حول مسألة الزيدي وحذائه: اعتلال الروح العربية
ياسين الحاج صالح
كشف حذاء منتظر الزيدي*، المقذوف إلى رأس الرئيس الأميركي جورج بوش، عن مشكلة خطيرة في رأسنا، نحن العرب المعاصرين.
تتناول هذه المقالة تفاعلات كتاب عرب مع الحادثة طوال نحو أسبوعين بين وقوعها في 14/12/2008 وبين بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في 28/12/2008. طوال أسبوعين كتبت مئات وربما ألوف المقالات، وعلق عشرات ألوف متابعي المواقع الإلكترونية على الحدث مؤيدين أو منددين، وصدرت بيانات مساندة وخرجت مظاهرات متضامنة.وطوال أسبوعين كان الزيدي هو البطل، والحذاء هو الرمز، وبوش هو “الهزأة” أو البطل السلبي. ويكاد كل من اهتم بالحدث يكون مع الزيدي أو هو ضد التفاعلات الإيجابية معه، فلا مكان لموقف مختلف. لم يكن أحد مع الزيدي وضد التفاعلات الإيجابية مع حادثته، ولم يجمع أحد بين الاعتراض على التفاعلات هذه وبين مساندة بادرته. ولم يكد يقل أحد صراحة إنه مع بوش. مع ذلك، فإن التمرد على هذه الثنائية الاستقطابية ورفض الالتزام بها هو ما تتعهد هذه المقالة القيام به.
[ دراما حدث نادر
ما الذي أثار كل هذا الاهتمام الواسع؟ فالحدث فردي (فكرة اعتملت في مخيلة صحافي شاب شبه مجهول، ربما التقت فيها وطنيته العراقية وعقيدته الشيوعية، ورغبة لا يمكن استبعادها بالشهرة..)، ونادر (لا يقع مثله إلا لماما)، وغير مثمر سياسيا. غير أن بنية الحدث تقول ما لا يقوله ظاهره. فهي بنية درامية، ذات شحنة رمزية عالية جدا: حذاء (شيء بخس ومهين) وشخص غير معروف (س من الناس، أيُّ واحد منا) وشخص هو الأشهر والأقوى في العالم (رمز القوة والجبروت)، وفعل قصف شديد، ضمن مسرح مفتوح على العالم. وفي مشهد قذف س المغمور للحذاء على الرجل العلَم من الخطورة والعنف ما ينتزع الاهتمام؛ وفي الصفة الرمزية للعنف (بمعنى غير المؤذية جسديا) ما يثبّت الاهتمام ويغذيه بعنصر من التسلية والفكاهة. حتى ليمكن القول إن قذف بوش بالحذاء خبر، فيما كان من شأن حتى محاولة اغتياله أن لا تكون خبرا بالدرجة نفسها من “الخبرية” في العراق اليوم. خبر لأنه يكسر منوالا فاجعا، لكن شبه مستقر من العنف في البلد المحتل، بحيث بالكاد تبلغ مجزرة تقضي على العشرات عتبة الاهتمام المتزايدة الارتفاع بالعنف في العراق. أما حادثة الحذاء فترتفع فوق العتبة بسهولة لفرادتها وندرتها، ولعنفها الأقصى، لكن الحميد. إنها حدث غير تقليدي، يشبه “أن يعض رجل كلبا”، بينما أمست وقائع العنف في العراق أشبه بأن “يعض كلب رجلا”، لا ـ حدث، لا خبر.
قذف بوش بالحذاء “أعنف” من عملية للقاعدة أو غيرها، ربما تودي بحياة عشرات العراقيين العاديين أو حتى الجنود، يمنعنا من رؤية ذلك أننا نربط العنف بالدم والموت والدمار. يتفصد العنف من بنية المشهد بالذات: فلان النكرة يرمي العَلَم رقم 1 في العالم بحذائه، فكأن عاميا يخرأ على الملك علانية. ودراما المشهد صراعية وخطرة ومحتدمة، تجمع بين الشجاعة الكبيرة وبين الإهانة القاسية والسخرية اللاذعة، فتثير حتما تماهيات واعية أو غير واعية، إيجابية أو سلبية، ما يورط المشاهد أو المتابع في المشهد، ويدفعه إلى التمثل بأحد “البطلين”. وإنما بفعل احتدام المشهد وخطورته الكبيرة وتوتره الحاد، فجر مشاعر سلبية وإيجابية، وانجذابات وتنافرات، وشماتة وأسف، وافتخار وخزي، قلما ينكشف ما يعادلها حتى حيال أحداث أكثر جسامة بكثير، تفتقر إلى الكثافة الرمزية. ثم إن نقل المشهد إلى كل مكان في العالم جعل منه مشهدا عالميا بامتياز. وهذه صفة قلما تحظى بها مشاهد جليلة وخطيرة، بما فيها الحروب والمجاعات وتنصيب الملوك ومن في حكمهم.
