نبيل سليمان: ليست حرية الاعتقاد وحدها المسكينة.. الحرية كلها مسكينة
نضال بشارة
السلبي هو أن كل من يدبر ألف دولار يطبع رواية ويضاف إلى الزبد الذي على السطح
يعود الروائي السوري نبيل سليمان في روايته «حجر السرائر» التي أصدرتها مجلة «دبي الثقافي» في أكتوبر العام الفائت، والتي صدرت طبعتها الثانية مطلع العام الجاري عن دار «الحوار» التي يملكها سليمان، يعود فيها للحفر في تاريخ مرحلة الانقلابات العسكرية التي عصفت بسوريا، والتي هي مرحلة تأسيس الدولة الحديثة فيها، مبتعداً بهذه الرواية عن مقاربة التحولات الاجتماعية والسياسية التي حدثت في السنوات العشرين الأخيرة، والتي قاربها في الروايات الأربع السابقة لهذه الرواية. حول هذه الرواية التي انطلقت من بؤرة سردية تجسدت في مقتل أبي الدستور السوري «فوزي الغزّي» لتقدم قراءة سليمان في تلك الحقبة التاريخية على نسيج قوامه تقنيات عدة مزجت بين الواقعي والمتخيل (أحداثاً وشخصيات) ومفاصل أخرى، الحوار الآتي معه:
الأبواب على مصاريعها
÷ بتنا نعرف من بعض ما أنجزته من روايات أن الحفر في تاريخ مرحلة ما، من أبرز شواغلك الروائية الرئيسية، لكنك كنت قد ولجت في رواياتك الأخيرة في أحداث السنوات الأخيرة للمجتمع السوري. ما المسوغات التي دفعتك للحفر في مرحلة الانقلابات في سورية، وإن شئت في مرحلة تأسيس الدولة الحديثة في سورية، في «حجر السرائر»؟
} في نهاية الجزء الأخير «الشقائق» من رباعية «مدارات الشرق»، حاولت قراءة ذلك المفصل الحاسم في تاريخنا الحديث، والمتمثل، بما بعد قيام إسرائيل، ما بعد الاستقلال بالنسبة لسورية، ما بعد استيلاء العسكر المهزومين على السلطة في سورية وفي مصر… وقد تبدت محاولة القراءة تلك عبر تحولات ـ تقمصات شخصية تحسين شداد قائد الانقلاب الأول، فتحسين الثاني قائد الانقلاب الثاني، فتحسين الخفي قائد الانقلاب التالي والوعد (الصادق) لكل انقلاب قادم. وبعبارة أخرى: كانت محاولة القراءة هنا مواربة، لكن القراءة في «حجر السرائر» أشرعت الأبواب على مصاريعها، وبخاصة في سنة الانقلابات العسكرية السورية الكبرى: سنة 1949 ذات الانقلابات الثلاثة خلال تسعة أشهر. ولكن ذلك لم يكن وحده ما دعاني إلى كتابة «حجر السرائر»، بل ثمة أيضاً ما تقدم ذلك الموسم العسكري الانقلابي، ابتداءً من اغتيال المحامي رمزي الكهرمان، ومن بعده مسلسل الاغتيالات السياسية الذي بلغ ذروته في عام 1950 في اغتيال العقيد محمد ناصر (آمر سلاح الجو يومئذٍ). وبالمناسبة، لا تنسَ أن عدد الاغتيالات السياسية في لبنان مثلاً بلغ حتى الآن 220 اغتيالاً، وها هو اغتيال رفيق الحريري بمثابة زلزال في لبنان. ها هي الاغتيالات ومحاولات الاغتيال قد صارت سنّة عربية إسلامية بامتياز، كما صارت سنّة كونية بامتياز. وكما ذكرت أنت، كانت تلك المرحلة مرحلة تأسيس الدولة الحديثة في سورية، حيث ينضاف سؤال الدستور والقانون إلى سؤال الاغتيال، وما سبق ذكره من سؤال الانقلاب والعسكرة والهزيمة. لقد انجبل كل ذلك بشخصيتين سكنتاني طويلاً، للأولى ظلال واقعية باهتة، والأخرى قامت في المخيلّة قيامة أكبر وأدهى من أية واقعية. أما الأولى فهي «درة حفظي» التي يبدأ معها سؤال الاغتيال. وأما الثانية فهي «نديدا» التي يتعلق بها سؤال القانون والاغتيال.
