أين أخطأ الرئيس الأسد؟
سعد محيو
اقتراح الرئيس السوري بشار الأسد في طهران بإقامة تحالف رباعي بين سوريا وتركيا وإيران والعراق، منطقي ولا منطقي في آن.
هو منطقي، لأن التعاون قائم بالفعل على قدم وساق بين هذه الأطراف الأربعة، وهو يشمل قضايا استراتيجية عليا تتعلق بالأمن القومي لكل منها.
على رأس هذه القضايا بالطبع القضية الكردية التي تشكّل الدافع الأكبر والأهم لهذا التعاون، لأنها تشكّل تهديداً مشتركاً لسلامة ووحدة أراضي كل من هذه الدول، إضافة إلى كونها تمس مباشرة أمن واستقرار (أو لا استقرار) الأنظمة في الدول الأربع. وهذا ليس على الصعيد الداخلي وحسب، بل أيضاً في مجال استخدام الدول الكبرى للورقة الكردية كوسيلة تدخل وضغط.
ثم هناك المصالح الاقتصادية. فتركيا، على سبيل المثال، هي شريك تجاري رئيس لإيران ومنفذها إلى أوروبا. فيما تفيد تركيا أيما إفادة من البترول والسوق العراقيين، بما في ذلك كردستان العراق التي تشهد حالياً تدفقاً ضخماً ولا سابق له للرساميل التركية.
وفوق هذا وذاك، هناك حتمية التعاون التي تفرضها معطيات الجغرافيا، حيث إن ينابيع المياه في تركيا تعتبر بمثابة حياة أو موت بالنسبة إلى سوريا والعراق.
أسس التحالف، إذاً، منطقية بين هذا الرباعي. واقتراح الرئيس السوري في هذا الصدد هو في الواقع مأسسة رسمية إقليمية لما هو مُتحقق عملياً على نحو ثنائي وأحياناً جماعي (حين يتعلق الأمر بالأكراد).
لكن، حين نضع هذا الاقتراح تحت الأضواء الكاشفة للنظام الإقليمي الشرق أوسطي المستند بدوره إلى النظام الدولي، نكتشف سريعاً الثغرات الكبرى فيه.
فتحالف سوريا وإيران مع تركيا والعراق، يعني في الواقع تحالفاً غير مباشر بينهما وبين الولايات المتحدة، لأن تركيا هي منذ نيف و60 سنة الشريك الأكبر لأمريكا في الشرق الأوسط وفي حلف شمال الأطلسي، ولأن العراق واقع تحت الاحتلال الأمريكي المباشر وقد يبقى كذلك إلى سنوات عدة مقبلة.
فهل تتوقع دمشق أو طهران أن تقبل واشنطن بالدخول في هكذا تحالف، وأن تترك حليفتيها الرئيسيتين في الشرق الأوسط مصر والسعودية (ناهيك عن “إسرائيل”) على قارعة الطريق الإقليمي؟
ثم: أين مسألة الأمن القومي العربي المشترك في هذه المقاربة؟
نعرف أن الخلافات، خاصة بين مصر وسوريا، مستعرة هذه الأيام، وأن العلاقات السورية – السعودية لا تتقدم بسبب هذه الخلافات، لكن هل هذه التباينات السياسية سبب كاف للدعوة إلى إخراج هاتين الدولتين العربيتين من المعادلات الاستراتيجية الإقليمية وإحلال دولتين غير عربيتين مكانهما؟
هذه المسألة حساسة لأن الوضع الدولي بدأ يتّجه، في ظل إدارة أوباما، نحو البحث عن صيغ جديدة للنظام الإقليمي الشرق أوسطي. وفي حال بقي الانقسام العربي على ما هو عليه الآن، فإن هذه الصيغ ستتم على حساب كل الدول العربية مجتمعة لسبب بسيط: مركز الثقل في النظام الجديد سيكون في أنقرة وطهران وتل أبيب، ما سيجعل الدول العربية حكماً مجرد ملاحق لكلٍ من هذه الأطراف الثلاثة.
أجل. الجميع يتمنى أن ترى فكرة الشرق الأوسط الإسلامي النور. لكن اقتراح الحلف الرباعي لا يعزز هذه الفكرة بل يضعفها، حين يستثني منها الثقل الديموغرافي المصري والاقتصادي السعودي.
فهل يعيد الرئيس الأسد صياغة اقتراحه ليأخذ هذه القضايا الخطيرة بعين الاعتبار؟
كل ناطق بالعربية يأمل ذلك.
الخليج