عن دمشق الوسيطة في إطلاق السجناء
زين الشامي
لعبت دمشق دوراً بارزاً في قضية إطلاق سراح المواطنة الفرنسية «كلوتيلد ريس» التي كانت محتجزة في طهران، وقد شكرت فرنسا ممثلة في الرئيس نيكولاي ساركوزي ووزير خارجيته برنار كوشنير، سورية بشأن جهودها من أجل إطلاق سراح الموظفة الإيرانية-الفرنسية في السفارة الفرنسية نازك أفشار في طهران أيضاً.
بكل تأكيد فإن ما قامت به دمشق من جهود تستحق الشكر لأن وساطتها تعلقت بمبادرة إنسانية، ورغم أن هناك دوافع سياسية ومصالح تبتغيها دمشق من وراء هذه الجهود، فلا يسعنا إلا تشجيع مثل هذه التحركات وأي خطوات تتعلق باحترام حقوق الإنسان.
لكن المستغرب هنا أن سورية التي قامت بدور الوسيط لإطلاق سراح موظفتين فرنسيتين من السجون الإيرانية، هي ذاتها الدولة والنظام السياسي الذي يسجن العشرات من السوريين ليس لقيامهم بأعمال تظاهر أو تحريض، بل لمجرد التعبير عن آرائهم السياسية والمطالبة بالديموقراطية والإصلاح من خلال بيانات أطلقوها أو مقالات كتبوها هنا وهناك. هنا يصبح التساؤل مشروعاً فيما إذا كان النظام في سورية وحين انطلق في وساطته تلك، مقتنعا تماماً بضرورة الإفراج عن المعتقلتين الفرنسيتين، أو فيما إذا كان يؤمن بحرية الأفراد في التعبير عن آرائهم والتظاهر، أم أن ذلك مجرد «لعب» في السياسة بغية تحسين صورته وموقعه وسمعته؟
أيضاً فإن المستغرب، أن النظام ذاته الذي قام بدور الوسيط بين فرنسا وإيران، هو ذاته الذي رفض وما زال يرفض أي طلب خارجي أو وساطة للإفراج عن سجناء الرأي السوريين، وغالباً ما يقول في وسائل إعلامه انه لا يسمح «بالتدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية»!
لكن وبما أنه سمح لنفسه «بالتدخل في الشأن الإيراني الداخلي» فإننا ومن هذا المنطلق والخلفية، نطالب تركيا الدولة الصديقة والمقربة كثيراً من دمشق، لأن النظام «يكره الغرب»، أن تقوم بلفتة إنسانية وتتوسط لصالح معتقلي الرأي السوريين، لنرى فيما إذا كان النظام سيوافق على مثل هذه الوساطة أم لا.
ثم ومن ناحية ثانية، وبعد أن أسدل الستار على قضية الليبي عبد الباسط المقرحي المتهم بضلوعه في تفجير الطائرة «بان أميركان» فوق بلدة لوكربي، وهو الحادث الذي أسفر عن مقتل جميع ركاب الطائرة وعددهم 259 راكباً، إضافة إلى مقتل 11 شخصاً من سكان المنطقة التي وقع فيها التفجير، حيث استند القضاء الاسكتلندي في قراره في الإفراج عنه إلى اعتبارات إنسانية كونه مريضاً بسرطان البروستات، نقول انه وبعد أن أسدل الستار على هذه القضية، ورغم هول الجريمة وعدد الضحايا الكبير الذين سقطوا، فإن من حق السجين السياسي في السجون السورية رياض سيف أن يفرج عنه كونه مصاباً بذات المرض الخطير، مع العلم أن سيف لم يقتل أحداً، وليس ضابط مخابرات، وليس في سجله أي جنحة قضائية، بل هو مجرد إنسان وطني كان يحلم بوطن أجمل، ويحلم بيوم تحل فيه الديموقراطية على بلده سورية.
لقد قال القاضي الاسكتلندي الذي اتخذ قرار الإفراج عن المقرحي أن القيم الإنسانية الاسكتلندية تحتم عليه استخدام صلاحياته لإخلاء سبيله، وأضاف أنه: «اطلع على مرض المقرحي الذي وصل إلى مرحله متقدمة، واستشار الأطباء الذين تابعوه وقالوا إن وضعه تدهور بشكل كبير وتوصل الخبراء إلى أن مرضه قد قاوم العلاج، ولذلك كان هناك إجماع بأن توقع شفائه من المرض بات ضئيلاً». لكن وبالنسبة إلى رياض سيف ورغم كل التقارير الطبية عن حالته الصحية المتدهورة، فإن السلطات لم تفرج عنه، ولم تقم بأي جهد لعلاجه رغم كل المناشدات الإنسانية من المنظمات الحقوقية الدولية.
هذان المثالان عن قضيتي المقرحي الذي كان مسجوناً في اسكتلندا لأسباب جنائية، ورياض سيف السجين السياسي في سورية، يثبتان بما لا يدع مجالاً للشك كم أن «الغرب» رحيم في حق «الأجانب» فيما أنظمتنا السياسية لا تتوافر في منظومتها الأخلاقية والقضائية أدنى مقومات العدل والرحمة تجاه مواطنيها.
عدا عن ذلك، ما يزال رياض سيف يصارع المرض في سجنه في منطقة «عدرا» شرق دمشق، وشتان ما بين هذا السجن وبين سجن «بارليني» بغلاسكو الذي قضى المقرحي عقوبته فيها!
سجناء الرأي في سورية، لم يشاركوا في تظاهرات ولا أعمال شغب، ولم يكونوا مرتبطين بالسفارات الأجنبية، ولم يكن عندهم مخطط لإحداث «ثورة مخملية» كما أنهم لم يفجروا طائرات، وهم أصلاً لا يقدرون على ذبح عصفور، فهل هناك من يسعى للتوسط لإطلاقهم بعد أن يئسوا من رحمة «البعث» والقيادة الحكيمة؟
الراي