قضية فلسطين

رسالة الى صديق في غزة

مرحبا زياد،
جمانة حداد
أكتب اليك، لأهنّئكَ بالسلامة اثر الغارة الهمجية التي نجوتَ منها وعائلتكَ بأعجوبة، والتي أتت على البيت كلّه، وعلى شجرات الزيتون الحارسة نافذته المطلّة على بيتنا الشرقي.
كم من الصعب يا صديقي أن يحيا المرء نهباً للرعب الكياني، وأن يصير بلا بيت، أو أن يكون من الأساس مسروق الوطن. أعرف أنكم في فلسطين، تعيشون حكاية هذه المأساة منذ 1948، لكن أجمل ما فيكم أنكم تقهرون اليأس ولا تفقدون الأمل بالاستقلال والحرية، وأنكم تصنعون كل يوم معجزة الانتصار على الموت، بالحياة وبالموت معاً.
أنا أيضاً مررتُ بحالٍ شبيهة بمثل هذا الشعور، مذ كنتُ صغيرة، عندما اضطررنا، والدي ووالدتي، أخي وأنا، أن نغادر بيتنا الحدودي في جنوب لبنان بعدما هجّرتنا إسرائيل من سعادتنا الطفولية ومن أحلام الأرض والأمل.
لقد تألمتُ كثيراً عندما أخبرتني في رسالتك الأخيرة أن ابنتكَ الوحيدة ليلى تعاني من وطأة الكوابيس التي انتابتها طوال الليالي الفائتة، وخصوصاً بعد الغارة التي أتت على البيت. وأنها تفتقد القطة التي كانت صديقتها الوحيدة بعد تهجير الأطفال الآخرين.
أنا أشدّ على يدكَ وأدعوكَ الى التشبث بالأمل. فنحن لا نملك سوى الأمل في هذه البلاد الشرقية، وخصوصاً في فلسطين ولبنان والعراق. بل في المنطقة العربية كلها، التي تعيش تحت وطأتين متوائمتين، وطأة الكيان الصهيوني ووطأة الظلاميات المتمثلة في أنظمتنا الديكتاتورية وقيمنا السلفية البائدة.
أرجوكَ أن تنقل الى الأميرة ابنتك محبة ولديَّ الصبيين لها، منير وأنسي، وشعورهما بالتضامن الطفولي الأصيل معها، ومع أطفال فلسطين جميعاً. وكم يشعران بالفخر والعزاء لأنها تكابر على الجرح، ولا تسمح له بأن يلتهمها، وهما يسألان الله أن ينهي هذا الكابوس المتواصل.
على كل حال، هذه هي مأساتنا جميعاً، نحن المزروعين في هذه الأرض المتألمة، المنتظرين أن يشرق الفجر الذي يتيح للأطفال الصغار أن يلعبوا تحت الشمس بدون أن تسرقهم القذائف منا، أو تعبر فوق رؤوسهم وتشيّب شعورهم، أو تسرق من عيونهم النوم اللذيذ.
ولدايَ عانيا شيئاً من ذلك خلال فترات الحروب والكوارث المتلاحقة عندنا. هناك فرق كبير بالطبع بين ما يجري في فلسطين، وما جرى ولا يزال يجري في لبنان، إلاّ أن الطفولة هي الطفولة ولا تفرّق بين كثير وقليل.
أيها الصديق العزيز، رجائي أن تنقل الى الصديقة زوجتك ليال شعوري بالتضامن معها، ويهمّني أن ألفتكم جميعاً، زوجتك وابنتك وأنت خصوصاً أيها الكاتب، الى أن الأمل الخصب والصلب والشرس هو خلاصنا الوحيد من هذا الليل الطويل. الأدب أيضاً. أدب الحرية خصوصاً.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى