اسرى الجولان: فجر الحرية آت
علي سمودي
ربع قرن بين القضبان وفي عتمة الزنازين ومحطات العذاب امضاها اسرى الجولان السوري المحتل الشقيقين بشر وصدقي سليمان المقت وعاصم محمود الولي بصمود وتحدي دون ان تنال الاحكام القاسية بحقهم واجراءات القمع من عزيمتهم واحلامهم التي حتما ستتحقق كما قالوا في رسالتهم المشتركة التي خطوها وهم يودعون عاما ويستقبلون اخر وهم رهن الاسر فقد وجهوا رسالة عهد ووفاء بهذه المناسبة من سجنهم جلبوع عبروا فيها عن اصرارهم على الصمود والتحدي في مواجهة سياسة الاستهداف الاسرائيلي الذي حرمهم امنية التحرر طوال 24 عاما بشطبهم من صفقات التبادل ورفض ادراجهم في عمليات الافراج على الرغم من خطورة الوضع الصحي لعميدهم الاسير بشر الذي اورثته رحلة العذاب عبر السجون العديد من الامراض .وحيا الاسرى كما قالوا من سجنهم الصغير كل المقاومين الذين يرفضون الاحتلال ويقاومونه في الجولان ولبنان وفلسطين والعراق مضيفين في هذه الأوقات ونحن ندشن العام الخامس والعشرون داخل الأسر نقف لحظة تأمل ننظر إلى الوراء لنرى بكل فخر واعتزاز وشموخ 24 عاما ً من الأسر والصمود والثبات على المبادئ وننظر أمامنا بكل تفاؤل فلا نرى سوى التحدي والاصرار على مواصلة ذات الطريق من الكفاح والمقاومة و كل عام يمر علينا داخل السجن يعزز قناعتتنا بأن الأوطان لا تحررها سوى بالصمود والمقاومة ورفض المحتل وهذه الجراح النازفة لن تندمل إلا برحيل الغاصب المحتل عن أرضنا العربية في كل مكان.وعاهد اسرى الجولان الثلاثة الشقيقين المقت والولي ابناء شعبهم الصامدين في الجولان المحتل والشعب العربي السوري وأحرار امتنا العربية والرئيس بشار الأسد على الصمود رغم الجراح حتى حرية الارض والانسان والاسرى وعلى الوفاء لدماء الشهداء ولذكراهم الخالدة قائلين كما نعادكم أن نبقى أوفياء لذكرى الاباء والاجداد الذين رسموا لنا بدمائهم وجراحهم وبنادقهم طريق المجد والتحرير صون التراب والكرامة وعلمونا كيف تتحرر الأوطان وإن الحرية والاستقلال تكتب بالدم ورائحة العرق والبارود مضيفين في هذه اللحظات نستحضر كل تاريخ سوريا الكفاحي وكل بطولات أبنائها نعانقهم ونتوحد معهم في أسمى حالات العشق الوطني الكفاحي. مستذكرين ايضا روح رفيقهم الشهيد هايل حسين ابو زيد الذي فتكت به الامراض داخل السجون ورحل محملا اياهم وكل احرار فلسطين وسوريا راية الاستمرار في مسيرة النضال حتى النصر والحرية .
ومع قدوم شهر رمضان ختم الاسرى الثلاثة رسالتهم بتقديم التهنئة للأمة العربية وللأمة الإسلامية داعين الجميع لوحدة الكلمة والصف ونبذ الفرقة والانقسام والشقاق الذي يعيق كما قالوا مسيرة التحرر وحلم الجميع في تحقيق الاماني والاهداف التي يضحي من اجلها الاسرى والتي خطها الشهداء بدمائهم لتحملنا الامانة وتبشرنا بان فجر النصر والحرية قام.
