قضية فلسطين

رؤيتان في الذكرى الـ 60 لقيام اسرائيل

null
رندة حيدر

عكس مشهد احتفال اسرائيل بالذكرى الستين لقيامها صورة عن الواقع السياسي والاستراتيجي الذي تمر به الدولة العبرية اليوم. فمن جهة هناك الاحتفالات المشهدية بزيارة الرئيس الأميركي جورج بوش لاسرائيل والخطب الرنانة والتهديدات الموجهة الى ايران وحركة”حماس” و”حزب الله”؛ ومن جهة اخرى هناك قصف “حماس” على عسقلان و سيطرة “حزب الله” على الحياة السياسية في لبنان.

صورة المستقبل الذي ينتظر اسرائيل في الستين من عمرها يتأرجح بين رؤيتين متناقضتين: الرؤية التي تتوقع انهيار دولة اسرائيل وزوالها قريباً عن الخريطة السياسية؛ وتلك التي تعتبر أن اسرائيل اليوم هي أقوى أضعاف المرات عما كانت عليه من قبل وقادرة على التغلب على كل التحديات التي تحوطها.

تبدو صورة اسرائيل من الداخل مركبة ومعقدة؛ فرغم كل المصاعب والانتقادات التي تواجهها الحكومة الاسرائيلية الحالية، لاسيما في ظل الاتهامات الجديدة بالفساد الموجهة الى رئيسها؛ فإن الحياة الحزبية الاسرائيلية أكثر هدوءاً عما كانت عليه مثلاً في الماضي في غياب الاستقطاب الحاد الذي خيم على الحياة الحزبية في اسرائيل بين أحزاب اليمين وأحزاب اليسار ومع الصعود البارز لأحزاب الوسط مثل كاديما وحزب المتقاعدين وحركة شينوي مع التداخل الكبير في المواقف بين الأحزاب الكبرى مثل حزب العمل الذي باتت مواقفه في موضوع التسوية الفلسطينية، لاسيما بعد فشل أوسلو، أكثر تشدداً وقرباً من احزاب اليمين؛ وكذلك بعد الضعف والوهن الكبيرين اللذين أصابا معسكر السلام الاسرائيلي في الأعوام الأخيرة.

ورغم الجمود الكامل في العملية السلمية مع الفلسطينيين و التهديد الاسرائيلي الدائم بعملية عسكرية واسعة النطاق في غزة قد يدفع ثمنها سكان جنوب اسرائيل؛ فإن هذا لا ينعكس على الاجماع الوطني في اسرائيل الذي ما زال يدعم فكرة دولتين لشعبين، ولا على الاقتصاد الاسرائيلي الذي يمر في مرحلة نمو وازدهار مستمرين.

ربما أفضل وصف لكل ما سبق ما كتبه يوئيل ماركوس في “هآرتس” عندما شبّه اسرائيل ب”الجزيرة السوية وسط بحر من الأصوليات الإسلامية والإرهاب الذي يهدد العالم المتحضر”. يحلو للإسرائيليين في الذكرى الستين لقيام دولتهم أن يتذكروا الوجه المشرق لهذه الدولة وان يعددوا الانجازات.

في مقال نشره مركز “بيغن – السادات للدراسات الاستراتيجية” في اسرائيل بعنوان “اسرائيل في الستين: قصة نجاح” يرى أفرايم عنبار أن اسرائيل نجحت في الأعوام الماضية في مواجهة المخاطر الكثيرة والتحديات التي تحوطها وتغلبت عليها جميعاً باستثناء الخطر الإيراني، كما ان التحليل السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدينامية التي تحرك المجتمع الاسرائيلي يدل على ان الزمن هو لمصلحة اسرائيل.

فعلى الصعيد الإيديولوجي يرى عنبار ان الجدل حول مستقبل المناطق المحتلة قد انتهى بعد الانسحاب من غزة عام 2005 و تأييد غالبية الاسرائيليين بمن فيهم مناصرو الحركة الصهيونية التقليدية ضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية وتقسيم القدس. يبقى ان ثلثي الاسرائيليين ما زالوا يعارضون تقديم تنازلات في الجولان، ناهيك بأن معظم الاسرائيليين لم يعودوا يعارضون قيام دولة فلسطينية مستقلة الى جانب اسرائيل رغم شكوكهم في احتمالات تحقيق ذلك.والمجتمع الاسرائيلي اليوم بات مقتنعاً بأنه سيظل يعيش تحت التهديد بالحرب في المستقبل المنظور وهو مستعد لدفع الثمن.