÷ كما في «مجاز العشق» كذلك في «حجر السرائر» تحضر بعض الشخصيات الأدبية والتاريخية بأسمائها الحقيقية، في الأولى (أدونيس، سعد الله ونوس، مظفر النواب، صدام حسين، وغيرهم) وحضرت في الثانية أسماء (نزار قباني، ميشيل عفلق، ساطع الحصري، عمر نقشبندي، وغيرهم). وكتب بعضهم يشير إلى أن شخصية رمزي الكهرمان هي (فوزي الغزي) الملقب بأبي الدستور. ما الذي يحدد في الرواية حضور شخصيات بأسمائها الحقيقية أو حضورها بأسماء متخيّلة؟
} ما يحدد الحضور المباشر للشخصية الواقعية كما يحدد تخييلها ـ وليس فقط ذكرها بأسماء متخيلة ـ هو حاجة الرواية. وبالطبع تكون التقية أحياناً هي السبب، فقد يكون للذكر الصريح تبعات قانونية أو اجتماعية. وأكتفي بمن ذكرت «فوزي الغزي» كمثال لما أعنيه بحاجة الرواية. فقد كان ما توافر لي عنه ـ وهو محدود ـ إشعاعاً ساحراً، ولذلك فرضت الكتابة عليّ فرضاً أن أخرج من واقعية وسيرة ذلك الشاب المحامي الذي التبس اغتياله بين السياسي والشخصي، فكان أن أسلمت نفسي لسحر الإشعاع، وإذا بشخصية أخرى تتخلّق هي رمزي الكهرمان، كما تخلّقت شخصية الضابط عبد المنعم وشخصية الضابط بدر أتماز وشخصية القائد الإخواني الإسلامي عطاء الدين أتماز، وشخصية درة حفظي نفسها التي كان لها جذر واقعي واحد، بينما كان لكل من الشخصيات الأخرى جذور تشابكت وانبترت وانتشت وتيبست، كما شاءت الرواية.
÷ اغتيال (أبو الدستور) كما جاء في الرواية بمؤامرة من حكومة الانتداب الفرنسي على يد زوجته، يؤيد ما نشكو منه دائماً ونجعله مشجباً لكل خساراتنا وربما عجزنا، إذ قد يعترض كثيرون على أنك عززت نظرية المؤامرة، ماذا تقول؟
} إذا كان التعويل على نظرية المؤامرة يثير السخرية والرثاء، فنكرانها القاطع ليس أقل غباءً. وكرمى للنكران آخذ بما يقترحه بعضهم من أن نقول: تخطيط، بل تخطيط سري، بدلاً من مؤامرة: يا سلام!. أمّا اغتيال رمزي الكهرمان فليس في «حجر السرائر» ما يصل بصلادة بين الانتداب الفرنسي ودرة حفظي، وإنما هو لعب (يتأسس في الوثائق إن شئت) بين ما دبّرته درة حفظي ونفذه ابن عمها خطيب حفظي، هذا من جهة، ومن جهة ثانية ما تثيره محاكمة خطيب حفظي من شكوك حول دور فرنسي ما للتخلص من «أبو الدستور». وباختصار، وسواء أتأسس ذلك في الوثائق، أم ابتدعه اللعب، فهو محاولة للخروج من الشخصي إلى العام، من الاغتيال الشخصي إلى الاغتيال السياسي، وفي زعمي أنه ظل في دائرة اللبس، فما علاقة هذا بنظرية المؤامرة؟
نمو الذات الأنثوية
÷ يخيل لي أن أهم شواغل «حجر السرائر» تحفيز القرّاء على التأمل في شخصيتها الأهم «نديدا الكهرمان» التي سعت لصوغ قوانين لحماية الدستور من ما يتعرض له من تجاوزات، وتحفيزهم على الاقتداء بها، بما أن صلب مشاكل مجتمعاتنا العربية يكمن في هذه القضية، أم لا يصح أن نأخذ الرواية إلاّ بكليتها؟
} من حيث المبدأ، يحسن أن تُؤخذ الرواية بكليتها، لكن هذا لا يعني أن لا يفرد المرء واحداً أو أكثر من رسائلها أو دلالاتها أو أشعتها. وبهذا المعنى أوافقك الرأي في نديدا. وفي الوقت نفسه أرجو أن يكون لنديدا إشعاعات أخرى، منها ما يتعلق بالأمومة أو بالزواج أو بنمو الذات الأنثوية.
÷ في «دلعون» و«حجر السرائر» استخدمت الكلمة السريانية «شليطا» التي تعني متسلط، في الأولى لم تحدد مركزه، وفي الثانية وسمت بها الرؤساء «حسني الزعيم، سامي الحناوي، أديب الشيشكلي» الذين قاموا بالانقلابات في سوريا. ما الذي دفعك لاختيار كلمة سريانية؟
} في السريانية الكثير من أصولنا الحضارية واللغوية. ومن السريانية في لغتنا اليوم، الكثير. كما أنني ابتغيت للمفردة (شلَّيطا) الشيوع على مختلف الألسنة، من ألسنة النخب إلى ألسنة العوام. ولعلك تذكر أن (شلّيطا) في رواية «دلعون» ضابط كبير ومسؤول أمني كبير، لكنه ليس الأكبر كما في رواية «حجر السرائر». ولعل الدلالة هنا تذهب، وكما ورد في «دلعون» إلى أن شلّيطا يسري في جسد السلطة، ابتداءً من القدمين وصولاً إلى رأس الرأس. إنه ملاط الهرم السلطوي ووباؤه، وها هو آخر أنموذج باهر على ذلك قد جاءنا في شخص الديكتاتور التونسي زين العابدين بن علي، كما جاءنا في شخص مدير أمنه السرياطي، وقس على ذلك ممن تضيق بهم دنيانا.
÷ في ضوء خوض روايتك «درج الليل .. درج النهار» في حرية الاعتقاد، كيف ترى وظيفة الإعلام المرئي صاحب السطوة الأكبر على الشرائح الاجتماعية باختلاف مستوى ثقافتها، في أن يقوم بالدعوة لهذه الحرية، مع أخذنا بعين الاعتبار تعدد تبعية هذا الإعلام؟
} للأسف، يسهم الإعلام المرئي العربي بفظاظة وبكثافة في تضليل الوعي الاجتماعي والفردي، وذلك عبر مئات الفضائيات التي تتجلبب بجلباب الدين، لكنها تنفخ ليل نهار في نار التخلف والعبودية والفتنة الدينية والمذهبية والطائفية، عدا عما تشيع من الشعوذة والدجل وكل ما يعوق العقل ويعطّل الحرية، وبخاصة حرية الاعتقاد. أمّا ما سوى ذلك من الإعلام المرئي العربي، فأمره أفضل بنسبة أو أخرى، ولكن الفخ الذي يعوق حرية الاعتقاد الديني أو الفكري كبير، وبحسب مرجعية هذا الإعلام السياسية أو الأيديولوجية. ليست المسكينة حرية الاعتقاد وحدها. الحرية كلها مسكينة.
÷ في ضوء كتابك القديم ـ الجديد «الثقافة بين الظلام والسلام» لماذا وقعت مجتمعاتنا العربية بين خيارين أسوأ من بعضهما، (مطرقة الظلامية وسندان السلام الأمريكي الإسرائيلي) بحسب تعبيرك، وكم ساهمت النخب الحاكمة في هذه الإشكالية التي يبدو كأن لا مخرج لنا منها؟
} ما كان لكل هذا الذي نعيشه بعد الاستقلالات لولا ما ابتلينا به من الأنظمة الديكتاتورية، لا فرق بين الجمهوري منها والملكي والأميري والسلطاني. وهذا القول يعني تعطيل الحريات وتقديس السلطة وتفتيت الدولة، كما يعني العمالة بالمعنى الحرفي أو الرمزي للسياسة الأمريكية الأوربية، وبالتالي: الإسرائيلية. ولكن ليس هذا كل شيء، فثمة البلوى بالمعارضات المتناظرة مع هيكل الاستبداد غير المقدس، ثمة التخلف الموروث كابراً عن كابر، ومن قرن إلى قرن، وماذا تريدني أن أعدد أيضاً؟. لقد ملأت الظلامية بما أورثتنا من كل تلك البلاوي قسماً كبيراً من الفراغ الروحي، وتقدمت كبديل للتعطيل السياسي، وكل ذلك في إهاب التضليل والهيمنة الأمريكيين العولميين وما يستتبعان من الأوربة والأسرلة. وها نحن نكاد ننمحق بين مطرقة الظلامية وسندان السلام الأمريكي الإسرائيلي ـ أو العكس ـ لولا الشرارات التي تومض من حين إلى حين، فنختلج من حلاوة الروح، كما هو الحال الآن مع الشرارة التونسية، حتى لو انطفأت بعد قليل، فكيف لو اتقدت؟
اشتباك الزمن
÷ هل يمكن الحديث عن كيف اختلف تصورك لكتابة الرواية بين بداية تجربتك وبين اليوم، بعد نضج الأدوات وحضور التجربة عربياً، خصوصاً وأنك تنفرد من بين روائيين كثر بمارسة النقد الروائي؟
} بين الرواية الأولى «ينداح الطوفان» ورواية «حجر السرائر» واحد وأربعون سنة. ما الذي لم يتبدل تبديلا خلال هذا الزمن الطويل الطويل؟. بما هو أقرب إلى الفطرة كتبت «ينداح الطوفان». لم يكن لدي مفهوم ما لكتابة الرواية، على الرغم من الليسانس في الأدب العربي. بيد أن ادعاء البراءة باطل، لأنني كنت ممسوساً بقراءة الرواية والسرود بعامة، منذ المرحلة الإعدادية. وسرعان ما أخذت القراءة تفعل فعلها في (خافية) الكتابة، أي في لا وعيها، لا شعورها، ولعل هذا ما تبين بقوة في روايتي «ثلج الصيف» التي جاءت عام 1973، بعد ثلاث سنوات فقط من الرواية الأولى، فقد انبنت «ثلج الصيف» على هيئة الأصوات، لكل شخصية صوتها وحصتها من السرد، ولم أكن أعرف يومئذٍ شيئاً عن تعددية الأصوات والباختينية وما أدراك. يربكني الحديث عن نضج الأدوات، وأنا لا أدعيه، بل إن ما أرجوه هو أن أظلّ أتعلم بالقراءة وبالتجريب حتى أموت. بيد أن المبالغة في التواضع توشك أن تنقلب إلى نقيضها. ولذلك يهمني أن أشير إلى أنني حاولت أن اكتب الرواية التي تفكر بالرواية «مجاز العشق ـ 1988» والرواية السيرية «المسلّة ـ 1980» و«هزائم مبكرة ـ 1985» و«في غيابها ـ 2003»… كما حاولت أن أكتب حفرياتي الروائية في التاريخ، من رباعية «مدارات الشرق» إلى «حجرالسرائر». وعبر ذلك وسواه كنت ولم أزل أحاول أن أبلور تصورات ـ ليس تصوراً واحداً ـ لكتابة الرواية، تتجدد فيها دوماً عناصر وتنمو مما سبق عناصر. فالعناية باللغة مثلاً كاللعب بها، همٌّ قديم جديد، لكن بناء الزمن الروائي في «مدارات الشرق» كموج البحر، غيره في رواية «في غيابها» حيث يشتبك الزمن الأندلسي بمطلع القرن الواحد والعشرين، وقس على ذلك من الاختلاف بين مرحلة، ومرحلة بين رواية أحياناً ورواية، بين عدة روايات في عدة سنين وما يتلوها…
÷ كيف تتلمس حصول مطلق قارئ على المتعة من إحدى رواياتك، دون التدقيق في مستواه الثقافي الذي قد يساعده على التواصل مع التقنيات الفنية التي اعتمدتها؟
} ليس لي أن أتلمّس ذلك إلا في حدود دنيا، حين يجود الزمان بلقاء مع قارئ أو قارئة. أما إذا أردت أن أحدثك عن الأحلام، ففيها أرى ـ ولو في أحيان نادرة ـ قارئة سكرى بمتعة قراءة رواية ما لي، ويمكن أن يجود الحلم أيضاً بقارئ هذا شأنه. وبما أنه ليس هذا بأوان المزاح، فإنني أظن أن أغلب رواياتي تتطلب مستوى ثقافياً ما من قارئها، ولذلك لا أعدم الشكوى من صعوبة الدخول إلى هذه الرواية أو تلك. ولقد سرني جداً ما بلغني من متعة الدخول إلى «حجر السرائر» ومن متعة قراءتها، على الرغم من أنه لم يمض على صدورها أربعة أشهر بعد.
÷ في ضوء السهر والمرح الذي عاشته شخصية الروائي دريدا اللورقي في «دلعون» التي فيها من سيرتك الكثير، إذ نعرف عنك أنك لا تحب من كان عبوساً ولا يسخر أو يضحك حتى من نفسه، وأنت تعيش الحياة بكل تفاصيلها بعيداً عن «بوزات» بعض المبدعين، فنجدك ترقص وتمرح وتمازح الآخرين في السهرات المقامة على هامش هذا المهرجان أو ذاك، في حين بالكاد يرفع هؤلاء نخب أحد، أو يتمايل طرباً. في ضوء ذلك هل يعطي أدباً حقيقياً أصحاب «البوزات»؟
} من المؤكد أن بين هؤلاء من يعطي أدباً حقيقياً. لا يعني العبوس أو الاستعلاء أو الانطواء أن صاحبه عاجز عن الإبداع المتميز. والعكس صحيح. فالإقبال على المسرّات أو الشخصية الانبساطية لا تعنيان أن صاحبهما وحده قادر على الإبداع المتميز. هذا كله خصائص شخصيه وسلوك شخصي، ليس بلا دلالة، ولكن ليس على رداءة أو جودة الإبداع.
عشى المهرجانات
÷ بما أنك كتبت القصة القصيرة وإن بحدود، وكتبت في نقدها أكثر، لماذا لم تعد تسطع أسماء هامة في هذا الإبداع، وحتى مهرجاناتها خفتت، وغابت عن الملاحق والصفحات الثقافية، وتحوّل جزء من كتابها لكتابة الرواية؟
} يخفي بريق الرواية الساطع ما هي عليه القصة القصيرة. ففي حدود اطلاعي، لا يقل عدد المجموعات القصصية الصادرة في عام من أعوام العقد الماضي، عن نصف ما صدر من الروايات، وهذا مؤشر هام، وفأل خير. وكما تعلم فمن يخلصون للقصة القصيرة باتوا قلائل «سعيد الكفراوي في مصر ـ ربيعة ريحان في المغرب ـ رباب هلال في سورية… ولا ننسَ شيخ القصة القصيرة زكريا تامر». ومن كتابها من انتقل إلى الرواية، ومنهم من يزاوج بين القصة وبين الرواية. وعلى أية حال، إذا صح هذا التقدير، فالعلة هي إذن في عشى المهرجانات والمؤتمرات والجوائز والنقاد، وليس في عزوف الكتّاب.
÷ البعض يرى أن ثمة استغلالاً من بعض دور النشر للروائيين الشباب (ذكوراً وإناثاً) يتجلى بتبني أعمالهم الأولى، يسيء لفن الرواية لأنها تنشر أعمالاً غير ناضجة، والهدف من ذلك استغلال القارئ المتلهف للأعمال الروائية الجديدة. كيف ترى المسألة ببعديها السلبي والإيجابي؟
} السلبي في المسألة هو أن كل من يدبر ألف دولار أو خمسماية يطبع رواية ويصبح روائياً ينضاف إلى الزبد الذي يطفو على السطح، كما حصل ولا زال يحصل بالنسبة للشعر. والمسؤولية تقع في جانب كبير منها على الناشر الذي يسيل لعابه من أجل مئة دولار أو خمسماية، ولا يكلف نفسه مشقة الاستشارة في مستوى الرواية المعروضة عليه. ومن عجب أن يلجأ الكتاب الشباب إلى ذلك، بعدما باتت دور النشر ذات السمعة النظيفة، خاصة أو عامة، مشرعة الأبواب، مثل بعض الجوائز، للكتاب الشباب. والعلة هنا في الاستعجال والاستسهال أو في عدم الثقة بالنفس.
÷ يعاني الأديب العربي عموماً من عدم متابعة نقدية لإبداعه، وما يكتب عنه الأعم الأغلب يكتب من قبل الذين تربطهم صداقة به، وكان الله في عون من لا أصدقاء له في الوسط النقدي والصحفي. ما تأثير هذه المسألة على تطوير الأدب؟ وما هي مقترحاتك لتجاوزها؟
} يتأذى الأدب إذا لم يتوفّر له غطاء نقدي، شريطة ألا يفتقد هذا الغطاء الخبرة والمصداقية. وسيكون من المفيد بالتأكيد أن ترقى المجلات والصحف بمستوى النقد فيها، ولكن لا بد من عملٍ ما على المستوى الأكاديمي، ولست أسوق هذه (المقترحات) إلا لكي لا أقول إن الأمر يحتاج إلى معجزة!
÷ اعتقدنا أن مهرجان العجيلي للرواية الذي كنت صاحب فكرته ولا تزال مساهماً أساسياً في تنظيمه، اعتقدنا أنه لن يستمر لأكثر من ثلاث سنوات نظراً لإقامته في مدينة الرقة البعيدة عن العاصمة. ما العناصر التي ساهمت في استمراره، وهل ترى أن توثيق المساهمات فيه في كتاب أهم ما يميّزه؟
} لهذا المهرجان الكثير مما يميزه، وفي ذلك الكثير مما وفّر له الاستمرار والنماء. وأول ذلك هو الحيوية التي اتسمت بها الإدارة، والتضافر بلا حدود بين المثقفين والجمهور والفعاليات المدنية في الرقة. إنها حالة من الوجد ونكران الذات والعمل بلا جزاء ولا شكران. وبالطبع، لتوثيق المساهمات من أبحاث وشهادات في كتاب سنوي أهميته، لكن لا تنس أيضاً التفاعل الثقافي والإنساني الحار والعميق بين المشاركين العرب والسوريين وأبناء المدينة، مما بنى علاقات مميزة ومتواصلة بلغت أن تكون بين مئات خلال ست سنوات.
(دمشق)
السفير