الأسد يشدُّ أردوغان للخلف
هوشنك أوسي
صار الرئيس السوري، بشار الأسد، يشتاق لأنقرة سريعاً. يزورها في السنة عدَّة مرَّات!. ولِمَ لا!!.. أنقرة نافذته الوحيدة على تل أبيب، وشرفته اليتيمة على واشنطن!. ودودٌ جداً، الرئيس السوري، خاصّة، حين ينشر ابتساماته الصفراء، ونصائحه ومواعظه الصفراء على الآخرين!. يحاول أن يعطي دروساً في تجربة الانغلاق على أكراده، لقادة تركيا، الذين يودُّون “الانفتاح” على أكرادهم!. وكأنَّ أردوغان، قد خطى أشواطاً كبيرة وبعيدة وحقيقيّة وجريئة على الأكراد، لذا ارتعب الأسد، وصار يشدّه من الخلف!.
يقول الأسد للصحفيين الأتراك: إنّ “انفتاحكم” ليس في الزمن المناسب!. وينبغي أن يكون “وسيلة” وليس هدفاً”، وأن يكون في إطار واضح متّفق عليه بيننا!. يعني، يسعى الرئيس السوري إلى إقناع تركيا، بضرورة ممارسة الخداع وألعاب الخفَّة السياسيّة في هذه الفترة، وأنّ “انفتاحها” المنقوص والمشبوه، سينعكس سلباً على المنطقة. يقول الأسد للأتراك: لا بأس أن تبقوا في حمامات الدم لربع قرن آخر. لا بأس أن تبقى تركيا مهزوزة، تنهشها حرب داخليّة!. تريّثوا، ولا تتسرّعوا، وانتظروا لخمسة وعشرين سنة أخرى، حتّى يستلم ولدي؛ حافظ بشار حافظ الأسد، الحكم في سورية، حينئذ، أطلقوا “انفتاحكم” على أكرادكم!. ويقول لهم: نحن أيضاً، لدينا أثنية، تماثل الأثنية التي تودّون الانفتاح عليها!. فحاولوا أن تتفّهموا مخاوفنا أيَّها الأتراك!.
يجتمع الرئيس السوري مع مدراء تحرير الصحف التركيَّة في دمشق، قبل طيرانه إلى أردوغان، ويتحدّث للصحفيين عن “الانفتاح”، ويتجنّب ذكر كلمة “الكردي” في سياق أجوبته، ولو لمرّة واحدة!. فما أشبه الرئيس السوري، بالرؤساء الأتراك في حقبة الثمانينات والسبعينات والستينات والخمسينات…الخ، وبل أسوأ وأضلُّ سبيلا!. هذا الذي تفائل أكراد سورية بمجيئه، كي يطوي حقبة مظلمة على الأكراد، قادها حزب البعث، منذ وصوله للسلطة، في 8/3/1963 ولغاية لحظة وفاة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد!. واتضح لأكراد سورية، أنَّهم كانوا ولا زالوا يحلمون!. ونسي أكراد سورية، أن هذا الشبل من ذاك الأسد!.
هو أيضاً يشبه قليلاً صديقه أردوغان!. هو أيضاً يَعِد، ويُخلِفُ وعوده، ويتبرّأ منها!. وعد أكراد سورية المجرّدين من الجنسيّة السوريّة، وعددهم 300 ألف كردي، بقرب طي ملّفهم، وإعادة الجنسيّة لهم!. لكن نكث!. هذه الشريحة من الأكراد، محرومة من أبسط حقوقها الإنسانيّة، إلاّ من حقّ واحد فقط، وهو الهتاف: “بالروح بالدم نفديك يا بشّار”، في المسيرات المفتعلة التي يجبر النظام السوري الناس القيام بها!.
الأكراد في سورية، يقارب عددهم 3 مليون، إنْ لم يكونوا أكثر!. شاركوا في بناء الدولة السوريّة. وقادوا ثورات ضد الاحتلال الفرنسي. لم يظهر بينهم عملاء وخونة تعاملوا مع إسرائيل مثلما ظهر بين العرب. لكن، لا يوجد أيّ اعتراف بوجود الأكراد كشعب، وكقوميّة ثانيّة في البلاد. أساساً، الدستور السوري مشلول ومعطّل، بفعل حالة الطوارئ والأحكام العرفيّة التي تعيشها سورية منذ استلام حزب البعث السلطة في 8/3/1963، وللآن!. يعني، المواطن العربي ليست لديه أيّ حقوق، فما بالك الكردي!؟. لا يوجد في سورية قانون أحزاب. فحتّى حزب البعث أيضاً، ليس شرعيّاً!. لا توجد في سورية حريّة صحافة. لا توجد في سورية معارضة، بالمعنى الحقيقي والنشط والفاعل للكلمة. كل شيء تحت السيطرة والرقابة، الماء والهواء والنبات والحيوان والأموات. نسبة الفساد والبطالة والفقر في سورية، تستحق لأن تمنح جائزة نوبل عليها!. ونسبة الصمت والكبت السياسي، تعادل نسبة الكلام عند الحجر!. لا أحد يجرؤ على إبداء النصح للرئيس السوري، والقول له: إنّ كل هذا الضغط، سيؤدي للانفجار، يوماً ما!
الاكراد في سورية، لا يريدون الانفصال عن سورية. يريدون التعايش والتآخي السلمي ضمن دولة القانون والمؤسسات. يريدون الاعتراف بوجودهم القومي في الدستور، وحل قضيتهم بالسبل السلمية الديمقراطيّة. يريدون نيل حقوقهم السياسيّة والثقافيَّة والقوميّة في إطار الدولة السورية. يريدون أن تكون سورية لكل شعوبها، وليست مطوّبة باسم حزب واحد وقومية واحدة وطائفة واحدة وأسرة واحدة وشخص واحد!
مارست سورية سياسة التعريب والصهر والتهجير والتطهير العرقي، بشكل ناعم وهادئ على الأكراد!. فغيّرت أسماء المدن والقرى الكرديّة الى العربيّة، وحظرت اللغة الكرديّة، ومنعت طبع ونشر وتوزيع المطبوعات الكرديّة بشكل رسمي. ناهيكم عن سياسة تهميش الاكراد من الحياة السياسيّة، كأكراد، وحظر أيّة مشاريع تنمويّة في المناطق الكرديّة، شمال وشمال شرق سورية، رغم أن موارد هذه المناطق (نفط، غاز، حبوب، قطن)، هي العمود الفقري للاقتصادي السوري!
وفي الآونة الأخيرة، وخاصّة بعد انتفاضة 12 آذار في مدينة قامشلو الكرديّة، وامتدادها لكل المدن الكرديّة، ووصولها لمدينة حلب والعاصمة دمشق، زاد النظام السوري من قمعه للأكراد، وبوحشيّة!. حيث تمّ قتل اكثر 30 مواطن كردي في انتفاضة 12 آذار، وتمّ جرح العشرات، واعتقال الآلاف وقتئذ!. هذه الانتفاضة، أجبرت الرئيس السوري، على الاعتراف الشفوي، بوجود الأكراد، كجزء من النسيج الاجتماعي السوري، وليس كقوميّة، لها خصوصيّتها وهويّتها الإثنيّة والثقافيّة!
وفي تلك الفترة أيضاً، كرر بشّار الأسد وعوده بقرب إعادة الجنسيّة للأكراد المجرّدين منها، على خلفيّة إحصاء عنصري، جرى في 5/10/1962، تمّ بموجبه عدم إحصاء 150 ألف مواطن كردي، واعتبارهم كـ”أجانب”، لاجئين، وليس مواطنين أصلاء، يعيشون على أرضهم التاريخيّة منذ آلاف السنين!
