السويداء السورية تكافئ وهّاب: نافذة الدروز إلى دمشق
زار رئيس تيار التوحيد وئام وهّاب محافظة السويداء في سوريا لمدّة ثلاثة أيّام، وحظي باستقبال شعبي هو عبارة عن شكر رسمي وشعبي على مواقفه خلال السنوات الأربع الماضية، وإعلانه زعيماً درزياً على اعتبار أنه «النافذة بين الدروز وسوريا»، فوعد وهّاب أهالي السويداء بزيارةٍ أخرى «مع باقي القادة الدروز في لبنان»
ثائر غندور
وئام وهّاب في السويداء، جنوب شرق سوريا. الخبر عادي، بل أكثر من ذلك. زيارات الرجل إلى دمشق كثيرة، وهو لا يخجل بذلك. لكن عندما تتحوّل الزيارة إلى مهرجان شعبي لاستقباله، بالترافق مع استقبال رسمي شارك فيه مسؤولو الأجهزة الأمنيّة ومحافظ السويداء وأمين فرع حزب البعث في المحافظة (وهو أعلى سلطة فيها، لكون الدستور السوري ينص على أن الحزب يقود الشعب) ومشايخ عقل الدروز الثلاثة في سوريا (الشيخ حسين جربوع، الشيخ إبراهيم الهجري والشيخ الحناوي)، فإن للزيارة معنى آخر، معطوفاً على الاستقبال الرسمي الذي تولّاه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع وعدد من وزراء الحكومة السوريّة منذ حوالى أسبوعين.
الرسالة التي حملها الاستقبال الرسمي هي أن سوريا لن تتخلّى عن حلفائها في لبنان على أبواب المصالحات السياسيّة. أمّا الاستقبال الشعبي، فحمل معاني كثيرة.
أول تلك المعاني يُمكن الدلالة إليه من الإطلاق الكثيف للنار خلال الاستقبال، وأثناء إلقاء الوزير السابق وهّاب كلمته. والغريب أنه جرى في وجود رؤساء الأجهزة الأمنيّة، وهو ما يعني قبولاً رسميّاً بموقع وهّاب ودوره في الوسط الدرزي السوري.
أمّا المعنى الثاني، فيظهر من كون وهّاب هو السياسي الدرزي الأول الذي يحظى بهذا النوع من الاستقبال. ففي ظلّ أفضل العلاقات بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط والسوريين، لم يذهب زعيم المختارة إلى السويداء إلّا مرتين: واحدة بعد اغتيال والده كمال جنبلاط، واستقبله سلطان باشا الأطرش، والثانية في الثمانينيات من القرن الماضي للمشاركة في دفن الأطرش. وفي الزيارتين، لم يحظَ جنبلاط بهذا النوع من الاستقبال الشعبي، وبقي زائراً للسويداء من دون الدخول في تفاصيلها المحليّة.
الاستقبال الذي حظي به وهّاب لم يحظَ به أيّ من القادة الدروز الذين زاروا سوريا
هدف هذه الزيارة حجز موقع لوهّاب في السويداء، حيث له ممثلون ـــــ مسؤولون يتابعون أمور الناس، لبنانيين وسوريين في السويداء. وتجد مسؤولين افتتحوا مركزاً لتيّاره السياسي، ويضعون على صدورهم «زرّ» تيّار التوحيد على ثيابهم، ثم يسألون نائب رئيس التيّار، الشيخ سليمان الصايغ: «متى يُمكننا أن نبدأ قبول طلبات الانتساب إلى تيّار التوحيد؟». والأكثر غرابة، ربما، ما يقوله وهّاب في أحد اللقاءات مع مسؤولين محليين، في حضور المحافظ ونائب السويداء في مجلس الشعب، عبد الله الأطرش: العمل في الطريق السريع الذي يربط السويداء بدمشق سينتهي في شباط 2010، ويُخبر الحاضرين عن اهتمام الرئيس بشّار الأسد بهذه المنطقة، وكلامه الكثير عنها، مشيراً إلى أنه زارها أكثر من مرّة فيما لم يزر المحافطات الأخرى إلّا مرة واحدة. ببساطة، يؤدّي وئام وهّاب دوراً كراعٍ للدروز في السويداء، وهذه هي المرّة الأولى التي يعطى فيها دور لسياسي لبناني داخل سوريا.
ويُمكن استخلاص المعنى الثالث من كلمة وئام وهّاب. فللمرّة الأولى هناك من يتحدّث من خارج القاموس الوطني ـــــ القومي الرسمي السوري. لقد تحدّث عن سلطان باشا الأطرش، وعن دوره في مواجهة الفرنسيين. وأكثر من ذلك، تحدث عن الدروز كمجموعة، وهذا كلامٌ لم يكن مسموحاً به في سوريا، الدولة العلمانيّة، التي ترفض الحديث عن المجموعات الدينيّة وأدوارها، علماً بأن النائب ميشال عون فعل الأمر ذاته، مسيحياًَ، في زيارته الأولى إلى دمشق في العام الماضي.
