صفحات ثقافية

انسحاب تورنتو

null
عباس بيضون
قد يكون السؤال الفعلي هو ماذا نريد من العالم، نسمع من يقول ان العالم موت ولا رجاء لنا فيه، قد يصح هذا القول ولن يعجز اصحابه عن ايجاد البراهين على صحته، مع ذلك فإن القائل بطي القضية برمتها فلا يبقى لها وجود ولا يعود مهماً ان نسأل، في الأساس، ماذا نريد من العالم، يمكننا عندئذ ان نتغيب عنه، لكننا لا نستطيع الغياب ولا بد ان نجد جواباً آخر.
البقاء في مهرجان او منتدى، كما يقول بيان يسري نصر الله وأحمد عبد الله على اختيار مهرجان تورنتو السينمائي لتل أبيب لتظاهرة «من مدينة الى مدينة» وعدم تركه بسبب التواجد الاسرائيلي، صحيح من حيث المبدأ. إذا كنا نأبه لرأي العالم فإن العالم لا يفهم ان نغادر لهذا السبب، المغادرة لن تخدم قضيتنا بالتأكيد وهذا أمر بيننا وبين أنفسنا وإذا كنا نأبه للعالم، ونهتم بأن يولينا انتباها، إذا كنا نذهب الى مؤتمر او منتدى او مهرجان عالمي لتكون لنا كلمة فيه فإن سلوكاً، أي سلوك، لا يحمل إلى العالم رسالة واضحة، ليس مناسباً ولا يكفي أن نفهمه نحن او يصل الينا.
من حيث المبدأ ما جاء في بيان يسري وعبد الله صحيح، ينبغي ان لا نعطي لإسرائيل فرصة ان تنفرد بصوتها وان تستفيد من سلوك غير مفهوم لطرف عربي. هذا صحيح، لكن في مهرجان تورنتو مفارقة لا نجدها في سواه. لم يكن العرب أول الناس احتجوا وانسحبوا، مخرج كندي هو جون غاريسون انسحب في بيان واضح أيّده ممثلون أميركيون كبار وكتاب. لم يجد المخرج والممثلون والكتاب مناسباً تكريم العاصمة الاسرائيلية بعد حوادث غزة التي لا تزال ذيولها تشغل العالم وآخر ما ثار بشأنه الجدل، وهذه المرة كان المصدر سويسرياً، هو بيع أعضاء القتلى والشهداء الفلسطينيين، بعد قتل المدنيين العشوائي والسلاح غير الشرعي تضاف هذه الواقعة. ذلك يعني ان المسألة عالمية والكلام بشأنها مفهوم للعالم، والذي انسحب أولاً هو مخرج كندي وانسحابه لن يحمل على التعصب والشوفينية والعداء للسامية، لن يحمل على البداوة والتخلف، الانسحاب ما دام قام به كندي وأميركيون مفهوم، ولأنه هذه المرة موقف لا مجرد عداء او حزازة. بعد حرب غزة يحضر مخرج كندي وممثلون وينسحبون لأن إسرائيل لا تستحق أن تكافأ على جريمة كهذه، ولأن العدوان ينبغي ان يحاسب. بعد انسحاب غاريسون وسواه يبدو الانسحاب هذه المرة موقفاً عالمياً ويفهم الجميع هذه المرة لماذا ينسحب العرب ما داموا لا ينسحبون وحدهم! بعد موقف غاريسون وســـواه يمكن للانسحاب هذه المرة ان يكون موقفاً يستحق القيام به واقتراحه وتحريض الآخرين على سلوكه.
أنا مع يسري وعبد الله في ان الانسحاب، مبدئياً، ليس السلوك الأنسب، لكن الأمر يختلف هذه المرة. ليست المسألة الآن مسألة مبدأ فحسب. هناك أمر آخر ينبغي الانتباه إليه، إذا بدأ الآخرون علينا أن نلحق بهم.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى