هل المرأة من مفسدات الصيام
ميس نايف الكريدي
سأعتذر من كل الصائمين، والمفطرين، في بداية حديثي هذا، ولكن الأمر أصبح واجب المكاشفة في ظل الصمت المقموع. ولأني امرأة فيبدو أن علي أن أكسر كثيرا من الحواجز قبل أن أوجه كلماتي على الملأ، لرجال الدين أولا والمسلمين حصرياً، لينصفوني، أو يحددوا جريمتي، وأقبل رأيهم على كل حال، لأني لا أؤمن بقتل من يختلف معي في الرأي، وأحترمه حين يكون رأياً، لا صفعة تنهال على وجهي، فقط لأني سافرة..
أما بعد :
أنا مسلمة في هويتي العربية السورية، وكنت أحصل على درجات متقدمة في مادة التربية الإسلامية عندما كنت طالبة،أخذتني فيما بعد أحلام الإنسانية،لأنحاز لها ردا على كل الانتماءات الصغيرة وأختار البلد معيارا مطلقا لهويتي العربية السورية، وأما علاقتي مع الله فقد اعتبرتها شأنا فرديا خاصا لأنه وحده المخول بالثواب والعقاب، وأستعير كلمات شكري القوتلي، ولو أنها أتت في سياق آخر عندما قال)):الجنة في السماء لا تطلبوا مني جنة على الأرض))، وعذرا إن كنت أخللت بحرفية الكلام لكني التزمت المعنى .
أمشي اليوم في شوارع دمشق المتلونة، والتي تدعي العلمانية، وتمنحني حق اختيار لحظة التوبة، إذا كان ارتداء الحجاب شرطا للإيمان، أعترف أني لا أؤمن بالطائفية، لكني أحترم جميع الملل، وأحترم شوارعنا الصائمة، ولم أعلك علكة في الشارع لأستفز بها مؤمنا لوعه الحر في صيامه الطويل، لكني لم أعرف لماذا استغفر الأخ عندما رآني ألبس بنطلون الجينز وقميصي النصف كم،وطبعا لم أتوقف لمعاتبته أو التعليق لأن له الحق كل الحق أن يطلب الغفران في أي وقت حتى لو كان أوحى لي بأني عمل شيطاني استوجب استنجاده بحبل الله لحظة مروري، تابعت طريقي إلى المؤسسة العامة العسكرية، لأشتري منها بعض المونة، استجابة لكلام الدولة التي قالت أنها أمنت لنا رمضانا رحيما في مؤسساتها العامة الاستهلاكية، وبينما كنت أتجول مع زوجي، ابتعدت عنه لأنتقي من البراد بعض الألبان، فما كان من شخصين يتمشيان بين الناس إلا أن تحدثا بصوت مسموع، لا أدري عني أم عن الموظفة التي تشاركني فعل السفور، وطبعا أنا أستخدم الكلمة للدلالة على الحجاب، من بين كلماتهما وصلت أذني عبارة ((شوف ها المنظر، والله فسد صيامي))، نظرت إلى نفسي في بلور البراد، لأتأكد من هندامي إن كان محتشما ام لا في لحظة غضب عارمة، وبحثت عن زر منسي بلا تزرير فلم أجد أو عن ثقب في البنطال فلم أجد، فما كان مني إلا أن ناديت زوجي بصوت عال، وقلت له دعنا نخرج حتى لا يحمل الآخرين ذنوبنا، ولحسن الحظ أو لسوئه كان الرجلان من الأخوة العراقيين فانسحبا دون جدال طويل، والواقع أني لمت نفسي على تملك الاستفزاز مني، لأني عرفت عواقب الموقف لو كانا من السوريين، وتخيلت كم الجدال الذي سيربكني لو أنه حدث .
أنا الآن أطالب رجال الدين بشرح وتوضيح يحمي كرامتنا من بعض السفهاء في الشارع، حين يفترضوننا جزءا من الشيطان أو من مفسدات الصيام، لأني حقيقة اعتبرتها إهانة علنية خاصة عندما تكون في بلد متوازن افتراضا مثل سورية، وأسألهم هل الحل أن يصبح الشارع النسائي السوري كاملا موحدا في لباس معين، وإن كان فهل يمكن أن يعمموا أوصافه علينا على الملأ، وهل ستأتي على دمشق لحظة يتمشى فيها المطوع والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لينقرنا بالعصا عندما نتخلف عن فروضنا الإلهية، ومن هو صاحب القرار الحقيقي في حقيقة صلاحنا من عدمه، ولماذا نحترم الآخر بكل الطاقة المتاحة للبشر، بينما يرانا هو جزءا من الشيطان الذي يعيث في عقله وحده خرابا، أليست المنابر الدينية محرك الوطنية والشحن القومي، واللحمة في البلاد، أناشد كل من يمتلكها بكلماته الراجحة الفاعلة بتولي مهمة تثقيف مستمعيها بثقافة احترام شريكك في الوطن، وإيقاف الحقن، لأن هذا الموقف، وإن كان من جاهل، لكنه سيعزز تقوقع الآخر على طائفته عندما يشك ولو 1% بعدم تقبل الآخر له .
نحن نسعى لخلق المجتمع الواثق في نفسه، المتمدن، نحارب الطائفية بشعارتنا الرنانة،ثم ننحاز إليها عندما تفجعنا الشوارع بمظاهرها، سوريا بلد الحضارة والتنوع، بلد الأمن والتعايش المنتج، لا تشككونا بقدرة الشوارع على ضمنا جميعا، وحتى لو كانت هذه الظاهرة بسيطة، وربما تكون فردية، لكنها مع الأسف تنذر بمخزون في النفوس يجب التوقف عنده طويلا، وتشكل رد فعل قد يكون أعنف من الفعل نفسه، خاصة وقد ضاعت الكلمة بين الانتماءات، لذلك نطالب بحمايتها وحمايتنا لأننا صراحة صرنا نخاف من مد الجهل الذي يتآمر على فاعليتها، وبعد الاقتراح الأخير لقانون الأحوال الشخصية وما رافقه من سجالات وقفنا طويلا مع ذواتنا التي بتنا نشك في قدرتها على المجابهة والاستمرار، وصمودها امام مخزون الرجعية التي انبثق بصورة علنيه بكل شراسة، ليعلن تراجعنا لحظة كنا نظن اننا تقدمنا.
الثرى