القرضاوي سياسي أم رجل دين؟
أسامة الرنتيسي
لا تُحصى الفتاوى التي تطلق يوميا من دراويش معروفين وغير معروفين، ومن مشايخ لا تعرف إن كانوا رجال دين أم رجال سياسة.
آخر إبداعات الفتاوى، ما أبدعه المستشار بالديوان الملكي السعودي الشيخ عبدالمحسن العبيكان بجواز إفطار المتضررين من الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي «إذا شق عليهم الصوم».
كذلك فتوى دار الإفتاء المصرية للاعبي كرة القدم بالإفطار في رمضان، ليتمكنوا من الحفاظ على لياقتهم وأداء تدريباتهم استعدادا لبطولة العالم للشباب التي تقام في القاهرة من 24 سبتمبر إلى 16 أكتوبر.
أما رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي فقد أفتى، وهو على ارتفاع 36 ألف قدم، فتوى جديدة، حدد فيها وقت الإفطار خلال ركوب الطائرات، موضحا أن تحديد وقت الإفطار مرتبط بغروب الشمس.
وقال «فقد فوجئتِ وأنا عائد من القاهرة إلى الدوحة في أول يوم من رمضان، على الخطوط الجوية القطرية، بقائد الطائرة الأجنبي غير المسلم يعلن للناس أنه حان وقت الإفطار، مع أن الشمس ساطعة والنهار بيّن، وكانت حجة قائد الطائرة أن المغرب تحتنا قد حل، فنحن نفطر بفطرهم، فقلت للناس حولي من ركاب الدرجة الأولى: لا يجوز لكم أن تفطروا قبل غروب الشمس، فإن مغربنا لم يحِن بعد. هل يصح أن تصلوا المغرب الآن؟ قالوا: لا. قلتُ: فكذلك الإفطار لا يجوز قبل الغروب».
لا تعليق على فتوى القرضاوي، ونتركها للمشايخ والدراويش، ولا تعليق على فتوى من هذا الارتفاع الكبير عن الأرض، فهو دائم الترحال بين القاهرة (مسكن أم العيال) والدوحة (مسكن الزوجة الثانية الجزائرية الأصل)، التي يشاع أن القرضاوي طلقها في مكة أثناء تأدية فريضة الحج بعد زواج دام 15 عاما، بعد أن شغف بها حبا، فهي لم تكن مجرد امرأة عابرة في حياة القرضاوي.
فأسماء (35 عاما) الحاصلة على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، اعتلت منذ ارتباطها بالشيخ القرضاوي (83 عاما)، مناصب عدة، وانضوت تحت راية تنظيمات كبيرة في العالمين العربي والإسلامي، من بينها؛ مجلس أمناء النساء المسلمات، ومجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قبل أن تنتقل للعمل كمنتجة برامج في قناة «الجزيرة» (الذراع الإعلامي للإخوان المسلمين).
الشيخ القرضاوي الغزير الإنتاج والفتاوى لايزال يقدّم السياسي على الديني، وبحسب الباحث المصري المتميز المتخصص بالحركات الإسلامية حسام تمام فإن «الشيخ يوسف القرضاوي ابن خالص لحركة الإخوان المسلمين، فلم يعرف عنه انتماء حركي أو فكري لغير جماعة الإخوان ومدرستها، كما لم يعرف له خروج صريح منها أو عنها. وقد عرف القرضاوي بحركة الإخوان ربما بالقدر الذي عرفت به، وارتبطا معا في كل مراحل العمر، كأنك تقرأ تاريخها حين تقرأ مذكراته التي صدرت في ثلاثة أجزاء؛ وكأنه يكتب عن نفسه حين يؤرخ للجماعة في كتابه: (الإخوان المسلمون سبعون عاما في الدعوة والتربية). يقترب عمر القرضاوي من عمر الإخوان، (ولد في العام 1926، وتأسست الجماعة بعد ميلاده بعامين)، وتاريخه في الدعوة يكاد يتطابق مع الفترة الأبرز في تاريخ دعوة الإخوان».
بعد أحداث غزة الدامية، والتي بطشت فيها حركة حماس (الذراع العسكري للإخوان المسلمين) بجماعة سلفية أكثر منها تديّنا (تنظيم أنصار الله)، كانت فتوى القرضاوي السياسية بامتياز، حيث أعلن أن حماس كانت على حق، وقال (حماس معها الحق لأنها حاولت أن تثني (جند أنصار الله) عن مقاتلة إخوانهم، لكنهم رفضوا، فاضطرت حماس لاستخدام القوة، ولمثل هؤلاء كتبت فقه الجهاد).
وإذا ما دققنا بهذا الموقف (ومن دون أي تعاطف مع الجماعة السلفية) فسنجده سياسيا بامتياز، كما أننا لن نجد لهذه الفتوى أي علاقة بفتاوى القرضاوي السابقة بشأن الاقتتال بين الأشقاء أو المسلمين.
القرضاوي غزير الإنتاج في الفتاوى، فهو يفتي بأي شيء يُسأل عنه، وسجلّه في الفتاوى يبدأ من الحروب والخصومات السياسية، ولا ينتهي عند المعاشرة الزوجية وما يجري داخل غرف النوم، ولذا وأنت تستمع للشيخ القرضاوي تتساءل: هل هذا الذي يتحدث رجل دين يتكلم بالسياسة أم هو سياسي يرتدي لباس رجل الدين؟
جريدة اوان