صفحات الناس

امرأة بسروال ونظام بلا..!

null
مأمون فندي
تصدرت صورة الصحافية السودانية لبنى حسين الصفحة الأولى لجريدة «الشرق الأوسط» الثلاثاء الماضي، بعد أن أدانتها محكمة في الخرطوم وفقا للمادة 152 من قانون العقوبات الذي يقضي بالجلد أربعين جلدة لأي شخص «يرتكب فعلا فاضحا أو فعلا يخدش الحياء العام، أو يرتدي ملابس غير محتشمة». وهكذا أدينت المرأة لارتدائها سروالا وصف على أنه زي «غير محتشم».
السروال عندنا في الصعيد لا يعني «البنطلون» وإنما يعني الملابس الداخلية للمرأة والرجل معا، وهذا المفهوم ليس في الصعيد وحده، وإنما موجود في كثير من الأقاليم العربية الداخلية في المغرب العربي ومنطقة الهلال الخصيب، فعندما يعلن نظام أنه يحاكم امرأة لأنها تلبس سروالا، فظني أن هذه الرسالة لن تكون مفهومة للجميع بالطريقة نفسها التي يعنيها هذا النظام.
الحقيقة هي أن السيدة لبنى امرأة لابسة ومحتشمة، أما النظام الذي يحاكمها، والذي انكشفت عورته بقبح في جرائم دارفور، فهو غير المحتشم وهو الذي يظهر على العالم كله بصورة فاضحة وبلا «سروال»، بالمعنى الصعيدي للكلمة. الجرائم التي روعت إقليم دارفور يتحمل النظام السوداني العبء الأكبر منها، ولن أتهمه هنا بالضلوع في جرائم منظمة، ولكنني لا أتردد في القول بأن النظام يتحمل المسؤولية عن أزمة دارفور كلها، فكيف لأزمة بدأت بخطف ذكور الماعز واعتداءات على الرعاة تستعصي على الحل لتتطور إلى أزمة عالمية تدول السودان؟ وباعتقادي، فإن تدخل حكومة الخرطوم في الشأن المحلي لدارفور وتهميش البنى التقليدية التي كانت تقوم بفض النزاعات المحلية، هو ما أفسد كل شيء وأخرج الأمور عن السيطرة، وحول ما كانت مشكلة محلية اعتيادية إلى قضية دولية تأخذ النظام برمته للمحكمة الدولية بعد أن أودت بحياة عشرات الآلاف من السودانيين.
سروال لبنى حسين هو الآن قضية صغيرة، لكن جهل النظام في الخرطوم قد يحولها إلى قضية ملتهبة تخص حقوق النساء في السودان، المسلمات منهن وغير المسلمات، المختونات وغير المختونات، ويدخل في دوامة حرية الملبس واللباس القبلي والمحلي للمناطق، وتشتعل حروب السروال لتأكل ما تبقى من السودان بعد أن أكلت حروب جديان الماعز دارفور وجرجرت الرئيس عمر البشير إلى المحاكم الدولية.
لبنى حسين اليوم هي رمز لنظام بلا سروال، ومهما حاولنا أن نخفي عورة النظام في الخرطوم، إلا أنه بات عاريا أمام العالم من جراء ما ارتكبه من جرائم في حق الشعب السوداني شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.
لبنى حسـين ليست هي التي تخدش الحياء العام، بل النظام الذي مزق بجهـله البلاد هو من يخدش الحياء. لبنى حسين بزيها الذي رأيناها به لا تنقصها الحشمة وإنما من أحاطوها بتهريج وصناعة مسرحية جانبية وجلبة عالمية من أجل سروال امرأة هم الذين تنقصهم الحشمة، وإن كانت رسالة النظام إلى لبنى حسين أن تحتشم، فإن رسـالة من يحبون السودان وأهله الطيبين هي موجهة لمن قاموا بهذه المسرحية التافهة وهي أن الاحتشام مطلوب منهم لا منها.
رسالة ملخصها، بعد مآسي دارفور والتناحر بين الجنوب والشمال والمجاعات التي تلتهم النـاس في بـلد غني مثل السـودان، إنه قد حان الوقـت لرجال النظـام ومؤسسـاته أن يحتشموا، أو باللهجة المحلية: «بلاش فضايح».
إن لف مشـكلات السـودان في سـروال امـرأة هـو الفضيحـة بعينها. ليسـت المصيبة أن تلـبس المرأة في السـودان سـروالا، المصيبـة أنها تعـيش في ظل نظـام بلا سروال.
الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى