قراءة في كتاب الشيخ نعيم قاسم: “حزب الله.المنهج ـ التجربة ـ المستقبل”
فهد الأرغا المصري
المقاومة في لبنان، منذ السبعينات حتى 2009 قبل نشوء تنظيم ‘حزب الله’ في لبنان، كانت تعددية، ولم تمتلك قيادة موحدة، حيث كانت المقاومة عبر الفصائل الفلسطينية المختلفة، والأحزاب اللبنانية، القومية، والناصرية، واليسارية، تحمل البندقية، في مقارعة الاحتلال الإسرائيلي .
بيد أن هذه المقاومة ضعفت بشكل بارز بعد الاجتياح الإسرائيلي، وخروج قيادة المقاومة الفلسطينية من لبنان، والذي كان شرطاً أساسياً لوقف إطلاق النار.
كان جل شيعة لبنان، كغيرهم من اللبنانيين، ضمن الحركة الوطنية، وفصائل المقاومة الفلسطينية المتعددة، كأعضاء في الأحزاب اللبنانية القائمة حينها، وفي المنظمات الفلسطينية، بكل مشاربها وأطيافها، قبل ترحيلها، والتي كانت تشكل الحاضن الأول، والثقل الرئيسي للمقاومة بكل أشكالها.
التدخلات الخارجية الإقليمية، والدولية المباشرة، أدت إلى خلق تنظيمات مقاومة جديدة، في الوقت الذي بدأت تترسم ملامح ما سمي بـ’المقاومة الإسلامية’، التي أصبحت فيما بعد، في قالب ‘حزب الله’، بإشراف وتخطيط، وتوجيه، ودعم إيراني، وتنسيق لوجستي مع دمشق!
فلماذا وكيف أصبح سلاح المقاومة الفلسطينية، محصوراً داخل المخيمات؟! ومن وكيف ومتى وأين ولماذا، أصبحت المقاومة حصرية، بـ’حزب الله’ دون غيره؟!
ـ 2 ـ
البدايات
كثيرة تلك الدراسات، والأبحاث التي تناولت ‘حزب الله’، لكن حرصت على مراعاة الموضوعية، والحيادية، واخترت التركيز على كتاب ‘حزب الله.. المنهج ـ التجربة ـ المستقبل / الطبعة السادسة عن دار الهادي ـ بيروت’ لمؤلفه الشيخ نعيم قاسم/نائب الأمين العام ‘لحزب الله’، ووضعت بين قوسين كل ما ورد على لسانه، وبحبر قلمه.
عن مرحلة البدايات، وقبيل تأسيس ‘حزب الله’ يقول قاسم (… نجحت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني سنة 1979 فاستقطب المؤمنين بالإسلام، الذين عبروا عن مناصرتهم لها..) ويضيف (واكب التعطش للثورة الإسلامية، الحاجات الناشئة، والملحة، لحيوية سياسية في بلد كلبنان) و يتابع (ما إن انتصرت الثورة في إيران حتى اتجهت الأنظار إلى مرجعية، وقيادة الإمام الخميني،وبدأ التساؤل عن التكليف الشرعي، في العلاقة مع قيادة الثورة الإسلامية).
محطة وعلامة فارقة تدعو للعجب والتساؤل، عن التحول السريع في الولاء للمرجعية، حيث كان العلماء الشيعة في لبنان، ودعوتهم إلى مرجع، وحسب اعتراف وإقرار الشيخ قاسم، يعود على المكلفين في تقليد الأعلم من المراجع، وبالتالي فقد تركزت سابقا على الدعوة إلى علماء ومراجع ‘النجف’، فكان تقليد المرجع ‘السيد الخوئي’، وكذلك ‘محمد باقر الصدر’ على اعتبار أن مرجعية ‘النجف’ في العراق، والذي يضم مراقد ‘أئمة الشيعة وحوزاتهم’ تعتبر الأهم، والأعلم قبل مرجعية ‘قم’، فلماذا هذا التحول السريع إذن إلى الخميني كمرجعية وحيدة؟
يقول قاسم (أثناء النقاش الذي واكبه تواصل مع أركان الدولة الجديدة للتعاون والإطلاع والتعارف وقراءة ما أنجز في إيران حصل الاجتياح الإسرائيلي للبنان ‘1982’ فشاركت مجموعات من المؤمنين في التصدي له على مشارف العاصمة بيروت في منطقة خلدة، مساهمة مع الجيش السوري وبعض المقاومين من الفلسطينيين والأحزاب اللبنانية ،في إعاقة التقدم الإسرائيلي نحو بيروت، لكن لم يكن أي تشكيل حزبي إسلامي مهيأ لهذه المهمة الكبيرة فقوي الاهتمام بضرورة تشكيل إسلامي موحد ‘حزب الله’ يتمحور حول ثلاثة أهداف مركزية :
1ـ القيادة الشرعية للولي الفقيه كخليفة للنبي (ص) والأئمة وهو الذي يرسم الخطوط العريضة للعمل في الأمة وأمره ونهيه نافذان ‘وهو صاحب قرار الحرب والسلم’.
