حسين حبش: لست ابنا شرعياً للشعر السوري
شاعر.. يعامل المنفى بقسوة
برلين – عدنان المدحتي
لا يعتبر الشاعر السوري المقيم في ألمانيا حسين حبش نفسه ابنا شرعياً للشعر السوري، بل يرى في نفسه ابن المنفى شعرياً، وعلى رغم أن ذلك سيثير حفيظة البعض ربما، لكن حبش يقولها بلا مواربة ولا تحفظ على حد تعبيره. وبحكم اقامته في ألمانيا حيث صدرت له حتى الآن ثلاث مجموعات، ورابعة تحت الطبع ستصدر قريباً، وهو يكتب بالكردية والعربية، يرى حبش أن العرب لم يستغلوا مناسبة ثقافية مهمة كمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي خصص سنة كاملة للكتاب والثقافة العربية، بالشكل الجيد، وكأنهم كانوا غير معنيين بالأمر. ويرى حبش أن احتفاء الألمان بالثقافة العربية في 2009 من قبل مهرجان برلين العالمي للأدب أمر جدير بالوقوف عنده. ولأن الشاعر حبش يكتب بأكثر من لغة، فإن ثمة لغة معينة هي التي تفرض نفسها بقوة حين الكتابة، فإذا كنت تكتب بالعربية تكون العربية هي الأقرب، وإذا كنت تكتب بالكردية فتكون الكردية هي الأقرب، وبالنسبة له فإن اللغة الكردية هي الأساس، لأنها لغة كبر وترعرع في أحضانها، وتهدجت بها حروفه وكلماته الأولى.
«أوان» التقت الشاعر حسين حبش في برلين بعد عودته من مهرجان الشعر العالمي الذي يقام سنوياً في مدينة مدلين الكولومبية، في حديث عن الشعر والمنفى وحوار الثقافات..
{ كيف يكتب الشعراء المغتربون قصائدهم؟
– المنفى، هذا الكائن المهجو بقسوة من قبل المنفيين وبالأخص من قبل الكتاب والشعراء والفنانين، باعتقادي أنهم يظلمونه كثيراً، فهو ألطف بكثير من هجائهم القاسي والجارح. فإذا حاولنا معه قليلا نستطيع أن نجعل منه كائناً جميلاً يمنح الكتابة طاقة باهرة وهائلة من حيث العمق والحيوية، وبالتالي رفع الشعر إلى المناطق الخطرة جمالياً من حيث الافتراق والغرابة والفتنة..
لا أنكر أنني أيضاً كنت أهجوه وأحياناً بقسوة لكنني رويداً رويداً اقتربت منه وفهمت حقيقته جيداً، وبالمقابل أكسبني هو لغة جديدة، ووهبني متعة السفر والجنون وعبور القارات. مكنني من الاطلاع على ثقافات العالم وحضاراته المتنوعة، بمنتهى الحرية دون قيود أو عوائق أو خوف أو تابو يعيقني من الكتابة بحرية مطلقة، والانطلاق نحو المدى الواسع للعالم. فإن لم يكن الشاعر منفياً دوماً وإن لم يعش في الحافات القلقة من العالم، كيف له أن يبدع ويكتب ويستمر؟ فالشاعر يبقى منفياً في الزمان والمكان أينما كان وحيثما ذهب، وأكاد أقول إن الشعر لا يتعافى إلا في المنفى.
العرب ليسوا معروفين
{ الشعر العربي في الثقافة الغربية.. هل ثمة علاقة تفاعلية؟
– في الحقيقة لا أدري إن كان الغرب يقرأ الشعر العربي أم لا. أما هنا في ألمانيا فالأمور لا تسر كثيراً. حتى الشعراء العرب النجوم ليسوا معروفين ولا يُقرؤون بالشكل الجيد من قبل القارئ الألماني. وهذا يعود ربما إلى عدة أسباب ليس أقلها الترجمة الحقيقية، أو إصدار الشعر من قبل دور نشر معروفة وكبيرة، أو تحرك المؤسسات الثقافية العربية بشكل جدي لتعريف الآخر بالشعر العربي.. وعلى حد علمي لم يحدث هذا الأمر إلى هذه اللحظة. فلكي يُعرف شعر ما في ثقافة أمة أخرى ينبغي له أن يتجذر في تلك الثقافة، ويؤثر بها في العمق، وإلا ستبقى العلاقة سياحية ودون المستوى المطلوب، أكثر مما هي علاقة قوة وتفاعل، وهذا هو حال الشعر العربي هنا في ألمانيا.