لقد وسع التقاء بنية الحدث مع مشهديته العالمية من مساحة اهتمام الجمهور العربي به إلى درجة قد تكون غير مسبوقة، ولقد جعل خلوه من الدمار والدم تعبيراتهم عنه أقل عرضة للرقابة الذاتية والغيرية (خلافا للكبت السريع الذي لحق بتفاعلهم مع حدث 11 أيلول 2001 مثلا). ولذلك تشكل تفاعلاتنا مع المشهد وما تنطوي عليه من نزاعات ونوازع، موقعا ممتازا لتشخيص أحوالنا النفسية والفكرية. وهذا في تقديري هو منبع أهميته الأبرز. إنه حدث خصب رمزيا رغم عقمه العملي.
[ “سنَة وسنة مضادة”..
برزت فورا صيغتا تفاعل مع المشهد. واحدة تحتفي به وتحتفل ببطله، وأخرى تنكره وتنعي عقل وسياسة المحتفين به. تشترك الصيغتان في إخراج الحدث من حدثيته، عن فرديته وندرته، وتجعلان منه قاعدة عامة أو سنة مستقرة. ولم تتأخر السنة في أن تحيل إلى سلوك كائن غير محدد اسمه “العرب”. في الحدث ذاته، أو بالأصح في بنيته الرمزية، ما يدفع إلى نزع حدثيته وجعله سنة. ولما كانت كل سنة تبحث عن جماعة تنتظمها، وكل جماعة تبحث عن سنة تنضبط بها، فقد تمايزت فوراً سنتان وجماعتان، أو أهلا سنة وجماعة، سنسميهما الشعبوييين المنفعلين والنخبويين المتعاقلين.
ولقد علقت قراءتا الجماعتين معاً في أسر بنية الحدث الجاذبة. في عين الأولين، الشعبويين، لا يكاد يكون للزيدي شخصية خاصة به، إنه مثال جمعي على بطولة وعلى كرامة عربية. ومثلهم، يعدم التعاقليون، منسوبين إلى العقلانية من موقع الاستهلاك والتماهي لا من موقع الإنتاج والنقد، شخصية الزيدي ليجعلونه مثالا عاما على خيبة عربية، وينصبون الاحتفاء به علامة سلبية عربية متأصلة. لكن في الصيغة التعاقلية فارق مهم عن الصيغة الشعبوية: إن موقفها مركّب، يمر دوما عبر نقد الصيغة الشعبوية، بينما الحدث لا يكاد يكون غير تكئة عارضة للتعبير عن الموقف المتشكل والناجز قبلاً، فيما المواقف الشعبوية بسيطة كما هو منتظر منها، لا تمر غالبا عبر نقد الصيغة التعاقلية. بعبارة أخرى، تصفي التعاقلية الحدث مرتين: مرة بأن تجعله علامة عامة على “العرب”، ومرة بأن لا تراه إلا عبر التمثيل الشعبوي له. لكن ينبغي القول إن من التعاقليين من كانوا عنيفين جدا ضد الحدث بحد ذاته، قبل وبعد قراءته الشعبوية.
تشترك الصيغتان أيضا في حدة نبراتهما وصفتهما الاستقطابية التي لا تكاد تترك حيزا لموقف مختلف.
وهما معا، وليس الشعبوية وحدها على نحو ما قد يفضل أن يعتقد نخبويون يمنحون أنفسهم بصورة غير شرعية احتكار وسائل التفكير العقلاني، وجهان لتلك المشكلة في رأسنا، ما نسميه اعتلال الروح العربية. أو المرض العربي.
هما في المحصلة سنة وسنة مضادة، على نحو ما وصف عبدالله العروي “السنة” و”الشيعة” في كتابه “السنة والإصلاح”.
[ ..الشعبوية
نتكلم على تفاعل شعبوي لأنه يبدو أننا بالفعل حيال موقف واسع الانتشار، العناصر الانفعالية والعاطفية فيه جلية لا تخفي نفسها، والمنحازون إليه هم من يجنحون عموما إلى مواقف ولغة شعبوية ويفضلون منابر شعبوية، وإن توزعوا إيديولوجيا إلى قوميين عرب وإسلاميين وشيوعيين. وتصدر مختلف تنويعات هذا الموقف عن شعور مستحكم بالنقص وانعدام الثقة بالنفس، إلى درجة النفخ في حدث عابر ونادر، واعتباره “مفصلا تاريخيا”، وتمجيد الحذاء وقاذفه، واعتبار أن “صلية الحذاء” تلك “تمسح سنوات عجافا” على ما كتب محمد صادق الحسيني (“الجريدة”، 22/12/2008). التماس الكرامة من قذف الحذاء، “سباط يرفع الرأس” وفقا للافتة رفعها شيوعيون لبنانيون تضامناً مع “الرفيق” الزيدي (السفير 19/12/2008)، أدلُّ على شعور بالانسحاق والبؤس وفقدان احترام الذات منه بالثقة بالنفس والتفكير والنشاط السوي. وبينما ليس هناك خطأ في القول إن التعليقات والكتابات العربية الممجدة لما قام به الصحافي العراقي تصدر عن شعور متأصل بالإهانة، سببته السياسات الأميركية طوال عقود، وفاقمته في سنوات إدارة بوش، إلا أن المبالغات المهولة في الاحتفال بالحدث، واعتباره استعادة للكرامة وسببا للفخر، تنطوى على قدر كبير من الخراقة والهوان والتشوش وسوء فهم العالم، بل سوء الوجود فيه، إلى درجة ربما تكون مصدرا لبعض أسوأ ما ينكب العرب فوق ما قد ينكبهم به أعداء وخصوم. بل إن عمق الشعور بالذل أعمى معلقين وكتابا عن أنهم يهينون أنفسهم وقومهم حين يتكلمون على “أشرف الأحذية” (عنوان قصيدة نشرت في موقع القوميين العرب في 18/12/2008، دون اسم مؤلف)، وعلى الحذاء الذي “يرفع الرأس”، أو يبدلون الشعار الناصري “ارفع رأسك يا أخي”، بشعار “ارفع حذاءك يا أخي”. إن الجمع بين الحذاء والكرامة والعرب، وقد كانت الكلمات الثلاث هي الدوال المفاتيح في نصوص المحتفين وتعليقاتهم، إهانة بليغة للعرب، صدرت بكل غفلة أو بكل تشوش ممن يوقعون بحماسة على عبارة من نوع: “فخورون بعروبتنا”. وإنما نتكلم على مرض روحي عميق لهذا السبب. فالقوم جادون في الافتخار، صادقون في شعورهم بالإهانة من الأميركيين وبالابتهاج لما جرى لكبيرهم، لكنهم ينزلقون بصورة نسقية نحو إعطاء صورة بائسة، تعيسة، مسكينة عن العرب. وهو ما يدل على عمق الهوة الفكرية والوجدانية التي تفصلنا عن حركية العالم وعملياته المادية والسياسية وآفاقه الثقاقية والروحية، وعلى تخبطنا في مأزق نفسي وأخلاقي وسياسي وفكري عميق، يقودنا مرة تلو الأخرى إلى إيذاء أنفسنا وتشويه صورتنا، بينما نظن كل الظن أننا نعمل لخيرنا ولرفع شأننا.
وقد تكون السمة الأبرز لشعبويتنا (ولكل شعبوية) هي انعدام شعورها بالمسؤولية. لقد أظهرت أنانيتها البلهاء والمطلقة في كل مناسبة متاحة: في 11 أيلول 2001 وفي آب 1990..، وإن تكن والحق يقال أقل ضررا هذه المرة . إنها ضرب من استمناء سياسي وفكري يستغني بمداعبة الذات عن التفاعل مع العالم والنقاش معه، بما في ذلك مواجهته بالقوة عند الاستطاعة. لكن شعبويتنا المعاصرة قد تنفرد عن غيرها بطابعها الماضوي الذي يجعلها أكثر ضلالا وعجزا بعد. ثمة تنويعات شعبوية حداثية عربية، انتهازية وعديمة المسؤولية بدورها، وغير مستعدة للاعتراض لا على الماضوية ولا على الاستمناء.
وإنما لذلك بالضبط، أعني تعارض الشعبوية والمسؤولية، تكون الشعبوية كارثية إن حكمت، أو إن هيمنت في مجال الثقافة. معمر القذافي مثال كاريكاتيري لشعبوية حاكمة.
[ .. والنخبوية التعاقلية
غير أن هذا الوجه الشعبوي الصاخب للمرض الروحي العربي هذا معروف، بل مشهور. ثمة وجه آخر لا يقل تعاسة برز بقوة في التعليقات على الواقعة الزيدية. يتعلق الأمر هنا بلوم عنيف للعرب على خيبتهم وافتقارهم إلى “مشروع”، وعجزهم عن تغيير أحوالهم مع إمعانهم في رفض مشاريع الآخرين (جهاد الزين، “النهار”، 17 و18/12)، ما يدفعهم إلى ترجّي العزة من تصرف انفعالي عارض. قيل مثل ذلك مراراً وتكراراً، بنبرات متعاقلة أو أشد تعاقلاً. كتبه صحافيون وكتاب ومعلقون أرفع تعليماً وثقافة على العموم ممن تماهوا مع الزيدي. استطاع الصحافي اللبناني المشار إليه أن يتكلم على “أمة في حذاء وحذاء في أمة” (“النهار”، 18/12/2008)، ناعياً على العرب فقدانهم المشروع الخاص وسقم ثقافتهم السياسية. وأمكن لآخرين قول أشياء مماثلة تشترك في نعيها أحوال العرب وقلة عقلهم، مستخدمة تعابير لا تقل فظاظة عن تعابير الصحافي اللبناني المعروف. ومن هم أدنى موهبة وأكثر توتراً تكلموا على “ثقافة الحذاء”، دون أن يشعر أحد منهم بالحاجة إلى تسويغ هذا “المفهوم” العميق، الذي شاع بسرعة إلى حد يجعل التوثق من صاحب الفضل في ابتكاره مستحيلاً.
