صفحات الناس

ردا على مقالة الكاتبة رهادة عبدوش: اختراع قانون جديد للأحوال الشخصية!

null
عارف حمزة
شدّتني مقالة الكاتبة رهادة عبدوش المنشورة في موقع الأوان يوم الجمعة 11/9/2009 تحت عنوان: “قانون الأحوال الشخصية السوري: من حقوق الزوج ضرب المرأة للتأديب ومن حقوق المرأة الطاعة لزوجها”. وذلك بسبب أنني أعمل محامياً منذ أكثر من عشر سنوات، ولي مساهمات متواضعة في الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان بشكل عامّ، ومنها تمكين المرأة في الحصول على كامل حقوقها وفضح الانتهاكات التي تتعرّض لها، أو قد تتعرّض لها، بسبب تصرّف أو قرار أو قانون ما. والسبب الآخر هو ما أصابني من ذهول كبير بسبب ما جاء في هذه المقالة من أخطاء كبيرة. لذلك أرجو أن يتّسع صدر كاتبة المقال وصدر القرّاء لما سيأتي في هذا الردّ.
موادّ قانون غريب وعجيب:
وأنا أقرأ الموادّ التي أوردتها الكاتبة رهادة أصبت بالعجب. فطوال ممارستي للمهنة لم أسمع بهذه المواد القانونية. وهذا ما جعلني أعود لمكتبتي القانونية وأستخرج قانون الأحوال الشخصية السوري الذي صدر، كما تقول الكاتبة، بالمرسوم التشريعي رقم /59/ بتاريخ 7/9/1953 والذي يحتوي على /308/ مادّة قانونية. تتوزع على عدة كتب (أبواب) وهي: الزواج– انحلال الزواج– الولادة ونتائجها– الأهلية والنيابة الشرعية– الوصية– المواريث. وبالفعل لم أجد أياً من تلك المواد التي أوردتها. فمقالة الكاتبة أتت كنقاشٍ لمواد معينة تعسّفت كثيراً بحقّ المرأة، والرجل أيضاً، وهي تشكّل جريمة بالفعل بحقّها. فمثلاً تورد الكاتبة المادّة 209 من قانون الأحوال الشخصية السوري، على أنه معمول به حالياً، “يباح للزوج تأديب المرأة تأديباً خفيفاً على كلّ معصية لم يرد في شانها حدّ مقدر”، وتتمّة المادة نفسها التي جاء فيها، وفق تخيّلات الكاتبة رهادة: “لا يجوز له أصلاً أن يضربها ضرباً فاحشاً ولو بحقّ “. بينما المادة /209/ من قانون الأحوال تنصّ على أنه: “تشترط في صحّة الوصية ألا تكون بما نُـهي عنه شرعاً”!!. كما تورد المادة فتقول المادة /207/من القانون نفسه “وهي تتحدّث عن حقوق الزوج:”للزوج بعد إيفاء المرأة معدّل صداقها أن يمنعها من الخروج من بيته بلا إذن في غير الأحوال التي يباح لها الخروج فيها كزيارة والديها في كلّ أسبوع مرّة، وله منعها من زيارة الأجنبيات وعيادتهنّ، ومن الخروج إلى الولائم ولو كانت عند المحارم، وله إخراجها من منزل أبويها إن كانت صالحة للرجال وأوفاها معجل صداقها، وإسكانها بين جيران صالحين حيث سكن من البلدة التي تزوّجها بها ولو اشترطا عليه أن لا يخرجها من منزلهما، وله أن يمنع أهلها من القرار والمقام عندها في بيته سواء كان ملكا له أو أجرة أو عارية”. ثم تناقش مناقشة غريبة وعجيبة عن المرأة الصالحة للرجال (ولمعلوماتها فهي المرأة الصالحة للزواج) والأجنبيات (ولمعلوماتها أيضاً فهنّ اللاتي غير قريبات المرأة حتى درجة معيّنة من القرابة)، وتناضل وتستبسل في فضح الانتهاكات الواردة في تلك المادّة. وعند العودة للمادة المذكورة في قانون الأحوال الشخصية النافذ نجد أنها تنص على “الوصية تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت”. ثم تنهي مقالها الفذّ بمناقشة للمادة /212/ على النحو التالي: “أمّا حقّ المرأة الزوجة، فهو بداية ما تنصّ عليه المادّة 212 والتي تقول:” من الحقوق على المرأة لزوجها أن تكون مطيعة له فيما يأمرها به من حقوق الزوجية ويكون مباحا شرعا”. رغم أنّ نصّ تلك المادة هو:” يشترط في الموصى له : 1 – أن يكون معلوماً. 2 – أن يكون موجوداً عند الوصية وحين موت الوصي إن كان معيناً”.
قلت لنفسي: عن أيّ قانون تتحدث الكاتبة؟ هل هو قانون الأحوال الشخصية المعمول به حالياً؟ أم المشروع المطروح من أجل التعديل؟ فعدت للمشروع المطروح للتعديل وتبيّن لي أيضاً أنّ كلّ تلك الموادّ غير موجودة فيه!!.
– المصيبة!:
الجواب على كلّ تلك التساؤلات يكمن في شيء بسيط هو أنّ كاتبة المقال تتحدّث عن قانون “حقوق العائلة” أو كتاب قدري باشا الذي عملت به الحكومة العثمانية!!. وقد جاء المرسوم /59/ المعمول به حالياً لاغياً المصائب التي كانت موجودة داخل ذلك الفرمان العثماني المقيت.
وليس دفاعاً عن قانون الأحوال الشخصية الحالي، المطروح للتعديل، ولكن من أجل زيادة معلومات الكاتبة رهادة والسادة القراء الذين قرؤوا مادتها، فقد جاء في مقدمته مصادر القانون المختلفة الموافقة للزمن ومنها العدول عن المذهب الحنفي كمصدر وحيد بإضافة المذاهب الأخرى الثلاث. وكذلك “وقد تلافى المشروع عدداً من القضايا التي كثرت الشكاوى منها فعدل فيها عن الحكم الذي اشتمل عليه قانون حقوق العائلة أو كتاب قدري باشا”. ولمعلوماتها أيضاً فإنّ القانون الحالي /59/عدّل أيام وزير العدل السوري الكاتب “محمد أديب النحوي” بالمرسوم رقم /34/ الصادر بتاريخ 31/12/1975 وقد جاء في أسبابه الموجبة “.. وانطلاقاً من أنه من واجبات الدولة بنص الدستور أيضاً أن تكفل رفع القيود التي تمنع تطور المرأة فضلاً عن مساهمتها في تطور حياة المواطنين، فإن قانون الأحوال الشخصية الحالي الصادر بالمرسوم 59/1953 المنظم لقضايا الأسرة يغدو واجب التعديل بما يتفق وما وصل إليه ركب الحضارة بشكل يؤمن العلاقة العائلية بأحسن صورها وأرفعها”.
– النتيجة:
يتبين من كل ما سبق أن المقالة السابقة الذكر قامت على أساس خاطئ بمناقشة مواد قانونية لم يعد لها وجود منذ أوائل الخمسينات. وبالتالي فقد خلطت بين قانون ملغى وقانون قابل للتعديل. ونسبت موادّ قانونية لقانون الأحوال الشخصية السوري الحالي، كانت على أيام العثمانيين، دون أن تتعب نفسها، على الأقل، بالرجوع لهذا القانون وموادّه كي تكون مادّتها تحمل القليل من الجدّة وشروط الكتابة والبحث .
وإذا كانت الكاتبة قد كتبت مقالتها على أساس القانون الملغى لشحذ همم المشرّعين لعدم العودة له ولمواده، فهذه مشكلة أكبر تناقض التراكم المعرفي والقانوني والزمني والمصلحي (من المصلحة).. خاصة أنّ الكاتبة صدّرت المقال بأنّه عن قانون الأحوال الشخصية السوري، وبعد مناقشة تلك المواد ختمت مقالتها بالقول: “فولاية الزوج على زوجته تأديبية، وهذه تفتح المجال أمام الكثير من التساؤلات والأفعال، المباح منها وغير المباح شرعاً، والأمر والنهي والتأديب امتدّ لستة وخمسين عاماً، ولا يزال مستمرّا ” . فهذه الـ/56/ عاماً بالتأكيد ليست عن أيام الحكم العثماني، بل من وقت صدور القانون الحالي ، بتاريخ 1953، إلى حدّ الآن.
وحقيقة لا أدري إن كانت هناك مقالات سابقة للكاتبة تتحدث فيها، كما حدث في هذه المقالة، عن قانون الأحوال الشخصية السوري الحالي ولكن بمناقشة لمواد لم يعد لها وجود أصلاً. وهنا لا بدّ للكاتبة أن تضع نفسها مكان القارئ، أي قارئ، وترى بنفسها الغبن والفداحة اللذين لحقا به.
موقع الآوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى