الطرفة المتداولة
جورج علم
تفاوض إيران في جنيف من موقعين: تجاوزها محاولات ضرب النظام من الداخل، والتفاوض انطلاقا من الأمر الواقع «وما عندنا» من شبكة صاروخيّة، ومنظومة دفاعيّة، ومنشآت نوويّة… وبعد التسليم المطلق بهذا الأمر الواقع «تفضلوا لنتفاوض على رزمة المطالب المتكاملة التي سبق لطهران أن استودعتها قبل مدّة عواصم الدول الست».
وأبرز ما ترمي إليه الرزمة، التطور غير المسبوق إن من حيث الأهداف، أو الطموحات. في الأمس القريب كان الحديث عن الأمن والإرهاب، والدول المارقة، ومحور الشر، فيما هو اليوم عن الصراع الاستراتيجي المبني على مفاهيم عقائديّة، (إيران، إسرائيل)، وصولا الى الدور، أو الوظيفة الإقليميّة. وإذا كانت الدول الست تدعم الترسانة النووية الإسرائيليّة، وتحاول حمايتها عن طريق غض الطرف، وتريد أن تضمن لتل أبيب دوراً رياديّاً في المنطقة، فإن من بين أهداف «الرزمة الإيرانيّة» الوصول الى جواب واضح من الدول الست: أين يبدأ دور إيران في المنطقة، وأين ينتهي؟ وما هي الحدود المرسومة له؟ وما هي المواصفات، قبل الحديث عن النووي والمنشآت و…؟!
وتقول الطرفة المتداولة حديثا، إن الوضع الحكومي مرتبط بنتائج محادثات جنيف، فإذا خرجت طهران مرتاحة ومطمئنة الى مصالحها وأمنها القومي، فإن ذلك قد ينعكس إيجابا على عمليّة التأليف، أما إذا كان الغرب يريد «أن يفعّل طواحين الهواء في المنطقة، وعلى طريقته، وعكس التيار، فيفترض أن تكون لذلك تداعيات، وربما متاعب».
وتصبح هذه الطرفة أكثر جديّة، وأقرب الى الواقع عندما يتحدث بعض السفراء، بلغة واضحة لا لبس فيها، عن أن الأمن في لبنان هو جزء من أمن المنطقة، وأمن المنطقة هو حاليّا في وضعيّة اشتباك بين المصالح والطموحات الأميركيّة ـ الإسرائيليّة من جهة، والإيرانيّة من جهة أخرى، وعندما تتخلّى السفارة الأميركيّة عن بعض طموحاتها، وتقتنع بأن الدور الذي تحاول اقتناصه لا يمكن أن يتحقق، لأنه من غير المقبول أن تتحوّل من سفارة الى «غرفة عمليات» تتمتع بصلاحيّة الإمرة، وتملي التوجهات على هذا الجهاز أو ذاك، وفق لعبة مصالحها، فهذا ربما يمثّل بداية لإدراك الطريق المؤدي الى حكومة وحدة وطنيّة. أما أن تبقى «فاتورة» المساعدات العسكريّة الأميركيّة مقرونة بسلّة من الشروط التعجيزيّة المعلّبة، فهذا يعني الاستمرار في المتاريس المحصّنة على الجـــهات المتقابلة… بانتظار ســاعة الصفر؟!
وساعة الصفر تنتظرها الغالبيّة من اللبنانييّن، وتنتظر أن تكون المدخل السليم والمريح المؤدي الى حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري، لكن التمني هذا يكتسب صدقيّة أكبر إذا ما تمّ التوصل فعلا الى ضمانات موثوقة بين الرئيس المكلّف سعد الحريري و«حزب الله»، حول الملف الأمني، برعاية وضمانة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي لا يزال يحتفظ بحقيبتي الداخليّة والدفاع، وفق «كوتا» الـ15 ـ 10 ـ 5.
ولا يكفي أن يلعب فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي دوراً مشرّفاً ساهم في الماضي القريب في كشف شبكات التجسس، لكي يرتاح «حزب الله»، ويطمئن الى أن «ظهره بات محميّا»، بل إن الضمانات الموثوقة يجب أن تتمدد وتتوسع لتشمل سائر الأجهزة الأمنيّة ـ العسكريّة ـ المخابراتيّة، بما في ذلك وزارة الاتصالات، وما تمثّل من حيثيّة أمنيّة، ما دام التوافق على الأمن شرطاً أساسياً، ومعبراً إلزامياً، للوصول الى توافق على الحكومة.
السفير