الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

هل إسرائيل فعلاً أمام “مفترق إيـران”؟…

انطوان شلحت
منذ أن انتهت الانتخابات الإسرائيلية العامة [في 10 شباط 2009] ينـزع المسؤولون الإسرائيليون، في معظمهم، وكذلك المحللون السياسيون والعسكريون كلهم، إلى اعتبار الموضوع الإيراني أحد أكثر الموضوعات الملحة، التي من المتوقع أن تكون مُدرجة على جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية المقبلة برئاسة بنيامين نتنياهو، رئيس الليكود، وذلك منذ أول لحظات توليهـا مهمات عملها.
ومع أنه من غير المستبعد أن تكون غاية هذا النزوع الحضّ على تأليف حكومة وحدة وطنية إسرائيلية، يكون في وسعها أن “تتخذ القرارات الصحيحة في هذا الملف، سياسياً وعسكرياً”، من ناحية إسرائيل، إلا أن عدم استبعاد غاية من هذا القبيل لا يعني أنها العامل الوحيد الذي يدفع الموضوع الإيراني إلى صدارة جدول الأعمال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة. فحتى وفقًا لوسائل الإعلام الإسرائيلية ثمـة “تطورات مستجدة مثيرة للقلق” تدفع في هذا الاتجاه، في مقدمها تقرير جديد صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أشار، بموجب القراءة الإسرائيلية، إلى “نجاح إيران في أن تراكم كمية من الاورانيـوم المخصّب تقدر بنحو طنّ، من شأن إعدادها في نتـانز أن يجعل إيران قريبة من إنتاج أول قنبلة نووية أكثـر من أي وقت مضى”.
صحيح أن الحملة الانتخابية الإسرائيلية لم تبرز الموضوع الإيراني على نحو خاص، غير أن ذلك لم يمنع جيشاً كبيراً من المعلقين أن يعتبر أن هذا الموضوع كان بمثابة الحاضر – الغائب في هذه الحملة. ويبدو أن السبب الرئيس، الذي وقف وراء عدم حضور الموضوع بصورة قوية في حملة الانتخابات العامة، عائد إلى كون التعاطي معه مغلفاً بأسرار كثيرة لا يجوز كشف النقاب عنها. وبناء على ذلك فليس في إمكان أي من المتنافسين في الانتخابات أن يحرز مكاسب انتخابية منه، ولو في الحدّ الأدنى.
لكن يبقى الأهم من ذلك كله هو: هل تقف إسرائيل فعلاً أمام “مفترق إيران”؟ وكيف سيكون جوهر التعامل الإسرائيلي الرسمي إزاء الموضوع الإيراني خلال الفترة المقبلة؟
في معرض محاولة الإجابة عن هذا السؤال، نشير إلى ما يلي:
أولا – إن إسرائيل تتعامل مع قرار الإدارة الأميركية الجديدة، برئاسة باراك أوباما، إجراء حوار مع طهران بشأن برنامجها النووي، كما لو أنه قرار لا رجعة عنه، بهذا القدر أو ذاك. وكشف المراسل العسكري لصحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، أن وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، صاغ في سياق محاضرة ألقاها اخيراً على مسامع القيادة العسكرية العليا في الجيش الإسرائيلي، ما سمـّاه “الخطوط العامة للمقاربة الإسرائيلية [إزاء الحوار الأميركي – الإيراني] في غضون الأشهر القليلة المقبلة”.
وبموجب ما قاله باراك فإن إسرائيل تأمل في أن يكون الحوار الأميركي – الإيراني قصيراً ومحدداً زمنياً، وليست لديها أوهام بأن يتمخض هذا الحوار عن أي نتائج إيجابية. وتتوقع إسرائيل، في حال فشل الحوار، أن تقود الولايات المتحدة حملة عالمية من أجل تصعيد العقوبات الاقتصادية ضد إيران حالاً وسريعاً، وذلك من خلال كسب تأييد روسيا والصين والهند.