وبينما يصدر التفاعل الاحتفالي الشعبوي عن شعور غائر بالنقص والهوان كما أسلفنا، فإن التفاعل الناعي يصدر عن شعور ثابت بالتعالي والانفصال عن العامة، قد يضمر بدوره شعوراً بالنقص حيال “العالم المتمدن” (كامران قره داغي، الحياة، 28/12/2008) فخلافاً لـ”المتمدنين” فإننا نحن، “ناس المنطقة”، نفكر من أحذيتنا لا من رؤوسنا، حسب “المثقف” قره داغي، الذي لم يوضح بأي عضوي التفكير أنتج هذه الفكرة، ما دام هو ذاته من “ناس المنطقة”! ).
لا يخطئ التعاقليون في رصد سطحية الموقف الاحتفالي وبؤسه، ومن غير المعقول إنهم عاجزون عن تبين منطقه وآلياته، لكنهم يثابرون مع ذلك على ثلب هؤلاء الغافلين بالطريقة نفسها والعبارات نفسها والنبرة نفسها تقريبا، دون فائض فكري مضاف من أي نوع، ما آل إلى أن يعادل في مفعوله اعتبار النقص والقصور جوهريين في مثلوبيهم، الى تثبيت انفصال كامل لهم عنهم. لعله يتعين تقصي أصول هذه الممارسة الثالبة للعرب على أيدي كتاب عرب (ساهم في النقاش أكراد يكتبون بالعربية، مواقفهم توحدت تقريبا في التعاقلية)، والأرجح أن لها عمرا معاصرا يعود إلى كارثة 1967، ولعلها بصورة ما خاصية ثقافية عربية ما دمنا نجد أصولا قديمة لها عند ابن خلدون وحتى عند المتنبي وبصورة ما في القرآن ذاته (ليته يكتب تاريخها ذات يوم)، لكنها أخذت منذ عشرين أو ثلاثين عاما شكلا طقسيا جامدا لا يكاد يتبدل، لا يضيف معرفة ولا يضيء مشكلة: تقع واقعة ما، فيسارع معلقون إلى نقد شكل التفاعل العربي العام معها، ولا يخفقون في استخلاص ما يدل عليه التفاعل هذه من عقلانية متدهورة ومن عقم وسلبية. وغالبا ما تعرض هذه التحليلات البائتة نبرة تهنئة للذات على التحرر من هذا “التخلف” و”اللاعقلانية” وأخواتهما.
وأسوأ ما في هذه الممارسة أن تكراريتها ونخبويتها المترفعة المتقززة ورسوخها المطرد هي الأخرى في الرفض والسلبية (ما هو “مشروعها” بالمناسبة؟) تجعل منها ممارسة مضادة للثقافة بقدر ما هي كذلك الممارسة الشعبوية الاحتفالية. لقد أضحت، هي الأخرى، ممارسة آلية لإصدار الأحكام لا فكر فيها، أقرب إلى طقس لشدة جمودها ولفقدانها أية روح نقدية متجددة. ولعل في أصل ثباتها الطقسي وصفتها التكرارية الصميمة منابع انفعالية (طبقية أو إثنية أو دينية.. غير موعاة)، يتفجر منها سخط فوار لا يهدأ، ينعكس في النبرات التقريعية الهاجية، وفي ما يشبه التلذذ بتجريح ذلك الكائن الهلامي الغامض الذي اسمه “العرب”. هنا يكون الطقس الرتيب فعل تطهر ونجاة من العدوى. فعبر التأكيد المتكرر على قلة عقل “العرب”، أي على موافقة حالهم التعيس لعقلهم الصغير (ولا يكاد يفيض مضمون معظم التعليقات التعاقلية على هذه الخلاصة)، ينزع التعاقلي غرابة كل ما يستجد، ويرتد هذا إلى مناسبة جديدة لتأكيد ما هو قديم، مما سبق أن قاله ألف مرة، فضلا عن أنه يؤكد وفرة عقله هو أو تطهره من عدوى قلة العقل. هذه هي ذاتها آلية صنع “السنة” كما جرّدها العروي في كتابه المشار إليه أعلاه.
هل التعاقلي مضطر لذلك؟ الصفة الطقسية توحي أن الأمر يتعلق بتشكيل مرضي، أشبه بإجبار التكرار الذي قرنه فرويد بالعصاب الوسواسي، وجعل منه أحد منابع الدين والطقوس. لكن هل يجب عليه ذلك؟ هل لهذا السلوك أية قيمة ثقافية ونقدية؟ أبداً في رأيي، ولا أرى كيف يكون “تقدميا”، بل لعله ينبغي القول إنه رجعي بعمق، ليس فقط لكونه لا يكف عن تغذية شعور بالنقص عند من لا يشكون من قلة هذا الشعور أصلا، ولا لأنه يميل إلى تعليق النقص على جماعة تعرف بهويتها العامة (فلا يغيب السياسي والاقتصادي والجيوسياسي .. فقط، بل ويغدو النقص جوهريا، لا يزول دون زوال الجماعة نفسها)، وإنما بسبب طابعه الجامد وسلبيته، وتناقضه العميق أيضا. فإذا كانت قلة عقل “العرب” أمراً مفروغاً منه، فلماذا تبقى نبرة التعاقلي ساخطة موتورة، كأن ذلك ينكشف له لأول مرة؟ وإذا كان ثمة مشكلة في إدراك “العرب” وعقلهم، فكيف حصل أن حاز التعاقلي إدراكا وعقلا يمكّنانه من نعي تفكيرهم ومواقفهم؟ ما يفوت التعاقلي أنه في الواقع إنما يشهد على نفسه في كل ما يقوله عن “العرب” أو “ناس المنطقة”. فإذا كان ما يقوله عنهم صحيحا، كان هو متخلفا وناقص العقل أيضا. وإن لم يكن صحيحا، كان وحده الناقص على طريقة أمثولة “الكذاب الكريتي” (شخص من جزيرة كريت يقول إن اهل كريت كذّابون. فإن كان صادقاً كان كاذباً لأنه منهم، وإن كان قوله عنهم غير صحيح كان وحده الكاذب). ولعلنا نقترب من فهم تناقض التعاقلية إذا تنبهنا إلى اندراجها عموما في انحيازات اجتماعية وأوضاع “طبقية” تضمن دوامها وتجددها، مهما تكن متناقضة ذاتياً متهافتة بلا ريب، لكن كلام التعاقلية مجز و”بيّيع”، والطلب عليه عالٍ، فكيف تسكت؟
[شعبوية معكوسة
وإنما لهذه الاعتبارات تبدو لي أن التعاقلية أكثر إثارة ودلالة من الشعبوية. جديرة مثلها بنقد صارم.
وأول ما يتعين نقده هو وعيها أو وهمها الذاتي. التعاقلية نزعة نخبوية، لكنها ليست هامشية بحال. لا يتعلق الأمر بأقلية هامشية، ضئيلة ومقموعة، لا تجد من يصغي إليها. إن نفاذها إلى منابر واسعة الانتشار واسع بدوره، وإن أفكارها ليست مقهورة أو محاربة بدرجة تفوق محاربتها هي لخصومها. إنها ارثوذكسية يحلو لها انتحال قناع الهرطقة لأنه أضحى مجزياً مادياً وليس معنوياً فقط. “سنّة ضادة” كما سبقت الاشارة. وسنكون متسامحين جدا إن وصفنا أياً من كبار التعاقليين وصغارهم، من أدونيس إلى آخر السلالة، بأنه ثوري أو منشق، أو مهرطق، أو بأنه محارَب أو مهمش أو منبوذ.
وإذا أخذنا تنويعات رثة للتعاقلية، وجدت في شبكة الانترنت مراحا واسعا، نتبين أنها في الواقع واسعة “القاعدة الاجتماعية”، ما يسوغ وصفها بأنها شعبوية من نوع آخر، أو شعبوية معكوسة. ولعلها طور متقدم في دورة حياة الشعبوية، لا يبلغها المرء دون أن يمر بهذه ويخيب رجاؤه منها. هذا محقق في بعض الحالات. وبينما لا تفارق الرثاثة الشعبوية، فإنها لا تشكو الغياب في نصوص ونبرات وتفكير تعاقليين كثيرين، جعلوا من “العقل” و”العقلانية” عصبة لهم. وهي بعد شعبوية معكوسة من باب آخر: إن العنصر الانفعالي والعاطفي في بيانها ونصوصها ليس ضئيلا، وإن نبرتها ليست خافتة ولا عادية، كثيرا ما تكون صادحة. هذا فضلا عن أن آليات التماهي والتماهي المضاد شغالة على سطح مقالها وفي عمقه بدرجة لا تقل عنها في مقال الشعبويين.
لكن الشعبوية تتلقى العالم عبر الرفض والقبول، عبر التماهي والتماهى المضاد، فلا تنفتح على تفكير نقدي يمكن تعريفه برفض التماهي أو إرجائه، وبإحلال مفاهيم العلاقات والعمليات محل الهويات والانحيازات البسيطة (“أنا معنا”). أما التعاقلية النخبوية فأقل مباشرة في التماهي، وقد تكون تماهياتها غير شخصية، لكنها ليست متحررة من آليات التماهي المعتادة. تشهد على ذلك شحنات الكراهية والانفعال المحمولة على ظهر نصوصها، وانزلاقها السهل نحو أبلسة الخصوم، فضلا عن نزوعها إلى تشكيل روابط وعصب تلتئم حول أولياء عصريين خاصين بها. ولعل مدرك “العرب” في خطاب التعاقلية اسم لتماهيها المضاد أكثر من أي شيء آخر، فيما تتماهى نسخها الرثة بـ”العالم المتمدن”، أو حتى بالأميركيين والرئيس بوش صراحة (“الليبرالي” العراقي عبد الخالق حسين، في كل ما يكتب تقريبا، ومثله شاكر النابلسي الفخور بأنه “ليبرالي جديد”). غير أن التماهي، ولو بصبغة سلبية، يغلق باب التفكير النقدي والمفتوح، وإجاباته موجودة دوما قبل أسئلته.
هذا فضلا عن أن النزعتين شريكتان في نكران استقلال المعرفة: واحدة تشتقها من “الشعب” وحكمته وهويته، وواحدة تجعلها اختصاصا لنخبة عالمة، حتى لو أن “علم” تنويعاتها الرثة لا يتجاوز هجاء قلة عقل “العرب” ومديح الذات على التخلص منها. في المحصلة، لا تمثل التعاقلية بديلا للشعبوية؛ إنها تحتاج إليها من أجل أن تستمر. فهي تشكل طفيلي عقيم، لا حياة مستقلة له، ولا أسس فكرية أو أخلاقية ذاتية له.
القصد تبديد الأسطورة النخبوية التي توحي أن الشعبوية تشغل كل الحيز العام أو حتى أكثر مساحته، وأنه ثمة بديل جاهز أو يكاد من أجل أن يغدو تفكيرنا نقديا وعقلانيا ومفتوحا، هو ما نجده عند التعاقليين. إن السمة الجوهرية للتعاقلية هي أنها لا تحيل بحال إلى نموذج قابل للتعميم، ولا تقترح على “الشعب” فكرة أو مبدأ يقلص الفجوة بينه وبينها. بل هي محتاجة لتخلفه كي تؤكد تقدمها. هذا ما يجعل نخبويتها جوهرية وليست عارضة.
إلى ذلك ينساق عموم التعاقليين إلى تطرف فكري ولغوي، أخمّن أنه يتصل بمواقعهم النخبوية الممتازة، الأرستقراطية بالفعل. غير أن التطرف هذا يخرجهم من مفهوم المثقف ذاته، وما يفترض فيه من روح العدالة والتجرد، فضلا عن “الثقافة”، بمعنى التهذيب والرهافة والذوق الرفيع. لا شيء يسوغ عبارات من نوع “أمة في حذاء وحذاء في أمة”. إنه عدوان كلامي، يصدر عن اعتبار “الأمة” المعنية مباحة عزلاء، لا بأس بقول أي شيء في حقها، بينما ناعيها عقلاني ومستنير، إن لم يكن نورا مجسدا. والعنف اللفظي ليس شيئا تترفع عنه النخبوية العربية التي يبدو أنها لفرط اشتباكها مع الوحش الشعبوي انجرّت إلى مشابهته.
لكن منذ أن ينفتح الباب لأحد أشكال العنف اللفظي سينفتح لها جميعا. وسنجد شتامين محترفين، لا يكلون ولا يملون من قول الأشياء نفسها ضد الخصوم أنفسهم مرة وراء مرة. ومن متابعة شخصية، يبدو لي أن هؤلاء مقروئين أكثر من غيرهم. وتفسير الأمر لا يحتاج إلى كثير عناء. إنهم يوفرون متعة تلصص “شعبوية”، لا تختلف في شيء عن متعة سماع ردح امرأة سفيهة سليطة اللسان وهي تعرّض ببنات الجوار ونسائه، ذاكرة قصصهن الحقيقية أو المختلقة. ومن يوفر الابتلاء بمعصية تلصصية كهذه إن أتاحت له غفلية شبكة الانترنت أن يستتر؟ لقد أضحى الردح تخصصا كتابيا، له أبطاله ونجومه المقروئين على نطاق واسع، الذين يسهمون في إفساد الثقافة وتسخيف المثقف أكثر من أي شيء آخر.
لكن ما من قضية على الإطلاق تسوغ انحدارا كهذا، بل إن القضية الوحيدة التي تبقى لهؤلاء هي الانحدار، تسميم النقاش وإثارة العداوات، ودعوة الجميع إلى مائدة الكراهية وتحويل سوء حالنا العام إلى سوء تفاهم معمّم.
[ تصحيح خطأ أو محوه
هل يستحق “العرب” كل ذلك التقريع التعاقلي؟ المشكلة أنه خارج تقريعهم ونعي قلة عقلهم لا يبدو لهم أثر، حتى أنه لا يمكن التأكد من وجودهم ذاته.
الواقع أن هذا الضرب من “النقد” دام وقتاً طويلاً دون أن تفحص آلياته وحصائله التي تبدو لنا بالغة السوء. يمكنك بسهولة أو بصعوبة أن تثبت أن آرائي كلها خطأ ومعتقداتي جميعا باطلة، لكن هذا لا يخولك بحال القول إني أنا نفسي خطأ أو باطل. بهذا تمهد لنفسك السبيل إلى محوي أو “تصحيحي”، أي إبادتي أو تشكيلي بما يناسبك. هذا لا إنساني. وهو السمة المشتركة لنظم الطغيان المحدث، التوتاليتاريات، التي يشكل نقدها رغم ذلك أحد مصادر الفكر التعاقلي “العربي”. فعبر تخفيض الحواجز الأخلاقية والثقافية التي تحمى الحياة والجماعات، ينفتح الطريق نحو محو الأشخاص الخطأ أو الباطلين لأنهم يهود أو غجر أو مشوهون..، أو لأنهم طفيليون ورجعيون وكسالى… وهذا اللاإنساني هو ما يترتب على الإلحاح الذي لا يكل ولا يمل على تقريع “العرب” وتسفيههم، إثبات أنهم خطأ.
والمشكلة أنه لا يقف في وجه التقريع التعاقلي غير التخوين القوموي أو الشعبوي، المتطرف بدوره إلى درجة أن أبرز حصائله تسويغ التعاقلية تسويغا كاملا. وربما نضيف إلى “مآثره” أيضا إفساد النقاش العام، ورفع الغباء إلى مرتبة فضيلة قومية.
إنهما السّنُّتان أو الشعبويتان تتقاسمان آفاقنا الفكرية النفسية، وتغلقانها.
[ السيّئ وقرينه
لا جديد في القول إن “الثقافة” الملهمة لصيغة التفاعل الأولى، الاحتفالية والشعبوية، تسير في طريق مسدود. لا مستقبل لها، وهي ليست ثقافة إلا بمعنى يجعل من كل اختلاف أساسا لثقافة محتملة. لكن تسير في طريق مسدود أيضا طريقة التفاعل الثانية، الناعية والتعاقلية، التي قد تكون بدأت من انفعال لكنها فضلت أن تبقى فيه. وطريق هذه مسدود لأنها لا تستطيع نزع إنسانية “العرب” مع حفاظ ناعيهم على إنسانيته في الوقت نفسه. هذا بديهي.
وبينما تتمثل مشكلة الصيغة الشعبوية في فظاظتها وعدائها للثقافة ونازع الترقي العام والرهافة، فإن مشكلة الصيغة التعاقلية تتمثل في شح نفسها وافتقارها إلى السخاء وانشراح الصدر والرفق.
وفي حين أن الأولى جامدة، فإن الثانية آلت إلى الجمود. وإذا حكمنا على كل منهما بسجلها فإن الشعبوية عقيمة ثقافيا وكانت كارثية سياسياً على الدوام، وليس في سجلها ما يرفع رأسها، إلى درجة أنها هي ذاتها ارتضت لذاك الرأس أن يرتفع بحذاء. بل إنها حيث حكمت أنتجت من الهزائم ومن الإذلال الداخلي ما لم يكن صدام حسين غير أسوأ رموزه.
أما الأخرى، التعاقلية، فإنها تعرض تصلبا غير ديمقراطي، يميني غالبا، فاشي أحيانا، ويتدنى المحتوى النقدي لتفكيرها، بينما يبرز طابعه الطقسي والتكراري.
وكلتاهما مؤشر على عدم نضجنا النفسي والثقافي، بل على مقاومتنا للنضج، وتفضيل هذه الصيغة للمراهق الغاضب أو تلك.
[ هناك بديل
هل من مخرج من تقابل النخبوية التعاقلية والشعبوية العاطفية؟ ليس مخرجا، بل هو “أوتوستراد” عريض: النقد. النقد العقلاني المنضبط بقيم إنسانية عامة، العدالة والحرية والمساواة والتسامح والجدارة الإنسانية المتساوية والاحترام المتبادل.
الشعبوية غير نقدية تعريفاً، إنها تتسم في كل مكان بالانفعال والامتثالية والعجز عن الانشقاق، وفقدان حس المسؤولية، ونزعة التماهي المباشر (الذي لا يتوسطه الفكر). لكن النخبوية العربية في الصيغة التعاقلية لم تظهر ما تنسبه إلى نفسها من روح نقدية، ولا حتى من عقلانية (وإن انتحلت العقلانية نسبة لها وشعارا). فهي تستنفد نفسها كلياً في هجاء الشعبوية أو ما تفترضه كذلك، على نحو ما تستنفد الشعبوية القومية السائدة نفسها في التخوين. وهما معا شريكتان في السلبية، وفي رفض استقلال المعرفة. ولا تظهر النخبوية حسا أعلى بالمسؤولية، ولا يتوسط تماهيها (السلبي مع “العرب”) فكر يمكن تبينه. وإذ تميز التفكير الشعبوي بالبساطة دوما (عكس التركيب)، فإن التفكير التعاقلي يعرض نزوعا مماثلا نحو التبسيط ويفر من التركيب.
أوضاعنا بائسة فعلا، والثورة عليها هي الشيء العادل. غير أن الثورة غير ممكنة، إن بسبب ضعف وتشتت من قد يستفيدون منها، أو لغموض البديل، فاعلاً وتصوراً. لكن إذا كانت الثورة غير ممكنة، فإن النقد ممكن دوما. وواجب. وهو بعد استمرار للثورة الممتنعة بطريقة مختلفة. وإن لم تكن معايير النقد واضحة، وهي في رأينا ليست غامضة جدا (“الموضوعية” في المعرفة، والمساواة في الأخلاق، والديمقراطية في السياسة والاعتدال في النبرة، والوضوح في الأسلوب، واحترام إنسانية المنقودين…)، فإنها يمكن أن تكون موضع نقاش هادئ.
وبما هو مبدأ انفتاح فكري ونفسي فإن النقد هو ما قد يكسر الطابع التكراري والطقسي لكل من الشعبوية والنخبوية العربيتين. وأخيراً ما قد يحرر المثقف من شياطينه الداخلية التي قد تفضي به، بعد تجاذب معذّب، إلى الدين، أو إلى الطائفة، أو إلى موالاة السلطة، المحلية أو الدولية.
النقد يفتح ما يغلقه التماهي.. يكسر التماهيات المتقابلة والمتضادة، وينفلت من الثنائيات التي يحبس الكسل والشعبوية والتسييس المباشر والشامل تفكيرنا فيها.
إنه “المشروع” البديل عن إخفاق مشاريعنا وعن رفضنا لمشاريع الغير. أعني نقد السياسة والسلطة، لكن أيضا نقد الدين ونقد الثقافة، ونقد المجتمع، فضلاً عن نقد الإيديولوجيات.
قد لا يكتفي المثقف كفاعل عام بالنقد. فكيف يمكن تعريف دوره السياسي؟ قبل كل شيء لا بد من الدفاع عن استقلال السياسة، استقلالها عن “الشعب” كما عن “النخبة”، وعن الدين كما عن الاقتصاد، وعن السلطات كما عن القوى الدولية المسيطرة عالميا. ثمة ثلاثة دروب سياسية مسدودة ينبغي تجنبها: الاستبداد الحاكم، سواء سوغ نفسه بالقومية أو العلمانية أو الاستقرار…؛ والإسلامية بصيغة رسمية بيروقراطية أو بصيغة إخوانية أو بصيغة سلفية جهادية…؛ والنزعة الغربية، أميركانية كانت أم أوروبية أم إسرائيلية. هل من خيار إيجابي؟ مهما يكن عسر الإجابة، فإن الثالوث المذكور هو الموت.
[ “النقد المزدوج”
رب قارئ حصيف يتساءل عن إمكانية الجمع بين نقد النخبوية والشعبية؟ وعما إذا كان نقد النخبوية أو التعاقلية لا يفضي عمليا إلى تسويغ الشعبوية، هذه المسؤولة عن كوارث سياسية وثقافية وعسكرية وتعليمية لا تحصى؟ أسلّم بشرعية التساؤل. لكني حاولت أن أقول إن النخبوية التعاقلية تشكل طفيلي، عقيم، رجعي وغير نقدي. إنها نقد فاشل للشعبوية (ولـ”العرب”)، ومضاد للثقافة مثلها، رغم توفرها على أدوات نقدية أفضل. لماذا؟ لأن انحيازاتها الأصلية أو المكتسبة تعطل أدواتها المناسبة. تبدو النخبوية التعاقلية مهتمة بإثبات خيبة العرب أكثر من تخليصهم من الخيبة. تبدو محتاجة إلى الشعبوية كي تثبت تخارج الشعب والعقل، وكي تدوم هي، أكثر مما هي حريصة على تصالح الشعب والعقل الذي يمهد السبيل إلى تجاوز الشعبوية.
لقد مضت سنوات منذ اكتمل تشكل المواقف والنبرات التي أطلقنا عليها اسم التعاقلية في نسق متكامل، ينبني عليه “حس سليم” خاص به، وتتطور له منعكسات شرطية بعينها واستجابات ثابتة على أية تنبيهات جديدة؛ بكلمة لقد آل هذا النضال من أجل الانغلاق إلى إقامة جماعة تغلقها “سنّة” تنسب لنفسها تفوقاً (لا دليل عليه). لا جديد، ولن يأتي جديد من هنا. لهذا كله لا يمكن نسبة مضمون ديمقراطي للتعاقلية. ومن هذا الباب يمر نقد الشعبوية عبر نقدها هي، نقد طابعها المعتم والجامد والطفيلي.
خاص – صفحات سورية –