على الصعيد الاجتماعي من الملاحظ تراجع النزاع الاثني بين اليهود الأشكيناز واليهود السفارديم عما كان عليه في الماضي، وذلك بعد تجاوب المؤسسة السياسية مع مطالب اليهود الشرقيين برفع “التمييز والحرمان” عن طائفتهم، ووصول عدد كبير منهم الى المناصب العليا في الدولة. لكن هذا لا ينطبق على النزاع والشقاق بين المتدينين والعلمانيين الذي ما زال حاداً، ولكنه لا يخرج عن اي نزاع اجتماعي في اي دولة أخرى ولا يشكل اضعافاً لروح الوحدة الوطنية او ضرباً لها.

على المستوى الإقتصادي، حسم الاسرائيليون أمرهم وباتوا يعتبرون النظام الرأسمالي الأكثر ملاءمة لهم. ووفقاً لعنبار نجحت اسرائيل في بناء اقتصاد قوي ومزدهر واستطاعت ان تواجه ضغوط السوق والتأقلم مع العولمة، ورغم الضغوط الأمنية التي تمر بها اسرائيل الا ان المؤشرات الإقتصادية الحالية باهرة، ومع كل الموارد المالية التي ترصدها اسرائيل لسياساتها الدفاعية وللجيش، فهي تملك الصناعة التكنولوجية الأكثر تطوراً في العالم، واقتصادها مزدهر ومستقر، ويكفي أن نقارن بين التفاوت الهائل في مستوى دخل الفرد بين اسرائيل وسكان غزة والضفة والدول العربية المجاورة لها لنتعرف على حجم الفارق الهائل بين اسرائيل وجيرانها من الفلسطينيين والعرب.

على صعيد العلاقات الدولية شهدت علاقات اسرائيل الخارجية منذ التسعينات وتحديداً منذ مؤتمر مدريد عام 1991 انفتاحاً اكبر على دول العالم لا سيما على الصين والهند وتركيا ونيجيريا. ولكن يبدو ان الخطر الأساس الذي يتهدد قيام اسرائيل ووجودها اليوم هو خطر حصول ايران على السلاح النووي وصعود النفوذ الإيراني في المنطقة واحكامها القبضة على اسرائيل جنوباً من خلال حركة”حماس” في غزة و شمالاً عبر سيطرة “حزب الله” السياسية على لبنان.

رغم كل الكلام الأميركي المطمئن والمشجع لإسرائيل بأنها لن تكون وحدها في مواجهة السلاح النووي الايراني؛ هناك اقتناع لدى الاسرائيليين بأنهم عاجلاً ام آجلاً عليهم ان يأخذوا على عاتقهم حل هذه المشكلة. فسلوك المجتمع الدولي خلال العامين الماضيين ولا سيما من موضوع فرض العقوبات الإقتصادية على ايران و اجبارها على التخلي عن مشروعها النووي لم يؤتِ ثماره، كذلك يعتبر الاسرائيليون انه لا يمكن الإعتماد على وعود الادارة الأميركية الحالية بالتصدي لإيران وهي في الأشهر الأخيرة لها في الحكم، من هنا فالمرحلة المقبلة هي مرحلة بحث اسرائيل الجدي عن حلول لمشكلة السلاح النووي الايراني.

يبدو انه كلما اشتد رهان البعض على سقوط اسرائيل وزوالها ؛ كلما ازداد رهان اسرائيل على اظهار نفسها بصورة الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة والملاذ الآمن للشعب اليهودي، المحاطة ببحر من التنظيمات الاسلامية المتطرفة التي تسعى الى فنائها. هذه هي الصورة التي تسعى اسرائيل الى اعطائها عن نفسها في الذكرى الستين لقيامها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى