“الجهاديون” و “حماس” و”الإخوان”… وقبلهم “السلفيون”:في الدلالات السياسية للزي
مراد بطل الشيشاني
لعل أبرز المشاهد المعبرة عن الدلالات السياسية للزي أو اللباس، هو دخول الزعيم الجنوب أفريقي نلسون مانديلا جلسات محاكمته عام 1962 وما يعرف بمحاكمات ريفونيا إلى قاعة المحكمة بملابس «الكوسا» التقليدية المصنوعة من جلد النمر، وذلك ليعبر عن كونه «رجلاً أفريقيا أسود يحاكم في محكمة الرجل الأبيض» كما عبر هو عن ذلك في كتابه «رحلتي الطويلة من اجل الحرية».وقد لعب الزي تاريخياً دوراً أساسياً، كما في حالة الحجاب في أوروبا والغرب حالياً في التعبير الس“`ياسي، عن الهوية والتمايز، أو كرسالة احتجاج..الخ. وشهدت حقبة السبعينات وفترة المد اليساري أنماطاً مختلفة من اللباس للتعبير السياسي.
الإسلاميون بدورهم كان موضوع اللباس أيضاً تعبيراً سياسياً بالنسبة اليهم، فكان يوصف الشخص الملتحي بـ «الإخوان»، خلال حقبة الثمانينات، وقد برز آنذاك أيضاً النمط السلفي باللباس القصير، وكذلك ما بات يعرف بـ «باللباس الأفغاني» (وهو الشروال كميس)، وقد كان تعبيراً آنذاك عن التعاطف مع «المجاهدين الأفغان»، حيث كانت صور المتطوعين العرب في أفغانستان، تلعب دور الملهم للعديد من الشبان في العالم العربي، وطبعاً بدعم من العديد من الأنظمة العربية، وكذلك الولايات المتحدة كجزء من الصراع ضد الاتحاد السوفياتي.
من الملاحظ أن تعبيرات الزي ودلالاته أرتبطت بالهوية، على مختلف مستوياتها العامة والفرعية فبات، وفي سياق الحديث عن الإسلاميين، التمييز ممكناً بين أطياف الحركات الإسلامية من الإخوان المسلميين، أو السلفيين – التقليديين، أو الجهاديين، أو التبليغ والدعوة أو غيرهم.
وما يدلّ على أن هذا يعبر عن الهوية، أكثر من كونه زياً تنظيمياً، هو أن منفذي أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 2001، أو منفذي تفجيرات لندن عام 2005، وغيرهم من السلفيين – الجهاديين لم يتزيوا بلباس السلفيين – الجهاديين، أو بنمط لباسهم، بشكل أدق، عندما نفذوا عملياتهم وذلك كي يتجاوزا الرقابة والاشتباه الأمنيين.
حديثاً برز دور الزي في التمايز بين الأطراف السياسية الإسلامية، بشكل كبير. التمايز الأول شكلته حالة الجدل الشديد القائم بين اتباع المنظر السلفي – الجهادي أبو محمد المقدسي وبين ما يعرف بـ «الزرقاويين الجدد» الذين يعدون أنفسهم حملة تراث قائد تنظيم «القاعدة» في العراق أبو مصعب الزرقاوي الذي قتلته القوات الأميركية في حزيران (يونيو) 2006، والثاني برز في الصادمات الأخيرة بين حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، والمجموعات السلفية الجهادية في قطاع غزة.
الخلاف بين اتباع المقدسي و «الزرقاويين الجدد» هو جدل مستمر منذ فترة ويمكن تلخيصه بتنازع حول أحقية التعبير عن التيار السلفي – الجهادي، وبالتالي فإن «الزرقاويين الجدد»، وباعتبارهم حملة إرث الزرقاوي فهم يقلدونه بلباسهم خاصة في «الطاقية» السوداء والتي بات البعض يعتبرها تمثل السلفيين الجهاديين. وقد أجاب أبو محمد المقدسي على سؤال وجهته له صحيفة «السبيل» الأردنية الأسبوعية، في حزيران الفائت، وكانت أول مقابلة للمقدسي مع وسيلة إعلامية منذ خروجه من السجن عام 2008، حول الطاقية السوداء، فقال: «البعض يعد (الطاقية السوداء) شعاراً لأتباع ما يسمى بالتيار السلفي الجهادي.. هل هذا صحيح؟ هذا غير صحيح، ربما يتعاطاه ويتمسك به بعض الشباب البسطاء والمبتدئين، لكن ما الفارق بين طاقية سوداء أو بيضاء أو زرقاء، ليست المسألة بالألوان والصور، ففي الحديث: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»». وعلى رغم رفض المقدسي لنمط لباس معين، ولكن من الواضح أنه يقول أن هناك من يتمسك به كرمز للسلفيين – الجهاديين.
وأما في ما يتعلق بصدامات «حماس» والسلفيين الجهاديين، فقد أشرت إلى حالة التمايز والافتراق داخل الجماعات الإسلامية. الصحافي الفلسطيني ثابت العمور، والذي قد يكون من الصحافيين القلائل الذين أجروا مقابلة صحافية مع قائد ومؤسس حركة «جيش الأمة» السلفية – الجهادية أبو حفص المقدسي، وذلك قبل الصدامات بين حركة «حماس»، وحركة «جند أنصار الله» بقيادة أبو النور المقدسي (عبداللطيف موسى)، نشرها على موقع «إسلام أون لاين» 15 شباط (فبراير) 2009 مع مقدمة يصف فيها تزايد التيار السلفي – الجهادي في قطاع غزة، فيقول: «…فتية يرتدون الزي الباكستاني بألوانه الداكنة، ويرتدون فوقه جاكيتات عسكرية تكون أكبر قليلا من جسم وحجم مرتديها علها تساعده في إخفاء سلاحه الشخصي تحتها أو إخفاء جهاز اللاسلكي، ويضع على رأسه قبعة سوداء صغيرة تشبه تلك التي كان يرتديها أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم «القاعدة» في العراق. بعضهم ترك شعر رأسه يتدلى على كتفيه يغطيه بقطعة قماش تسمى حطة أو شالة، ولكنها ليست الحطة المعهودة التي كان يضعها الشباب الفلسطيني، والتي ارتبطت بالثورة الفلسطينية… هذه المظاهر لهؤلاء الفتية دفعت بالعديد من العوام والخواص إلى القول الجازم بأن تنظيم «القاعدة» ربما وجد له موضع قدم في قطاع غزة».
ويلاحظ أن الزي واللباس في الحالة السياسية الفلسطينية يلعب دوراً مليئاً بالدلالات للتمايز بين «الكوفية»، و «الطاقية»، واللباس المدني، واللحية…الخ، وللمفارقة، وفي خضم الجدل حول فرض «حماس» الحجاب في قطاع غزة، وكتدليل على أهمية الزي، كتب د. أحمد جميل عزم في صحيفة «الغد» الأردنية 26 آب (أغسطس) 2009، مقالاً قال فيه «ماذا لو قرر ناشطون فلسطينيون، الدفاع عن الحرية الشخصية، ومواجهة «حجاب» حماس بالاحتجاج بالحجاب الفلسطيني؟! بمعنى أنّ الثوب الفلسطيني التقليدي المطرز هو نوع من الزي الشرعي، ولبس نموذج (قليل التكلفة منه) سيكون نمط احتجاج «محجب» ضد فرض الحجاب وفق رؤى «حماس».
الحياة