2ـ الإسلام هو المنهج الكامل الشامل الصالح لحياة أفضل وهو القاعدة الفكرية والعقائدية والإيمانية العملية التي يبنى عليها هذا التشكيل.
3ـ مقاومة الاحتلال الإسرائيلي
ـ 3 ـ
المرجعية
فيما برز التباين والموقف في لبنان، بين علماء الشيعة حول المرجعية الدينية يقول قاسم إن المجموعات الإسلامية، انتدبت تسعة أفراد، كممثلين عن ‘التجمع العلمائي’ في البقاع، وعن ‘الجماعة الإسلامية’، و ‘حركة أمل’ (فحملوا ورقة عمل عرفت بوثيقة التسعة والتي تضمنت الأهداف المذكورة ‘أعلاه’ التي رفعوها للخميني ووافق عليها واكتسبت شرعية تبني الولي الفقيه لها). ويضيف (ترافق ذلك بالتضامن الإيراني مع لبنان وسورية حيث أمر الإمام الخميني الحرس الثوري بدعم لبنان ‘حزب الله’ من خلال التدريب العسكري وتوفير المقومات اللازمة وجاء وفد عسكري إيراني رفيع المستوى إلى سورية بهدف التنسيق، وافقت سورية على مرور قوات الحرس الثوري إلى لبنان التي أنشئت معسكرات التدريب في منطقة البقاع اللبناني… وهي الخزان الرئيسي لهذه ‘المقاومة الإسلامية’ والاستفادة من القيمة الثقافية والروحية والأخلاقية والجهادية التي كان يتميز بها شباب الحرس… تم توجيه تشكيلات ‘المقاومة الإسلامية’ للتخصص في الاستطلاع والمدفعية والهندسة وغيرها… كان اختيار مذهب أهل البيت أو المذهب الشيعي كالتزام وتبن يترتب عليه مجموعة قواعد في الأصول والفروع تشكل بمجموعها الخلفية الفكرية والفقهــــية التي استــند إليها حزب الله في فهمه للإسلام) ويقول (بما أن اختيار الحزب للإسلام ومن منهج أهل البيت تبنى على قناعة هذا المنهج فمن الطبيعي أن يكون الشيعة ـ مذهبياً ـ أكثر استجابة لهذا الاختيار لقلة التعقيدات والحواجز).
كما يعود قاسم ليؤكد في أكثر من موقع على أن (قرار الجهاد مرتبط بالولي الفقيه الذي يشخص الحالة التي ينطبق عليها عنوان الجهاد الدفاعي والذي يحدد قواعد المواجهة وضوابطها… رأيه ملزم لهم فهو المتصدي والمبايع من قبل الناس .. فالقرار يعود إليه وهو ملزم للمسلمين… وقد حقق وجود وتوجيه الولي الفقيه المتمثل بالإمام الخميني ومن بعده الإمام الخامنئي النموذج التطبيقي لإرادة الجهاد بطريقة واقعية وعملية وفاعلة).