وحتّى الآن، قتل العديد تحت التعذيب في أقبية المخابرات السوريّة، مثل الشيخ العلامّة محمد معشوق الخزنوي، وأحمد حسين حسين، وأوصمان سليمان…الخ!. منذ 2004 وحتّى الآن، قتل أكثر من 28 مواطن كردي، أثناء تأدية خدمة العلم في الجيش السوري!. وأثار التعذيب على جسدهم كانت واضحة، ويتمّ تهديد أهاليهم، إذا هم قدّموا شكاوى!. يتمّ اعتقال الأطفال والنساء. ولا زال مصير مواطنيتين كرديتين مجهولاً، واحدة أمّ لثمانية أطفال، والأخرى أمّ لخمسة أطفال. لا زال مصير الناشطة الكرديّة نازلية كجل مجهولاً منذ 2004 بعد اعتقالها من قبل المخابرات العسكرية!
يقول الرئيس السوري للصحفيين الاتراك: “نريد أن يكون الانفتاح، وسيلة للقضاء على الإرهاب. وإذا استسلم الإرهابيون، سنحتويهم. نحن نسعى للاحتواء لا الانتقام. وقد فعلنا ذلك، مع الإرهابيين في مطلع 1980”. ويقصد الأسد بالإرهابيين هنا؛ جماعة الاخوان المسلمين السنيّة، التي مارست العمل المسلح ضدّ الحكم العلوي في دمشق. لكن، لا زالت هنالك المادة 48 في الدستور السوري، تحكم بالإعدام، على كل من ينتسب لجماعة الاخوان المسلمين، حتّى لو لم يكن قد مارس العمل المسلح!. بهذه الطريقة، يعفو النظام السوري على معارضيه!
هكذا إذن!. صارت دمشق حريصةً جداً على أمن واستقرار ووحدة الأراضي التركيَّة!!. ذهب ذلك الخصام والعداء الدموي الذي استمرّ 18 سنة، بين دمشق وأنقرة، ليحلّ محلَّه هذا الوداد والوئام والتفاهم الدموي!. نسيت دمشق دعمها حزب العمال الكردستاني!. نسيت أنها كادت ستدخل في حرب مع تركيا، بسبب حمايتها لأوجلان على أراضيها!. الآن، صار حزب العمال، جماعة “إرهابيّة” تهدد استقرار المنطقة!
هكذا إذن!. الآن، صارت دمشق حريصة على أمن ووحدة واستقرار العراق!. وترفض أن ينتقل 90% من الإرهابيين والسيارات المفخخة من أراضيها نحو العراق!. فعندما كان صدام حاكماً، كان حافظ الأسد، يدعم معارضوه، الحكّام الحاليين للعراق!. وبعد ذهاب صدام مع رياح دكتاتوريته ووحشيته، صار بشّار الأسد، يأوي أيتام صدّام في دمشق، ضدّ “أصدقاء” أبيه السابقين!
على ضوء ما سلف: هل نبالغ، إذا قلنا: إنَّ السمة الرئيسة المشتركة بين السياسة الداخليّة والخارجيّة السوريّة، هي الغدر والطعن في الظهر!؟. وأيّاً يكن، إذا اجتمع الأسد وأردوغان ونجاد حول المائدة، لا مناص من أن يكون عليها رؤوس الأكراد!. فهل ستستمع أنقرة لمواعظ الأسد، أم ستعطيه تطمينات كاملة بأنّ “انفتاحها” على الأكراد، قنبلة صوتيّة، فلا داعٍ لأن يرتعب الأسد منها، لهذه الدرجة!. هل سيقول أردوغان للرئيس السوري: بعد 86 سنة من سياسات ومنطق وذهنيّة التصفية والإنكار والإمحاء والصهر والقمع والقتل وإرهاب الدولة ضد الأكراد، نعترف بالفشل. فإلى أين أنت ذاهب يا سيادة الرئيس السوري!؟
كاتب كردي سوري
ايلاف