السعودية: دلالات محاولة اغتيال فاشلة
د. مضاوي الرشيد
تناقلت وسائل الاعلام السعودية خبر محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية. حسب الرواية الرسمية يبدو ان أحد المطلوبين أمنيا كان قد نسق مع أجهزة الامير الامنية لتسليم نفسه، ولكنه أتى الى مجلس الامير مهيأ لعملية تفجير لم يذهب ضحيتها سواه.
من الصعب تصديق الرواية السعودية الرسمية، حيث تنعدم المصادر الاعلامية المستقلة والتي تمكن المراقب من تمحيص الخبر وتقصي تفاصيله. ولكن اذا صدقنا الرواية الرسمية وسلمنا بتفاصيلها سنلاحظ انها تحمل دلالات جديدة أولاها ان اصحاب الفكر الضال قد غيروا استراتيجيتهم تجاه النظام السعودي. فخلال اعوام المواجهة المفتوحة بين 2003 2005 لم تحصل اي محاولة اغتيال لرموز النظام من قبل ما تسميه السعودية الفئة الضالة. فقد كانت جميع العمليات التفجيرية تستهدف مباني الدولة أو المجمعات السكنية وان طال أحدها المراكز الامنية التابعة لوزارة الداخلية.
جرت هذه التفجيرات تحت شعارات متعددة كان أهمها اخراج المشركين من جزيرة العرب وكثرت حينها التساؤلات عن الاسباب التي تقف خلف عدم استهداف رموز النظام، وربما كان السبب الاول هو ان النظام السعودي يوفر الغطاء اللازم لمثل هذه العمليات ويؤجل التصادم المباشر بين الولايات المتحدة والقاعدة على أرض الجزيرة العربية في مرحلة ربما كانت القاعدة غير مستعدة بعد لمواجهة مفتوحة. وربما كان اسهل على القاعدة ان تستهدف رموز النظام حينها بسبب عدم جاهزية الدولة وأجهزتها على حماية نفسها، ولكن بعد عدة سنوات من التدريب والتمكين نجد أننا بصدد محاولة اغتيال عجيبة وغريبة في تفاصيلها يتعرض لها أحد أكبر المسؤولين الذين تسلموا الملف الامني الهادف الى استئصال ما يسمى بالفئة الضالة.
وقد حاول الامير الذي استهدفته محاولة الاغتيال ان يجمع بين أسلوبين في تعامله مع المطلوبين والمتهمين بالارهاب الأول صورة الامير الحازم القوي، والثاني صورة الامير الحنون الحاضن للتائب والمتراجع عن جرائمه. وان كان هو المسؤول الاول عن امتلاء السجون السعودية بأشخاص ينتظرون المحاكمة دون ان يحصلوا على ضمانات وتمثيل عادل الا انه يصر على الظهور بمظهر الامير المتسامح الذي يعيد تأهيل المجرمين ويجد لهم الوظائف ويكافئهم بسيارات واتاوات ويحضر اعراسهم في المواسم. ورغم هذه الصور المتناقضة الا ان ملف حقوق الانسان في السعودية والتعذيب في السجون والوضع المزري فيها وتكميم الافواه والمنع من السفر وسحب الجوازات كلها من اختصاص الوزارة التي يتصدرها الامير، ومن هنا جاءت جميع تقارير منظمات حقوق الانسان العالمية والعربية لتدين ممارسات هذه الوزارة، بالاضافة الى ان جميع بيانات الاصلاحيين في السعودية أشارت ولو بطريقة مبطنة حينا واخرى مباشرة الى تجاوزات وزارة الداخلية وممارسات محمد بن نايف التي استغلت ملف الارهاب وذريعته لتنشر حالة خوف ورعب في المجتمع وتقييد الحريات في مرحلة كان الكثيرون يتوقعون العكس. وربما تستغل محاولة الاغتيال هذه وما سبقها من اعلان عن اكتشاف خلايا ارهابية جديدة ومصادرة اسلحة وذخائر منذ اقل من شهر وايقاف 44 شخصا من ذوي الاختصاصات العالية، في التضييق اكثر على المواطنين والحد من الحريات. وعلى مستوى آخر يبدو ان الامراء القائمين على الملف الامني الداخلي هم ايضا يستغلون انجازاتهم الامنية لتمكين اجنحة معروفة وتحضيرها لخوض معركة القيادة والتي ستبدأ مستقبلا، خصوصا ان قضية ولاية العهد لم تحسم بعد رغم انها بدأت مع تفاقم مرض ولي العهد الحالي الامير سلطان بن عبدالعزيز وغيابه عن البلاد لفترة طويلة.
لقد ساعد الملف الامني وقضية الفئة الضالة وزارة الداخلية ومكنها من السيطرة على اجهزة اخرى ومن اهمها القضاء حتى اصبحت هذه الوزارة دولة داخل دولة، وما هي الا سنوات قليلة سنرى خلالها كيف يتم تتويجها وتتويج القائمين عليها في منصب القيادة الاولى خاصة وانها تغازل الجهات الامنية الدينية وتصور نفسها حامية للدين والفضيلة والاخلاق والمحافظة على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي بذلك تضمن ولاء الجهاز الذي يحتك بالمواطنين يوميا وعن قرب. من خلال هذا الجهاز تستطيع الوزارة أن تجعل المواطن يشعر وكأنه مراقب بطريقة مباشرة من اجهزة الدولة التي لا تغيب عنها أهم تفاصيل حياته وتحركاته. تبلور الدور الذي تلعبه وزارة الداخلية كحامية لأمن النظام ولو كان ذلك على حساب أمن الانسان يجعلها اكثر الوزارات قدرة على اقتناص الفرص القادمة لخوض معركة مع أجنحة اخرى في العائلة الحاكمة، عندما تأتي الفرصة وتستغل محاولة الاغتيال الفاشلة وتوظف من قبل المعنيين بالامر لزيادة الاسهم في شركة بدأت تتصدع على خلفية كثرة المساهمين والمتنافسين داخلها.
ظهر هذا التصدع والمنافسة من خلال مراقبة الشأن السعودي وكيفية التعاطي مع معضلة ولاية العهد والتي لم تستطع هيئة البيعة الجديدة ان تحلها وبقيت مراسيمها مجمدة غير قابلة للتفعيل عند أول امتحان لها.
وقد بدأت بالفعل عملية توظيف محاولة الاغتيال اذ انها فسرت وكأنها نتيجة طبيعية للتسامح والطيبة وحسن الخلق لشخصية فتحت ابوابها لاعادة تأهيل الارهابيين الذين يستغلون هذه الصفات الحسنة وينكرون جميل من تفضل عليهم بفرصة تاريخية ليعيدهم الى صوابهم. وشطحت بعض وسائل الاعلام السعودية لتؤكد ان عملية الاغتيال زادت اعجاب السعوديين بقاهر الارهاب ومروض الفئة الضالة بعد انقضاء أقل من 24 ساعة على الاعلان عنها، وكأنها ترصد شعور السعوديين كل دقيقة لتخرج وتجزم ان اعجابهم بهذه القيادة قد ارتفع وازداد بصورة مفاجئة.
من السهل ان تلصق القيادة السعودية محاولة الاغتيال بالفئة الضالة لأنها ستجد كثيرين يصدقون مقولاتها ورواياتها، وان شكك احدهم بالرواية الرسمية واستبعد ان تكون الفئة الضالة غيرت استراتيجيتها واستهدفت رموز النظام فانه سيتهم بأنه يثير الفوضى ويبشر بالشر، اذ ان على المواطنين جميعا ان يؤمنوا ويسلموا دون جدل او مناقشة ان الفئة الضالة ما زالت قوية تتحرك وتجمع الذخيرة والعتاد بل هي اليوم على عتبات الامراء تخترق مجالسهم المفتوحة وقلوبهم المتسامحة لتصوب سهام جوالاتها ومتفجراتها لرموز الوطن والامان، وهذا ما لم تفعله الفئة الضالة حتى في مرحلة كانت اجهزة الامن اقل كفاءة ويقظة.
لقد تحول خبر الاغتيال الفاشل الى حدث اعلامي بالدرجة الاولى وقد تم بالفعل استغلاله اعلاميا بأسلوب يخلو من المهنية والقدرة على التأثير، خاصة عندما بدأ الامير المستهدف يسرد تفاصيل الحادث للملك بطريقة بدائية ولم يفته ان يذكر تشظي جسد المهاجم الى سبعين قطعة لا اكثر ولا اقل، وربما ان اجهزة الامن بتفوقها المكتسب مؤخرا استطاعت بسرعة بهلوانية ان تعد اشلاء الارهابي حتى آخر قطعة تماما كما استطاعت اجهزة الاعلام الرسمي أن ترصد مشاعر السعوديين في عتمة الليل وتصل الى النتيجة المرجوة، وهي زيادة الاعجاب بالامير المستهدف ان كانت هناك معركة تدور رحاها بين اعضاء اجنحة العائلة السعودية الحاكمة وخاصة الجيل الذي ينتمي اليه مساعد وزير الداخلية، فمن الاحرى بالمتصارعين ان يحسنوا صورتهم من خلال اللجوء الى تقنية شبكات العلاقات العامة وليس عبر قصص تتعلق بسبعين قطعة جسدية تتناثر في مجلس هذا الامير او ذاك أو مقالات استغلال التسامح الذي تتميز به القيادة السعودية. ستكون المعركة حامية خلف الكواليس ولن يطلع المواطن العادي الا على مهاترات اعلامية وقصص خيالية بينما المعنيون بالامر بصورة مباشرة سيظلون رهينة السباق الى الحكم وعلى الحكم.
وستبقى الفئة الضالة شماعة يعلق عليها النظام مشاكله ويؤجل تعاطيه مع قضايا ملحة وكذلك يستعرض انجازاته في مكافحتها. لقد خدمت الفئة الضالة اهدافا لم تكن تحسب لها أي حساب.
‘ كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية
www.madawialrasheed.org
القدس العربي