صفحات ثقافية

حجرة العار

null
احمد بزون
يتجدد موضوع السرقات الأدبية كلما برزت فضيحة جديدة، والفضائح لا تهدأ وسط الفوضى التي تعيشها مجتمعاتنا، أما الحساب في مثل هذه السرقات فمؤجل إلى يوم الحساب. كذلك هي الفضيحة لا تتعاظم وتأخذ مداها، إلا بمبادرات ذاتية محدودة، فنحن في الجريدة، مثلاً، ننشر البيان مرة واحدة، ونعتبر أننا بلّغنا، وينتهي الأمر.
البعض يحب أن يُسرق، فلا يضيره أمر سرقة نصوصه، والبعض الآخر ينفعل ويتوتر، يقيم الدنيا ولا يقعدها.. إلا أنها سرعان ما تقعد وحدها. أما المواقع العربية التي تتصدى لموضوع السرقات فهي قليلة، موقعان أو ثلاثة فقط هي التي تهتم، وبشكل محدود وهمة ضعيفة، تركز على بلدان أو صحف دون أخرى، وهي لا تأخذ على عاتقها نشر الفضيحة وإرسالها إلى وسائل الإعلام، مكتفية بنشرها فقط. وهكذا فإن ما ينشر من فضائح السرقات الأدبية لا يساوي واحدةً من ألف، لذا فالتهاون في هذا الموضوع يشجع على ارتكاب المزيد من الجرائم.
نحن لا نتحدث هنا عن المحاكاة التي برّرها العديد من النقاد، ولا نتحدث حتى عن «الأفكار المرمية على قارعة الطريق»، على حد قول الجاحظ، التي يحق للقاصي والداني استخدامها وتداولها، ولا نتحدث عن السرقات الذكية التي لا تظهر إلا بعملية «تحليل البصمات»، ولا عن الأشكال التي تحتاج إلى شطارة أو مجهر لاكتشافها… بل نتحدث عن السرقات الأدبية «الموصوفة»، التي بات اكتشافها اليوم من أسهل الأمور، بوجود الإنترنت، وبوجود طرق حديثة للعثور على اللصوص.
كان الأمر صعباً في ما مضى، فمن يستطيع اكتشاف سرقة شاعر يعيش في طرف الجزيرة العربية لأشعار امرئ القيس؟ ثم لأشعار أبي تمام من بعده؟ ومن كان يعرف بسهولة كيف سطا المتنبي وسواه من الشعراء العباسيين على الفلسفة اليونانية؟
كان الأمر صعباً، ومع ذلك صدرت كتب كثيرة عن لصوص الكلمة في ذلك الزمن. ونحن اليوم، لا بد أن نتوصل إلى حل لهذه المشكلة، لا لنحمي النصوص وحقوق المؤلف وحسب، بل أيضاً لنخفف من حال الاستهتار والفوضى والفساد التي تنتشر في كل اتجاه.
يحضرنا مشروع الحماية الفكرية والأدبية، لكن أصحابه لم يوفقوا في الوصول إلى أهدافهم، لأن مشكلة الفوضى، في كثير من دول العالم باتت لوناً من ألوان العلم، وصفة في أخلاق الحاكم، وسياسة محلية ودولية في آن، أما «الفوضى الخلاقة» فليست من عبقريتنا نحن، بل من عبقرية «الحريصين» على تطبيق حقوق الملكية الفكرية والأدبية.
قد تخفف بعض الفوضى من تكاليف عدد من السلع، غير أن بعضها الآخر يساهم في تعميم الفساد، لذا لا بدّ من حلّ، ولا بد من استخدام الفضيحة كرادع للصوص الكلمة، وبالتالي، لأننا يائسون من قدرة الأنظمة على منع الفساد الذي تساهم هي فيه، لا بد من خطوات ممكنة، أي إنشاء مواقع الكترونية جدّية وقادرة، تتولى مهمة الإمساك باللصوص، ووضعهم في «حجرة العار»، كما فعل أحد المواقع الأجنبية.. علّهم يتأدّبون!
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى