي محدقا في الفراغ بنظرة كئيبة. هل كان ضحية ذهول أم ضحية أزمة قلبية؟ اقتربت منه من دون أن ينتبه لوجودي. كان يضع في أذنيه سماعات صغيرة جدا، كتلك التي تباع في «محلات الجواسيس»، من أجل أن يتابع عبر الإذاعة مباراة ريال مدريد، فريقه المفضل، التي خسر فيها بثلاثة أهداف مقابل لا شيء، كما عرفت ذلك في ما بعد. من هنا فهمت هذا التخشب الذي أصابه، هذه الكآبة.
ثمة نتيجة لهذه الحالة الشاذة، لا يمكن الاعتماد عليها ـ إذ أجهل ما إذا كانت موجودة في البلدان الأوروبية الأخرى ـ وهي جودة المقالات التي تكتب عن كرة القدم وبتأثير متبادل، أعتقد ذلك، إذ هناك أيضا رهافة ثقافية عند بعض لاعبي كرة القدم. فعلى الرغم من أن كرة القدم لا تشكل واحدة من خطاياي، إلا أني أقرأ بمتعة أنريكي فيلا ماتاس وخافييه مارياس، وخافييه سيركاس وراي لوريغا عندما يكتبون عن كرة القدم في الصحف، ما يتيح لي ذلك أن أتسلل يوميا ـ وبفضل نثرهم الذي هو على أعلى درجات الرهافة ـ إلى ألغاز هذا الفضاء المُشفّر الذي يتحدثون عنه، والذيب هو التأكيد أكثر تشفيرا من عقدهم الروائية. نحن هنا أمام تقليد (اسباني). من بين شعراء جيل غارسيا لوركا، لا بد من أن نحصي أناشيد حماسية تمجد حراس المرمى (رفاييل ألبرتي وميغيل هيرنانديز) كما تمجد الكرة الجلدية (جيراردو دييغو). هذه الحمى الكروية عدنا لنجدها بعد الحرب الأهلية في أعمال كتاب كانوا على قد كبير من الجودة العالية مثل ثيلايا أو غارسيا هوتيلانو. لكن بشكل معاكس، نجد الأرجنتيني خورخي فالدانو، الذي كان أحد لاعبي ريال مدريد الكبار قبل أن يصبح مدرب هذا الفريق، كان يثير حماسة لاعبيه في غرف تبديل الملابس وهو يلقى على مسامعهم أبياتا شعرية لبورخيس، ويقال إنه كان يرسم «تكتيكاته» في اللعب من على مقعد الاحتياطيين مستوحيا من بنية «الكوميديا الإلهية» لدانتي.
داء الثعلب
ذات يوم، وجدت نفسي مع بيبي غوارديولا في احد البرامج التلفزيونية حيث كنا نتحدث عن كرة القدم. كان هذا اللاعب الرائع ـ الذي لعب مع فريق برشلونة ـ قارئا متنورا، ما دفعني في ما بعد لأن أتابع بعض مبارياته من على شاشة التلفزيون. بعد أن غادر فريقه برشلونة، تابع غوارديولا مسيرته الكروية في بعض النوادي الأوروبية لكنها كانت أقل تألقا. عاد مؤخرا إلى فريقه القديم بصفة مدرب، حيث حقق معه موسما خرافيا.
ومع ذلك، فإن مشجعي هذا النادي الكاتالوني يشعرون بقلق عميق. إذ ان بيبي غوراديولا ـ الذي كان «رمزا جنسيا في شبابه والذي ما زال رجلا جميلا ـ بدأ يفقد شعره منذ أن تبوأ منصبه الحساس، الجديد. هذا الموضوع شكل أساس حديثي حين التقيت منذ أسبوعين، مع ناشر كتبي الحالي، وهو مشجع متحمس للبارشا. في الحقيقة وجدته كئيبا بشكل واضح من داء الثعلب الذي أصاب غوارديولا أكثر من الأزمة في قطاع النشر.
ترجمة/ إسكندر حبش
السفير