وضمن هذا المعنى، بنى وهاب مهمة إضافية، قال: «الطائفة الدرزية كلّها الآن إلى جانب سوريا والمقاومة والممانعة. وإن شاء الله في الزيارة المقبلة سيكون في السويداء جميع قادة الطائفة الدرزية، وستسقبلهم كلّ السويداء ليؤكدوا أن مصيرنا واحد. ويجب أن ننسى شوائب الماضي، لأن المستقبل بيننا هو لشعب واحد في دولتين».
■ العلاقة بين دروز السويداء ووليد جنبلاط
لا يأتي إعطاء وئام وهّاب هذا الدور من فراغ. فما يقوله الرسميّون في سوريا هو أن وهّاب أبقى لهم نافذة للعلاقة مع دروز لبنان، وبقي واضحاً في خياره السياسي، رغم الضغوط التي تعرّض لها في السنوات الأربع الماضية. ولا يختلف الكلام الشعبي كثيراً عن الكلام الرسمي، لكن مع بعض الإضافات. فالناس في السويداء يتحدّثون عن ضرورة المصالحة مع النائب وليد جنبلاط «من أجل الاعتبارات السياسيّة وإنقاذ لبنان من المشروع الأميركي، بحسب أحد الوجهاء المحليين. يُضيف هو وغيره: لكن من يُعيد لنا الاعتبار ومن يُعيد أبناءنا الذين قُتلوا في لبنان، وفي جبله تحديداً، على يد الجنبلاطيين في الفترة التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
يشعر زائر السويداء بالحاجة الملحّة إلى مصالحة وليد جنبلاط للناس. قد يكون النظام السوري تجاوز ما حصل مع المختارة، لكنّ هؤلاء الذين ما زالوا يفخرون بمواجهتهم الفرنسيين، ويُعلّقون صور شهدائهم، ويُقيمون مدافن مميّزة لأبنائهم الطيّارين في الجيش السوري الذين سقطوا في حرب تشرين 1973، ويرفعون مجسّمات لطائراتهم فوق المدافن، ويتحدّثون عن الضابط سليم حاطوم، الذي قُتل أثناء رئاسة أمين الحافظ، عام 1968، يفاخرون بما قدّموه لجنبلاط من دعمٍ إبان الحرب الأهليّة، وإذ يتحدّثون عن المقاتلين الذين أتوا إلى جبل لبنان والمساعدات الغذائيّة والقمح الذي أرسلوه، يسألون عن السبب الذي دفع جنبلاط إلى خياراته السياسيّة تلك، وعن الجريمة التي اقترفها أبناؤهم كي يقتلوا في جبل لبنان بعد اغتيال الرئيس الحريري.
هؤلاء، الذين ما زالوا يضعون صورة زعيمهم سلطان باشا الأطرش أعلى من صورة رئيس دولتهم والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، يرون أن وئام وهّاب حافظ لهم على علاقة جيّدة مع محيطهم الشعبي في سوريا ومع دولتهم. ينظرون إليه كزعيم، ويسألونه زيارة منازلهم. وقد يكون سؤالهم الدائم عن أمنه دليلاً على ذلك.
التوحيد في دمشق
منذ إعلان تأسيس تيّار التوحيد (2006)، كان له ممثّلون في سوريا، ولا سيما في دمشق والسويداء، ويتمتع هؤلاء بعلاقات طيبة مع مختلف الإدارات السوريّة. ويعملون أساساً على توفير الخدمات للبنانيين الموجودين في سوريا أو الزوّار، وبعض السوريين. وتتركّز تلك الخدمات على توفير المنح التعليميّة والخدمات الصحيّة وحلّ المشاكل، مثل حصول بعض اللبنانيين على إقامات، وخصوصاً مع فرض الدولة السورية شروطاً على حصول اللبنانيين على إقامات. ويعمل هؤلاء أيضاً على تقديم الخدمات لبعض المواطنين السوريين، ويصل عدد المستفيدين إلى المئات سنوياً. لكنّ ممثّلي وهّاب لا دور سياسياً لهم على الإطلاق، إذ إن هذا الموضوع محصور بيد الوزير السابق.
قرابة عائليّة تجمع سكّان السويداء بسكان جبل لبنان
يسكن في محافظة السويداء نحو 550 ألف مواطن دُرزي، يُضاف إليهم خمسون ألفاً في حلب، ما يعني أن سوريا تضمّ التجمّع الأكبر للدروز في المنطقة.
وهناك علاقات قربى بين دروز سوريا ودروز لبنان، إذ يُخبر سكّان السويداء ومحيطها عن أبناء أعمامهم وأجبابهم في هذه القرية اللبنانيّة أو تلك. ويقطن نحو 3500 درزي لبناني في محافظة السويداء، إضافة إلى 15000 لبناني يزورونها كل ستّة أشهر. ويعمل اللبنانيّون في تلك المنطقة في التجارة خصوصاً، إضافةً إلى أن عدداً منهم يملكون أرضاً هناك.
وقد جاء معظم هؤلاء إلى السويداء إبان الحرب الأهليّة وقبلها، هرباً من الأوضاع الأمنية والاقتصاديّة السيّئة التي عانوا منها. وتمتاز هذه المنطقة، التي تلتف حول جبل بركاني، بوجود مقامات دينيّة لطائفة الموحّدين الدروز، أهمها مقام النبي شيحان في بلدة شهباء، وهو أقيم على فوهة البركان.
الأخبار