لماذا نجحنا في الدراما فقط؟
زين الشامي
من خلال لقائي بالعديد من الأصدقاء العرب أستطيع أن أدرك مدى التقدير الذي يكنونه للدراما والمسلسلات السورية، ولا أبالغ في القول ان هناك العديد منهم الذين يحملون تقديراً لسورية البلد وللسوريين جميعاً، لكن حين الحديث عن النظام السياسي، أشعر أن الآراء تختلف، لا بل إن بعضاً من هؤلاء الأصدقاء الذين زاروا سورية لسبب ما، وعايشوا عن قرب بعض التفاصيل المتعلقة في الحياة اليومية، أجدهم أكثر واقعية، فهم وإن كانوا من المعجبين بالدراما ومن الذين يحترمون المجتمع السوري، فإن لهم معاناتهم الخاصة وملاحظاتهم التي لا تنتهي عن الفساد والرشوة وعسكرة الحياة العامة.
الكثير منهم روى لي قصصاً مخجلة عن الفساد لحظة وصولهم إلى مطار دمشق الدولي، ومنهم من حدثني عن إيقافه بالسجن لمجرد أنه قدم من بلاد معينة، أو نتيجة تشابه في الأسماء، أو بسبب اتجاهه السياسي، أو لأن أحدا ما كتب فيه تقريراً للأجهزة الأمنية.
بالتأكيد حين أسمع الاطراء الكثير عن الدراما السورية، التي تطورت كثيراً في الأعوام الأخيرة، فإني أشعر بفخر كبير كوني مواطنا سوريا، أيضاً حين يتحدث الأشقاء العرب باحترام وحب عن الشعب السوري، فإني أشعر أيضاً بالفخر كوني مواطنا سوريا، لكن هذا الشعور سرعان ما يتبدد حين يخبرني أحدهم عن تصرفات رجال الأمن معه في المطار، أو لحظة اضطراره لرشوة أحد الموظفين، هنا أشعر بخيبة كبيرة لدرجة أني أتمنى لو لم أكن مواطناً سورياً، رغم أنه لا ناقة لي ولا جمل بالفساد، وليس هناك من أقاربي من له علاقة بالفساد أو رجال الأمن.
لكن رغم ذلك، فإن نجاح فنانينا في أعمالهم الدرامية غالباً ما يجعلني أتساءل عن سر وأسباب تقدمنا في هذا القطاع الفني وتقهقرنا في بقية الميادين، مثل الإعلام، والتعليم، والقضاء، إضافة إلى انتشار البيروقراطية في مكاتبنا الحكومية، وانتشار الفساد في كل مؤسسات الدولة؟
بداية لابد من التوضيح أن الدراما السورية شقت طريقها بصعوبة ومن يعتقد أنها حديثة يكون قد اجحف حقها، فهذه الدراما تعود إلى الستينات من القرن الماضي، وهناك الكثير من الأعمال الناجحة التي تذكرنا بتلك الفترة التأسيسية مثل أعمال الفنانين دريد لحام ونهاد قلعي «صح النوم»، «حمام الهنا» التي ما زالت تعرض إلى الآن في بعض المحطات التلفزيونية العربية مع العلم أن عمرها تجاوز الأربعين عاماً.
لكن ودون الخوض في الماضي، فإن أهم أسباب تطور وتقدم الدراما السورية في الأعوام الأخيرة فتعود إلى اعطاء القطاع الخاص فرصته التي يستحق بعيداً عن تدخل المؤسسة السياسية أو الحزب الحاكم، صحيح أن هناك رقابة شديدة إلا أن هامشاً كبيراً منح لهذه الدراما لم تمنحه السلطات لغيرها من القطاعات، ولا أحد يعرف ما هو السبب، لكن من الواضح أن صاحب القرار السياسي كان يدرك تماماً القوة التي تحملها الدراما والفن بشكل عام في تلميع صورة معينة وواقع سياسي داخلي بائس، ان الدراما السورية تفعل اليوم ما يفعله الماكياج تماماً مع امرأة دميمة المظهر وبشعة.
أما من الناحية التفصيلية فيمكن القول ان النص الجيد المتجدد الذي تكتبه مواهب كبيرة وصغيرة متعددة، إضافة إلى الإخراج المتميز المتمثل في الخروج من دائرة التقليد، ومأسسة الدراما من خلال جيل الخريجين من المعهد العالي للفنون المسرحية الذي بدأت دفعات طلابه الاوائل ترفد الدراما السورية بدماء جديدة وموهوبة منذ نهاية الثمانينات، هي إحدى أسرار هذا التطور، في هذا الوقت كانت الدراما في مصر تقع في مطب التقليد والتكرار في الاخراج والنص وكتابة السيناريو لدرجة أن المشاهد بات يتوقع ردة فعل الممثل مسبقاً، أو لدرجة بات المتفرج العربي يتوقع ماذا سيحدث في الحلقات المقبلة، كل ذلك ساهم في إحداث نقلة في الدراما السورية.
لا ننسى هنا أن انتشار الفضائيات العربية ساعد هذه الدراما لدرجة كبيرة ووفر لها سوقاً واسعة، وبخاصة في دول الخليج العربي، مما مدها بأسباب الدعم المالي وهو شرط أساسي للاستمرار والتطور.
أخبرني صديق، وهو أحد النقاد المصريين البارزين، أن الدراما السورية تتميز عن نظيرتها المصرية بأنها تعتمد على فريق من النجوم ضمن العمل الواحد بعكس الأعمال المصرية التي تعتمد على اسم نجم كبير يستهلك نصف ميزانية العمل، إضافة إلى أن الدراما المصرية ما زالت غارقة في قصص مملة ومتشابهة ولم تعرف كيف تخرج الكاميرا إلى الشارع والمدن والأرياف والناس، وأضاف هذا الناقد أن الحياة السورية الاجتماعية التي تعكس غنى وتعدداً اثنياً ودينياً وطائفياً، يعطي للدراما السورية فرصة إضافية لتتقدم على المصرية.
لقد كان هذا الناقد ممتعضاً من إحدى المسلسلات المصرية حيث تقوم ممثلة كبيرة في السن، ورغم أنها نجمة، بدور طالبة جامعية، قائلاً إن ذلك خطأ شاسع لا يمكن رؤيته في مسلسل سوري.
لكن وبغض النظر عن الحالة التي وصلتها الدراما السورية من تقدم، فإن ذلك لا يمكنه أن يحجب الكثير من الأخطاء والسلبيات التي تتخللها، مثل ممارستها الدعاية السياسية للنظام القائم وتلميع صورته كما يحصل في بعض المسلسلات، كـ «رجال الحسم» الذي يعرض هذه الأيام على بعض الفضائيات العربية، أو مسلسل «باب الحارة» الذي يعتبر من أكثر المسلسلات تشويهاً لدمشق، وأكثرها ضحالة من الناحية الفنية رغم شعبيته.