ـ 4 ـ
حزب الله وأمة الحزب
في الفصل الأول من الكتاب،عن الرؤية والأهداف، يروي لنا قاسم عن الإيمان بالإسلام فيقول (في الرؤية الفكرية فإننا ندعو إلى إقامة الدولة الإسلامية ونشجع على قبولها… أما على المستوى العملي فهذا يتطلب وجود الأرضية التي تتقبل إنشاء هذه الدولة). وأول تعبير رسمي للحزب، جاء سنة 1985 في رسالته المفتوحة عام1985(إذا ما أتيح لشعبنا أن يختار بحرية شكل نظام الحكم في لبنان فإنه لن يرجح على الإسلام بديلاً ومن هنا فإننا ندعو إلى اعتماد النظام الإسلامي). من شروط الانتماء لحزب الله: (… من وافق على أهداف الحزب الكاملة وعلى الالتزام بقراراته… وامتلك شخصية إيمانية وجهادية وسلوكية تؤهله للدخول في التنظيم ويقوم بواجباته). ويعتبر شرط اتباع دورات عسكرية، وثقافية، والأعمال والأنشطة، التي يدعو لها الحزب، شرطاً أساسياً للانتساب للحزب، كعضو في هيكليته المباشرة، أو ما حولها، أما النصير فهو كل من يشارك، أو يساهم في احتفالات الحزب، ونشاطاته، واهتماماته، كما لا يحمل أعضاء الحزب، أي بطاقة حزبية.
الوضع التنظيمي: عرف الوضع التنظيمي لحزب الله عدة أشكال تنظيمية:
من التأسيس حتى 1985 ولمدة سبع سنوات كانت القيادة جماعية، ولم يكن للشورى رئيس أو أمين عام (وقع الاختيار على القيادة الجماعية بدل القيادة الفردية، وأطلقت تسمية الشورى على هذه القيادة، أما اختيارها، فكان يتم بالتشاور مع الفعاليات الأساسية في الحزب) حيث يفتقر الحزب الى نظام داخلي.
من عام 1985 مع إعلان الرسالة المفتوحة حتى عام1989 تم تعديل الشكل التنظيمي للشورى، وطريقة اختيارها، فأقر نظام داخلي، فكانت الشورى مكونة من 9 أعضاء، يتم انتخابهم لسنة واحدة من قبل الكوادر الأساسيين، الذين يشغلون موقع مسؤول قسم فما فوق، وتتولى الشورى انتخاب أمين عام من بين أعضائها،وتوزع المهام على الباقين، وانتخب الشيخ صبحي الطفيلي، أميناً عاماً في 5/11/1989 . من بداية 1990 حتى1991 أجريت تعديلات تنظيمية جديدة : (أصبح عدد أعضاء الشورى سبعة… أما مدتها فسنتان، كما استحدث منصب نائب الأمين العام، وقد اختارت الشورى أمينا عاما لها السيد عباس الموسوي في أيار 1991).
من 16 شباط/فبراير 1992 إلى الآن يشغل ‘النقيب’ حسن نصر الله منصب ‘الأمين العام ـ الوكيل الشرعي في لبنان للولي الفقيه الإمام الخامنئي’. الملفت للنظر إجراء عدة تعديلات هامة، وجوهرية، تبتعد عن روح البدايات على الهيكلية التنظيمية، ففي عام 1993 تم انتخاب نصر الله، وقضت التعديلات تمديد ولاية الشورى إلى ثلاث سنوات، وعدم حصر انتخاب الأمين العام، لدورتين متتاليتين، وإعطائه حق الترشح، لدورات متتالية، بيد أن الشيخ قاسم لم يأت على ذكر انتخابات الشورى بعد عام 1993 لمنصب الأمين العام، ونائبه، فعلى ما يبدو أن نصر الله أصبح أميناً عاماً إلى الأبد. كما أقرت التعديلات خمسة مجالس للحزب حسب قاسم هي ‘الجهادي ـ السياسي ـ التنفيذي ـ النيابي ـ القضائي’ ويرأس كل مجلس، عضو من أعضاء الشورى وعلى مايبدو أن قاسم تعمد إغفال ذكر المجلسين العسكري والأمني على اعتبار أن أعضاء الشورى سبعة. الشورى هي رأس الهرم القيادي في رسم الأهداف السياسية، ومتابعة الخطط العامة، واتخاذ القرارات السياسية، ويتولى الأمين العام مسؤولية الإدارة، والإشراف، والتوجيه، والتنسيق بين رؤساء المجالس، وأعضاء الشورى، والتعبير عن مواقف الحزب.
ـ 5 ـ
حزب اليوم
من ضمن مجالس الحزب، ‘المجلس القضائي’، وهذا المجلس يقوم مقام ‘القضاء اللبناني الرسمي’ يقول قاسم :(يضم المجلس القضائي المسؤولين القضائيين في المناطق الذين يقتصر عملهم أساساً على عناصر حزب الله لحل النزاعات بينهم، ويشمل أيضاً من يرغب من الناس بالتقاضي عندهم … وذلك بالتراضي، والتعهد، والالتزام، بالحكم الصادر عن قضاء الحزب، وهو أشبه بعملية فض النزاعات الأهلية الموجودة في العالم).
الشيخ قاسم يعلن عن وجود قضاة في المحافظات، والمناطق، والقرى، وأجهزة تنفيذ بالطبع والضرورة، وكل ذلك يتم، بدون العودة إلى قوانين، وأنظمة الدولة اللبنانية، وأجهزتها المختصة، ويطلع علينا بأن الدولة موافقة على ذلك، أو لا تمانعه (ولا تمانع الدولة اللبنانية، بهذا النمط من فض النزاعات، والخلافات الفردية، لأنها لا تتدخل في الحق العام، وفي الأمور ذات الصلة بالدولة).
اما الجهاز الأمني الذي لم يذكره قاسم بوضوح، وشفافية نراه واضحاً حين قال(يعتبر كل عضو من أعضاء المجالس، بمثابة مسؤول وحدة يشرف على لجنة من مسؤولي الأقسام، لمتابعة المهام الموكلة إليهم، ثم تترابط الهيكلية التنظيمية عبر الفروع، والدوائر إلى العنصر المجاهد المنظم وعنصر التعبئة والأنصار) وهنا يظهر أن وراء التنظيم المعلن، تنظيم أمني خفي مكتوم، يعمل، ويقوم بربط الهياكل التنظيمية مع بعضها، وبذلك يكون في الحزب تنظيم حزبي، وتنظيم أمني واسع، يشرف على التنظيم والنشاط الحزبي، وأمن الحزب، قيادة مسؤولين وهيئات، ويمتلك حزب الله إلى جانب تشكيلاته وخلاياه العسكرية والأمنية: وسائل إعلام مقروءة ومسموعة ومرئية ودور نشر ـ شبكة اتصالات هاتفية لا سلكية متطورة ـ مؤسسة جهاد البناء ـ الهيئة الصحية الإسلامية التي تدير تسعة مراكز صحية وستة عشر مستوصفاً ثابتاً وثلاثة مستوصفات نقالة ـ مؤسسة الجرحى ـ مؤسسة الشهيد الخيرية ـ مستشفى الرسول الأعظم ـ لجنة الإمداد الخيرية الإسلامية ـ مجمع شاهد التربوي ـ كشافة الإمام المهدي ـ الوحدة الإجتماعية للحزب.
من نشاطات الحزب: تأمين فرص عمل ـ الصحة المدرسية المجانية لـ88 مدرسة ـ أنشطة زراعية ـ تدريب مهني ـ الدفاع المدني ـ معارض ـ مياه الشرب ـ التمديدات المائية والكهربائية ـ بناء مدارس ـ نواد ثقافية ومساجد وحسينيات ـ مساعدات تربوية نقدية وعينية ـ منح دراسية ـ مكافحة التدخين..الخ.
إن الحزب كما يقول قاسم، يؤمن مصــــادر التــــمويل، لكل هــذه النشاطات، والمؤسسات، والمشـــاريع (… يضاف إليه، ماتقوم به الوحدة الاجتماعية في الحزب، من تأمين مساعدات وخدمات).
وينفي قاسم أو ينفي نصف نفي،أن يكون لكل هذه الأموال دوراً في الاستقطاب والتأثير عند الناس (اشتبه الغربيون باعتقادهم، أن هدف الحزب من عمله الاجتماعي استقطابي، وإن أدى إلى الاستقطاب بشكل طبيعي، واشتبهوا باعتقادهم أن الناس يلتفون حوله بسبب هذه الخدمات، فهي وإن كانت مؤثرة، إلا أن الأصل في ارتباط الناس هو الإيمان بالخط ) ويشاع أن ‘لحزب الله’ استثمارات مستترة تجارية واقتصادية في لبنان، ودول عربية، وغربية.
ومن الملفت للانتباه أن’حزب الله’، لم يدخل في الحياة النيابية اللبنانية عام 1992 إلا بعد إجازة وموافقة الخامنئي، ولتأتي مشاركته في الحكومة لأول مرة بعد صدور القرار1559، وإغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقبيل أيام من خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005.
‘ إعلامي عربي سوري ـ باريس
almasripree@hotmail.com