فجر الحرية قادم
وفجر الحرية قادم تقول نهال المقت شقيقة المعتقلين بشر وصدقي ولم ولن نتخلى عنها مهما مارس الاحتلال من ظلم وقمع بحق شعبنا السوري الصامد في ارضه وابناءه الاسرى في سجونه والذين نفتخر ببطولاتهم وصمودهم الذي يزرع فينا روح الايمان وتضيف بعد كل هذه السنوات من الانتظار والالم والمعاناة ونحن نتنقل على بوابات السجون التي لونطقت جدرانها لصرخت قهرا والما لتنتصر لمعاناتهم وعذاباتهم التي لم تتوقف يوما بفعل ما تمارس ادارة السجون من اجراءات تعسفية بحق الاسرى وبحقنا فنحن معتقلين مثلهم ونعيش في سجن صغير ولكن تجمعنا احلام واحدة حتما ستتحقق لانه لن يدوم سجن ولن يغلق سجن ابوابه على احد
الحلم الاجمل
وهو الحلم الذي تعيش لاجله الوالدة الصابرة محمودة المقت التي تتزين واجهة منزلها في مجدل شمس بصور المعتقلين الثلاثة الذين يشكل غيابهم كما تقول جرح كبير لم يتوقف عن النزف منذ اعتقالهم كعقاب وانتقام منهم لمواقفهم الوطنية واعلان رفضهم للاحتلال وتمسكهم بهويتهم السورية وقوميتهم وانتمائهم الوطني الاصيل والذي يعتبر كما تضيف امتداد للتجربة النضالية التي عاشتها عائلتها التي لم يسلم احد من افرادها من الاعتقال فبعد نكسة حزيران عام 1967 واحتلال الجولان كان زوجي سليمان المقت من قادة الحركة الوطنية في الجولان المحتل واول المعتقلين في سجون الاحتلال بتهمة مقاومته .
ولسنوات طويلة تجرعت مع اسرتها مرارة العذاب على ابواب السجون لان الاحتلال كما تضيف لم يستثني احد من العائلة فقد اعتقل فخري في سن 14 للمرة الاولى وتكرراعتقاله لمرات عديدة وتضيف في احدى المرات اعتقلت قوات الاحتلال ولداي فخري وعلي ولدى الافراج عنهما اعتقلت فرج وميمون واحيانا كان يجتمع ابنائي الاربعه بالسجن فقد اعتقل فخري وعلي وبشر وصدقي بفترة واحدة والاحتلال يتعمد توزيعهم على السجون لعقابهم بحرماننا من زيارتهم.
عذاب لا ينتهي
وتتزاحم الصور في مخيلة الوالدة التي لا تتذكر لحظة كما تقول على مدار السنوات الماضية اجتمع فيها شمل العائلة لمرة واحدة فالاحتلال لنا بالمرصاد ويمارس عقابه حتى بمحاكمة ابنائي وزياراتهم لنعيش كل اصناف العذاب الذي تعجز عن وصفه كلمات والتي لن تنسى ففي احد المرات صادف في يوم واحد زيارة ابني صدقي ومحكمة بشر وزيارة فخري ومحكمة علي وكل منهم في سجن مختلف ومحكمة اخرى وعايشت اقسى اللحظات لانه كان يوما شاقا وصعبا ومؤلما لاني لن اتمكن من التواصل معهم جميعا في ظل تلك الظروف التي كانت تستهدف عقابنا والانتقام منا وتشديد الخناق على ابنائي وحرمانهم من التواصل مع اسرتنا التي صمدت في مواجهة هذا الواقع الماساوي.
الايام السوداء
ورغم السنوات الطويلة والمريرة فان الوالدة محمودة لا زالت تتذكر لحظة اعتقال بشر وتقول لا يمكن ان ننسى للحظة ذلك اليوم الذي انتزعوه من بين اسرتنا واقتادوه للسجن في مثل هذه الايام السوداء وبعدها بايام وفي 23-8-1985 داهمت قوات الاحتلال مجدل شمس مرة اخرى واعتقلت ابني الثاني صدقي ورفيقهما عاصم وتعرضوا للتحقيق والتعذيب بتهمة تشكيل اول تنظيم عسكري بعد الاحتلال حمل اسم -حركة المقاومة السرية في الجولان – وتنفيذ عمليات مقاومة ضد الاحتلال ثم حوكم بشر بالمحكمة المركزية بالناصرة عام 1986 ً بالسجن الفعلي لمدة 10 اعوام +10اعوام مع وقف التنفيذ ولكن النيابة رفضت الحكم الذي اعتبرته غيركافيا فاستجابت المحكمة لطلب المخابرات وعقدت له جلسة اخرى بالعام ذاته بالمحكمة العسكرية باللد التي اصدرت بحقه حكماً آخر يقضي بالسجن لمدة 27 عاماً مع شقيقه صدقي ورفيقه عاصم الذين صدر بحقهما نفس الحكم وتضيف رغم ذلك فان الاحكام التعسفية لم تنال من عزيمتهم ومعنوياتهم و في تلك الجلسة اعلن ثلاثتهم بشكل واضح امام المحكمة انهم يفتخرون بنضالهم ضد الاحتلال وتمسكهم بالهوية السورية و بعدما رفضوا الوقوف للقاضي رددوا النشد النشيد العربي السوري حماة الديار.
رحلة المعاناة
ما حدث في المحكمة تقول الشقيقة نهال والتي امضت سنوات عمرها تحمل رسالة وقضية اسرى الجولان وتناضل من اجل حريتهم وكافة المعتقلين الفلسطينين والعرب كما تقول اثار غضب ادارة السجون التي مارست بحقهم كل اشكال العقاب فتعرضوا للعزل والعقاب وحرمان الزيارات وتنقلوا من سجن لاخر في ظل ظروف اعتقالية صعبة ورغم الحملات التي نظمت لانقاذهم وتخليصهم من جحيم المعاناة فان ادارة السجون لم تتوقف عن استهدافهم لنتجرع في كل زيارة كل صنوف الالم التي لا زالت مستمرة خاصة وان اثار رحلة العذاب الطويلة كان لها التاثير الاكبر على حياة اخي بشر الذي يعاني الامراض والاهمال الطبي ورفض علاجه او الافراج عنه وتضيف حتى ان الاحتلال رفض الافراج عنهم وشطب اسمهم من كل صفقات التبادل وعمليات الافراج وعزل ملفهم عن ملف الاسرى الفلسطينين رغم انهم عاشوا بينهم في جحيم السجون وفي معارك المواجهة مع الادارة ومحطات الاضراب والنضال الطويلة بحيث يعتبر اسرانا الثلاثة من قادة الحركة الوطنية الاسيرة وعمداء الاسرى في تلك السجون التي لم تؤثر على معنوياتهم .
مرض بشر
لكن الحالة الصحية لبشر كان لها تاثير كبير على عائلته ووالدته التي امضت السنوات الاخيرة على بوابات المؤسسات الانسانية والدولية تقرع الابواب وتطلق صرخة الام الحزينة والقلقة على مصير ابنها والمرض يفتك به وتضيف فقد اصيب بشر بانتكاسة صحية في اواسط عام 2006 بدات بغيبوبة وانتهت جراء اهمال علاجه بمضاعفات انسداد بشرايين القلب لجانب انعدام الرؤية في عينه اليمنى وآلام حادة بالمعدة وتضيف بعدما دخلت حياته مرحلة الخطر واحتجاج الاسرى ارغمت الادارة على اجراء عمليات قسطرة له ولكنها فشلت واعيد للمعتقل دون تحديد اليات علاج جديدة مما فاقم معاناته جراء ظروف السجن والاعتقال وسياسة الإهمال الطبي المتعمد التي تنتهجها ادارة السجون .
فشل التحركات
ولم تستسلم عائلة بشر للامر الواقع في ظل انعكاسات المرض الخطيرة على صحته وتقول نهال بدانا تحرك واسع بدعم من كافة المؤسسات بما فيها القيادة السورية في دمشق والتي اولت قضيته اهتماما كبيرا وصل حد مخاطبة الامم المتحدة ومجلس الامن وكل لجان حقوق الانسان في العالم والتي اصطدمت جهودها بموقف الاحتلال المتعنت الذي رفض الاكتفاء بما امضاه من سنوات طويلة في السجون والافراج عنه ليتسنى لنا انقاذ حياته لكن الاشد مرارة ان المحكمة الاسرائيلية التي انعقدت مطلع العام الجاري واثر المتابعات والضغوط لبحث طلب بشر بالافراج عنه لحاجته الماسة لعملية جراحية ورعاية طبية غير متوفرة في السجن خضعت لتوجيهات وتوصيات المخابرات وبعد عدة جلسات رفضت الافراج عنه زاعمة ان استمرار اعتقاله لا يشكل خطر على حياته .
دهور الظلام ستنتهي ….
وسرعان ما واجهت العائلة كما تقول الوالدة صدمة القرار الذي شكل صدمة كبيرة لها لانها كانت تتوقع ان تاخذ المحكمة بحيثيات الملف الطبي الذي يؤكد خطورة استمرار اعتقال بشر ولكن القرار ذو ابعاد سياسية اضافه لكونه استمرار لسياسة العقاب والانتقام من ابني الذي يستقبل عامه الجديد في سجنه مع صدقي وعاصم ليؤكدوا مدى تعسف وظلم هذا الاحتلال والذي وان حرمنا فرحة لقاءهم وتحررهم فانه لن يقتل فينا ذلك الحلم الجميل الذي يكبر يوما بعد يوما لانهم اصحاب رسالة عادلة وسامية ونبيلة تزرع فينا في كل لحظة الامنيات التي اطالعها في كل زيارة في عيون عاصم وصدقي وبشر.
وبينما كانت تحاول مقاومة دموعها وهي تقبل اخر صور وصلتها للمعتقلين الثلاثة من سجنهم قالت انه ظلم كبير وحرام ان تستمر هذه الماساة أي شريعة او قانون تجيز ان يعيشوا في السجن اكثر مما عاشوه بين اسرتهم واهلهم وتضيف لكن رغم تقدم العمر بي وحسرتي والسجن يغتصب زهرة شبابهم فاني وكل اهلهم واحبتهم معي صابرون ولن يغمض لي جفن او يهدأ لي بال حتى اعانقهم وافرح بزفافهم فقد تزوج ابنائي ورزقت بالاحفاد ولكن كل افراحنا مؤجلة فقد اقسمت بالله انني لن احتفل او افرح الا بتحرر ابنائي الثلاثة بعدما امضوا دهورا في جحيم الظلمات التي لن تدوم للابد .
بطاقة شخصية
في مجدل شمس ولد الاسير بشر في 15 \ 12\ و1965 وأنهى دراسة الابتدائية في مجدل شمس و المرحلة الثانوية في مدرسة مسعدة في الجولان وقد تقدم للالتحاق بجامعات الاتحاد السوفيتي للحصول على شهادة جامعية ولم يتمكن من مواصلة تعليمه بسبب اعتقاله اما شقيقه صدقي فولد في 17-4-1967 وأنهى دراسة الابتدائية و المرحلة الثانوية في مدرسة مسعدة في الجولان المحتل وكذلك الأسير عاصم محمود الولي فقد ولد في عام 1967 في مجدل شمس حيث انهى دراسته الثانوية وحصل على شهادة فن الرسم واعتمد كعضو في نقابة الفنانين بسوريا واقيم له عدة معارض بسوريا والبنان وفلسطين والجولان . الجدير ذكره ان الاسرى الثلاثة تنقلوا بين كافة السجون من نفحه و عسقلان و بئر السبع حتى الرمله و الدامون وتلموند والجلمه وشطه وحاليا يقبعون بجلبوع
القدس الفلسطينية