في سبيل الصحافة
عباس بيضون
مهما اختلفت الآراء في ما يجري، فإن من الصعب الدفاع عن تعطيل جريدة المستقبل ومعها اللواء وتعطيل تلفزيون المستقبل وإحراق مبناه. الدخان المتصاعد من طوابق التلفزيون لا يعطي أحدا أي حجة، ويبقى شاهدا سلبيا على كل شيء. يصعب الدفاع عن ذلك مهنيا ولا سياسيا ولا انسانيا، انه إحراج مؤكد للحركة ومؤيديها وبقاء الحال على حاله يجعله أكثر من إحراج. بقاؤه على حاله يلقي أسئلة قلقة على المسألة برمتها، اذا كان هذا من عشوائيات الحرب وطيش السلاح، فإن الاستنكار لا يكفي وينبغي اولا رد المؤسسات الى عملها وأصحابها، أطراف من المعارضة استنكرت لكن الأمور لم تتغير ولم نرها فعلت شيئا في سبيل تغييرها، وننتظر منها ان تتدخل في هذا السبيل. اذا قيل ان الحرية من مقومات لبنان الاساسية السياسية والثقافية، فإن هذا القول لا يستقيم مع الدخان المتصاعد من مبنى المستقبل المحترق كما لا يستقيم مع بقاء مؤسسات المستقبل معطلة وبقاء شاشة المستقبل بيضاء. اذا قيل ان الديموقراطية ركن لبناني، فإن هذا الوضع لا يسمح بأي ديموقراطية. اذا كان هناك غالب ومغلوب، فإن الغلبة ينبغي ان لا تصل الى مس الأساسيات، لا ينبغي التذكير بأننا في بلد متعدد وديموقراطيته الهشة ليست سوى صورة تعدده، ومهما كانت الغلبة، فإنها لا تجازف بالتعدد، وغياب رأي من أي نوع، وإقصاء رأي من أي نوع مجازفة بكل تعدد. نقول ان الصحافة والميديا إجمالا من أعمدة الجمهورية، ووضع اليد على الصحافة وعلى الميديا من أي جهة كانت مساً بالجمهورية، على المنتصرين في 9 أيار ان يخشوا من ان يتحول وضع اليد على ميديا المستقبل في نظر كثيرين الى تفسير لحركتهم. عليهم ان يخشوا من ان يعتمد كثيرون على مسألة كهذه ليجعلوا منها معيارا وميزانا، هناك كثيرون حاضرون ليقولوا ان هذا يفسر غايات الحركة، هناك كثيرون حاضرون ليقولوا ان المسألة تتعدى التصحيح الى الفرض. حاضرون ليقولوا ان هذا هو السبيل الى الرأي الواحد، ان التصحيح ليس تصحيح موقف أو سلوك بقدر ما هو تصحيح نظام وتصحيح صيغة. من يهمه ان لا يعم رأي كهذا وان لا يصدقه الناس، فعليه ان يسلم لأصحاب مباني المستقبل مفاتيح مبانيهم وعدّتها، وأن يحمي حرية عملهم، هل هذا كثير بعد كل ما جرى، أم ان علينا ان نصدق ان الأمور لا تزال في حدّها وان التجاذب مهما احتد ومهما مطّ فإنه يبقى في حدود اللعبة، هل علينا أن نصدق أن هذه ايضا فلتة لكن المسار يظل نفسه. نقلق لكن يقلقنا أكثر ان حدث تعطيل الصحف لا يمكن فهمه، فقط في حدود اللحظة والسجال الحالي، ونخشى دائما من ان يحمل نوايا مستقبلية. لا نظن ان هذا التعطيل يمكن ان يدخل في العصيان المدني. للصحف والمحطات آراؤها واتجاهاتها بالطبع، لكن المهنة تقضي باحترام الواقع، واحترام الواقع يقضي مجددا باحترام الصحافة وتركها لحالها، استنكر «التيار الوطني الحر» وهو ركن في المعارضة، وننتظر منه أن يعطي مصداقية لكلمته، وان يتدخل لإعادة القاطرة الى سكتها في هذا المجال. إعادة «المستقبل» الى عمله خدمة لحركة المعارضة، اذ يقطع بالتأكيد سلسلة من المخاوف والشكوك. مهما اختلفت الآراء فإن الدفاع عن عودة المستقبل يبقى تكليفا إلزاميا لكل صاحب رأي ولكل صحافي. آن الأوان للدفاع بخاصة عن حق الخصم في الكلام كما تقول الحكمة الفولتيرية. سيكون هذا واجب الصحافة والميديا بوجه خاص، وربما نحلم في ان تشارك فيه بالدرجة الاولى صحافة المعارضة وميدياها.