كما أن إسرائيل تفضل أن ترهن الولايات المتحدة الحوار مع إيران بتعهد الأخيرة أن تجمد تخصيب الاورانيوم، في أثناء ذلك. وثمة خشية في إسرائيل من أن يستغل الإيرانيون الحوار نفسه من أجل تضليل العالم والاقتراب أكثر فأكثـر من إنتاج القنبلة النووية. وأضاف هرئيل أن أقصى ما في إمكان إسرائيل أن تفعله في الوقت الحالي هو أن تحاول التأثيـر على رؤية الأميركيين قبل أن يذهبوا إلى طاولة الحوار.
ثانيـاً – إن المسؤولين الإسرائيليين، الذين يفترضون أن احتمالات نجاح المحادثات التي تنوي الولايات المتحدة إجراءهـا مع إيران كبيرة، هم قلائل للغاية. ويبدو أن أحد الأشياء التي ستوصي إسرائيل بها، في حال فشل الجهود الديبلوماسية الأميركية، هو فرض حصار بحري على إيران. وقد سبق أن تحادث رئيس الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايته، إيهود أولمرت، في هذا الشأن مع الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش. لكن على الرغم من ذلك فإن اللجوء إلى فرض حصار بحري قد يؤدي إلى نشوب حرب، ومن السابق لأوانه التكهن الآن ما إذا كان الرئيس الأميركي الجديد، باراك أوبامـا، راغباً في أن يخوض غمار مجازفة من هذا القبيل.
ثالثـاً – لا تكف إسرائيل عن التلميح الى أنها لم تسقط الخيار العسكري لمواجهة الخطر الإيراني، وقد اعتبرت خطة العمل لدى الجيش الإسرائيلي لسنة 2009، والتي عرضت قبل فترة وجيزة، أن هذا الخطر يهدّد وجود إسرائيل [أشير في سياقها إلى أن “الخطر الإيراني” مؤلف من “أ- قدرة نووية في المستقبل القريب؛ ب – قدرة صاروخية عابرة للقارات باتت قائمة وملموسة؛ ج – محاربة إسرائيل من خلال أذرعها، وهي “حماس” و”حزب الله” وحركات إرهابية أخرى”. وفي ضوء ذلك سيتم التركيز على تعاظم قوة الجيش الإسرائيلي من خلال الاستمرار في الاستثمار في الذراع الإستراتيجية الجوية والطائرات المقاتلة وطائرات الاستطلاع بدون طيار. كذلك سيتم رصد موارد كبيرة للغاية في مجال الاستخبارات العسكرية وأجهزة التنصت المتطورة، فيما ستستمر الذراع البرية في إجراء مناورات عسكرية مكثفة وخصوصا في الوحدات النظامية].
وقد أكد على مصيرية هذا الخطر نتنياهو نفسه فور تكليفه تأليف الحكومة المقبلة. وخلال جلسة الحكومة الإسرائيلية، في 22 شباط 2009، أكدّ باراك أن إسرائيل “لن تسقط أي خيار عن جدول أعمالها”. وبحسب بضعة معلقين يبدو أن مصطلح “أي خيار” هو الاسم السري لعملية إسرائيلية عسكرية مانعة، فيما أشار آخرون إلى أن الجيش الإسرائيلي يواصل التدرب على عملية كهذه، في هذه الأثنـاء.
أمّـا السؤال بشأن قدرة “عملية عسكرية إسرائيلية” على أن تؤدي المهمة وتفي بالغرض فإنه يبقى مفتوحـًا، علماً بأن غاية هذه العملية، في حال شنها، لن تكون منحصرة في عرقلة المشروع النووي الإيراني لبضعة أعوام فقط، ويدعي جزء من الذين يؤيدونها أن من شأنها أن تؤدي إلى تقويض السلطة في إيران.

– عكا
( باحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – “مدار” )
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى