ثلاث أسئلة بخصوص كتاب عبدالله العروي -السنة والإصلاح-، وثلاث إجابات
ياسين الحاج صالح
1 يشكل خروج أي كتاب من المفكر عبد الله العروي حدثا ثقافيا على المستوى الوطني والعربي والدولي، ما هي القيمة المضافة التي قدمها كتاب “السنة والإصلاح” مقارنة بمؤلفاته السابقة؟
• أفضِّلُ إبراز الصيغة التأليفية للكتاب، نوعه الكتابي، الذي لا يشبه شيئا آخر أعرفه. لكن لعله يشبه العروي نفسه، هذا الذي رأى أن كل قول يعبر عن هم ذاتي، وقرر أنه لم يعد يقرأ الفلاسفة والمتكلمين.. إلا كما يقرأ الشعراء والمغنين. أطبق على الرجل كلامه، فأرى أنه كتب أغنية، حكاية شخصية، فذة في أصالة أفكارها وعمق تحليلاتها وفرادة صيغها التعبيرية، وسعة الأفق الفكري الذي تفتحه للقارئ. كتب العروي روايات. لكن هل كتب شيئا غير روايات؟ “السنة والإصلاح” رواية عن الزمان والمكان والإنسان والله والتاريخ. تضاف إلى روايات أخرى كتبها، أو أقنعة أخرى انتحلها. الكتاب تحفة.
2 يشخص العروي في هذا الكتاب أزمة العرب، انطلاقا من التداخل الحاصل بين الفقه والفلسفة والعلم، هل هذا التشخيص حكر على العرب والمسلمين وحدهم؟
• لست مؤهلا للإجابة على السؤال، لكني كذلك لا أوافق على القراءة المضمنة فيه. يبدو لي أن ركيزة “أزمة العرب” التي أبرزها كتاب العروي هي مفهوم “السنة”، هذا الآلة التي لا تكف عن طحن الأحداث لتجعل منها مسحوقا متجانسا فاقدا حدثيته المقلقة والمحدِثة، وفي المحصلة لا تكف هي عن اليباس والتصلب. السنة عملية تسنين مستمرة لا تعي ذاتها، والأصل فيها هو انهزام أو كارثة، أخطار لم يمكن التغلب عليها. لا ترد الخطر الداهم إلا بالتقوقع، بإنكار الحياة والتوقعات الإيجابية منها. شيئا فشيئا تغدو محتاجة للأخطار، للبدع والأحداث والدواهم، كي تستمر وتصون تماسكها. السنة باتت “تنتج” الأخطار التي ربما تولدت هي عنها أصلا. أمست منجذبة إليها لا تطيق عنها فكاكا. الحصيلة منظمة القاعدة. الأرجح أن هذا وضع فريد بعض الشيء.
3 يرفض عبد الله العروي في هذا الكتاب صفة الفيلسوف هل معنى ذلك أنه ينتصر للمؤرخ فيه على حساب المفكر والأديب؟
• بل يبدو لي أنه فنان أكثر من أي شيء آخر في كتابه هذا. مغنٍّ متمكن، يدندن ويسلطن ويُفرّد..، يلعب، الأمر الذي يجعل من الصعب جدا محاكاته. هذا ينطبق أيضا على أحدث كتابه: “من ديوان السياسة”. وعموما، عمل العروي أغنى من أية خلاصات تقدم عنه، بما فيها الخلاصات التي يقدمها هو نفسه، وبخاصة ذلك الربط الذي وجد الفرصة حتى في “السنة والإصلاح” للتأكيد عليه، أعني بين مجمل نتاجه والتاريخانية. في كتابه هذا، وفي الأخير أيضا، يبدو العروي متحررا من العمل، من الإقناع، ومن …التاريخانية العملية. لكن لعله راغب في التثقيف وفي التربية.
في قوله وفي حاله ومثاله، الرجل مرب، بانٍ للعقول، كما هو فنان لاعب.
وردت الأسئلة من مجلة “سيتادين” المغربية،
موقعة باسم محمد المصباحي. ونشرت
الإجابات ضمن ملف عن كتاب “السنة والإصلاح”
للعروي في عدد المجلة الأخير