{ ما المجموعة الشعرية التي شكلت انعطافاً في مسيرتك؟
– أعتقد أنها مجموعتي الشعرية التي لم تكتب بعد.
{ كيف تنظر إلى تجربة مجايليك من الشعراء السوريين؟
– بحكم بعدي عن سورية وعدم معايشتي اليومية للشعر الذي يكتب ويصدر هناك، لا أستطيع أن أبدي رأياً صائباً وصحيحاً بخصوصه. وأكاد أقول إنني لست ابنا شرعياً للشعر السوري، فأنا ابن المنفى شعرياً وحياتياً أيضاً، وربما هذا الرأي يثير حفيظة البعض لكن هذه هي حقيقتي التي لا بد أن أقولها بلا موارابة ولا تحفظ. أكتب هنا وأعيش هنا وربما سأموت هنا، ولا تعنيني مسألة الأجيال كثيرا، فأنا ابن الشعر أولاً وأخيراً.
المسلمون والصورة المشوهة
{ كيف ينظر الألمان إلى الشخصية الشرقية ولاسيما المسلمة، وهل تختلف نظرة المثقف الألماني عن المواطن العادي؟
– هي نظرة ليست بالإيجابية وليست بالسلبية كما يصورها بعض الإعلام العربي. فأغلب المسلمين وليس كلهم أعطوا صورة سلبية ومشوهة إلى أبعد حد عن أنفسهم. فقسم كبير منهم لا يراعون قوانين البلد الذي يستضيفهم، ولا يحترمون القيم الحضارية له، ويرفضون الاندماج، وينعزلون في غيتوات خاصة بهم دون أدنى محاولة منهم للاحتكاك أو التقرب من الحياة الثقافية والاجتماعية الألمانية، وفهمها بالشكل الصحيح، وبالتالي تقبلها والمشاركة فيها، وكأنهم إن حاولوا ذلك فإنهم سيفقدون هويتهم وقيمهم وخصوصياتهم، بدلاً من أن يفهموا الأمر على أنه تنوع وإغناء لتلك الهوية والقيم والخصوصيات. وفوق ذلك يحاول بعضهم فرض دينهم وعاداتهم وتقاليدهم البالية على المجتمع الألماني، دون أدنى مراعاة للقوانين والأصول المتبعة في البلد. ورغم كل هذا هناك ميل قوي لدى الألمان باتجاه قيم المحبة والتسامح، وبذل الجهود الكافية لرفع الحواجز والعوائق التي تحول بينهم وبين الآخرين. وبالتالي الانحياز التام إلى القيم الإنسانية بغض النظر عن الدين والجنس والعرق واللون.. وخاصة من قبل المثقفين والنخب الواعية منهم. فالتوجه العام لدى الألمان يصب في هذا الاتجاه، وبعض الانتهاكات الفردية التي تحدث بين حين وآخر تعتبر شاذة ومدانة من قبل الجميع.
{ ما تأثير الإعلام الغربي الذي يستمد رؤيته من وجهة نظر سياسية على علاقاتكم الثقافية مع الجهات الألمانية، وهل يتعرض المثقف العربي إلى التحيز والعنصرية والمضايقة لأسباب دينية أو قومية؟
– ليس من العدل أن نتهم الإعلام الغربي دوماً بأنه يستمد بالضرورة رؤيته في جميع الأمور من وجهة نظر سياسية، فهذا الكلام غير دقيق وغير منطقي. فهناك مؤسسات ثقافية نزيهة تتعامل مع الآخر من وجهة نظر ثقافية وأدبية بحتة، ولا دخل للسياسة في الأمر، اللهم إلا إذا اعتبرنا، وكما هو مزروع في أذهاننا دوماً، أن كل الأمور تمشي وفق هوى السياسة وأجنداتها المقرفة، فهذا التعليل عقيم وغير صحيح بالمرة. أما بخصوص الشق الثاني من السؤال، فأعتقد أن المثقف العربي لا يتعرض للتحيز ولا العنصرية ولا المضايقة، لا لأسباب دينية ولا قومية ولا لأي أسباب أخرى، إلا في حالات قليلة ونادرة جداً تكاد لا تذكر. فوهم عنصرية الغرب واضطهادهم للمثقفين العرب المنفيين إليه، فوبيا يغذيها بعض الإعلام العربي وبعض المثقفين الراديكاليين ذوي الاتجاه الديني والقومي.
مشاريع ومشاركات ثقافية
{ ماذا عن مشاريعك المستقبلية ومشاركاتك الثقافية مع شعراء العالم؟
– المشاريع المستقبلية أتركها للمستقبل، أتركها تنضج وتتضح معالمها على ضوء ذلك المستقبل، ثم أفصح عنها في وقتها. كتابي الجديد صدر للتو ووصلتني نسخ منه وزعتها على الأصدقاء. ديواني بالكردية أرسلته لإحدى دور النشر في إسطنبول ولا أدري إن كان سينشر أم لا. كنت في كولومبيا وعدت. وها أنا مرة أخرى أنغمس في القراءة والصمت ومشاغل العائلة والبيت والحياة..
أما بخصوص المشاركة مع شعراء العالم والالتقاء بهم، ففيها غنى وفائدة كبرى من خلال تبادل الآراء والنقاشات التي تدور بينهم حول الشعر والأدب والثقافة، وجميع المشاغل والمشاكل التي تشغل بالهم وبال هذا العالم الذي يذهب بعجلة مسرعة نحو الهاوية..
الكتابة بين العربية والكردية
عن الكتابة باللغات الأخرى العربية والكردية وربما لغة ثالثة.. وأي لغة هي الأقرب لحبش، قال: الكتابة بلغة أو أكثر فيها غنى وقوة للكتابة بشكل عام وللكتابة الشعرية بشكل خاص، فعلى المستوى الأدبي والثقافي يحصل احتكاك شبه يومي مع مفردات وكلمات وجمل غير متشابهة، متنوعة وغريبة عن بعضها البعض من حيث التركيب والصور الشعرية والانزياحات وطريقة الكتابة والتوزيع وكذلك القواعد ..إلخ.
وأضاف حبش: هذه العوامل التي تبدو بعيدة ومتنافرة كتابياً ولغوياً عن بعضها البعض، إلا أنها في العمق تبدو قريبة أكثر وتغذي بعضها البعض، ثؤثر وتتأثر وتتسرب في بعض جوانبها إلى وعي أو لا وعي الشاعر حين الكتابة، مما يعطي كتاباته سحراً وألقاً وقوة لا تضاهى. أخبرني صديق شاعر أنه يستطيع أن يميز من بين عشرات القصائد المعروضة أمامه قصيدة مكتوبة من قبل شاعر غير عربي، رغم أن تلك القصيدة مكتوبة مباشرة باللغة العربية، وتعليله للأمر أنه يشعر باختلافها وافتراقها عن القصائد الأخرى، للغرابة الموجودة فيها ولخلفيتها الثقافية واللغوية المختلفة والمفترقة.
وعن اللغة الأقرب أوضح حبش: أعتقد أنها اللغة التي تفرض نفسها بقوة حين الكتابة، فإذا كنت أكتب بالعربية تكون العربية هي الأقرب، وإذا كنت أكتب بالكردية فتكون الكردية هي الأقرب. أما على المستوى الحياتي والوجودي والثقافي بشكل عام، فاللغة الكردية هي اللغة الأساس بالنسبة لي، أما لماذا فلأنها اللغة التي كبرت وترعرعت في أحضانها، وتهدجت بها حروفي وكلماتي الأولى… ولأنها اللغة التي تعرضت كثيراً إلى القمع والاضطهاد والمنع والغبن والسرقة.. لذلك فهي تستحق منا نحن -أبناءها- أن نحميها ونطورها وننشغل بها أكثر.
[