صفحات العالمما يحدث في لبنان

سقف رئاسيّ ينتظم تحته تفاوض الحريري والمعارضة: الممنوع مسموح

نقولا ناصيف
الحوار السعودي ـــــ السوري الذي بدأ في جدّة يوم 23 أيلول بين الملك عبد الله والرئيس بشار الأسد، وألحق برسالة وجّهها الأسد إلى العاهل السعودي، بعث آمالاً سريعة بقرب انفراج الأزمة الحكومية، من غير أن يتأكد أحد إذا كان الرجلان قد خاضا فعلاً في الملف اللبناني واتفقا بمثل هذه السرعة على استعجال تأليف الحكومة الجديدة. والحال هذه تختلط الآمال بالأوهام. ومع أن دمشق، كالرياض، تحاذر الظهور مظهر المعنيّ المباشر بتأليف الحكومة سواء بتسهيله أو عرقلته، وتتصرّف كل من العاصمتين على أساس أنه متفرّج، من غير أن تنكرا دعمهما أحد طرفي النزاع، يبدو حوار جدّة ناقصاً دون استكماله بحوار لبناني ـــــ سوري في سياق مماثل.
تحضّ على التلازم ملاحظات، منها:
1 ـــــ المواقف الأخيرة لرئيس الجمهورية والتي أفضى بها إلى الزميلة «الحياة»، وكانت أقرب إلى وضع سقف جديد للتفاوض الداخلي على تأليف الحكومة: تأكيد الرئيس ميشال سليمان تمسّكه بحكومة وحدة وطنية رافضاً حكومة الغالبية، وعدم ممانعته توزير خاسرين في الانتخابات، واستبعاده تأثيراً سلبياً لدمشق وطهران أو تدخّلهما في الشوؤن اللبنانية، ونفيه أن تكون التشكيلة التي اقترحها الرئيس المكلف سعد الحريري تمثّل حكومة وحدة وطنية، وتشدّده في صلاحياته الدستورية واقتناعاته التي تجعله يقدّر توقيع مرسوم تأليف حكومة أو عدم توقيعه، وإصراره على أنه والرئيس المكلف يتوافقان معاً على تأليف الحكومة التي لا يصنعها أحدهما دون الآخر، وإن له ـــــ أي سليمان ـــــ دوراً كبيراً في التأليف، وتقليله من شأن الخلاف الداخلي بعد الاتفاق على معادلة 15+10+5 فلم يعد يتعدّى التفاهم على الحقائب والأسماء، وتركيزه على العلاقة الودّية التي تجمع سوريا بلبنان.
بذلك رسم رئيس الجمهورية إطاراً آخر لتفاوض الرئيس المكلف مع المعارضة أسقط موانع وأحكاماً مسبقة كانت تحول دون استمرار حوارهما، ووضع التأليف في عهدة الطرفين بعدما أزاح من طريقهما مبرّرات الاختلاف وأخصّها شروطهما المتبادلة،
اتصال سليمان بالأسد متواتر، لكن دمشق تفضّل حواراً مباشراً 2 ـــــ استناداً إلى مطّلعين عن قرب على موقف الرئيس، لا أفكار محدّدة وجاهزة لديه بعد لإجراء حوار مع دمشق حيال تأليف الحكومة لسببين على الأقل: أولهما نفيه وجود تدخّل سوري في الأزمة الحكومية، والحريّ أن لا يفاتح نظيره في حلّ مشكلة لا يراه طرفاً فيها ولا معنياً بهذا الحلّ، وخصوصاً أن الرئيسين متفقان على أن الأزمة شأن محض لبناني وعلى ضرورة التوصّل إلى حكومة وحدة وطنية. وثانيهما رغبة رئيس الجمهورية في منح الرئيس المكلّف والمعارضة فرصة جديدة للحوار في ظلّ السقف الرئاسي الجديد، والتقاط ردود فعل الطرفين على مواقفه الأخيرة، ومدى استعدادهما للبحث الجدّي في المضمون اللبناني للمأزق الحكومي، وهو أن عليهما الاتفاق على الحقائب والأسماء ما دام الرئيس قد ثبّت حقائق ثلاثاً متلازمة هي: تأليف حكومة وحدة وطنية، معادلة 15+10+5، لا وجود لتأثير سلبي خارجي على الحوار الداخلي. وفي ضوء ردود الفعل هذه يقرّر سليمان الخطوة التالية.
وفي اعتقاد هؤلاء المطّلعين أن رئيس الجمهورية قال ما ينبغي قوله في حمأة المواقف المتشنّجة والاتهامات المتبادلة بعرقلة تأليف الحكومة، ونزع أسباباً رئيسية للخلاف على التأليف بتبديده الأحكام المسبقة. تبعاً لذلك يفترض سليمان، في ما أدلى به ـــــ وفي ظنّ بعضهم أنه تأخر في إطلاقه ـــــ أنه سهّل مخارج للأزمة الحكومية.
3 ـــــ يقتصر الحوار اللبناني ـــــ السوري حتى الآن على مكالمات هاتفية يتبادلها الرئيسان دورياً. وهما لم يلتقيا في قمّة ثنائية تتصل بشؤون البلدين مذ اجتماعهما في قمّة دمشق في 13 آب 2008 و14 منه، رغم لقاءات عابرة جمعتهما في مناسبات عربية كقمّتي الدوحة والكويت في كانون الثاني الماضي. إلا أنه لا موفدين شخصيين بين الرئيسين يعزّزون تواصلهما في نطاق تنسيق المواقف. ويبدو أن الرئيس اللبناني يحبّذ حصر التشاور به في سياق علاقة مباشرة بنظيره. على طرف نقيض منه، وفق وثيقي الصلة بدمشق، فإن هذه ـــــ عارفة بفاعلية تأثيرها في لبنان ـــــ تفضّل أن يلتقط لبنان إشاراتها من غير أن تجهر بها. مغزى هذا اللغز أمران:
أحدهما نزوع اعتادته دمشق على مرّ علاقتها الطويلة بلبنان في أثناء وجود جيشها على أراضيه وبعد انسحابه، وهو أنها لا تعلن صراحة ما تضمره، بل تكتفي بالإيحاء للمسؤولين اللبنانيين بموقفها كي يتفهّموا وجهة نظرها ويستنتجوا ما تودّ قوله أو تأمل من جارها مراعاته، وخصوصاً أنها تتجنّب منذ عام 2005 أيّ تصرّف يعبّر عن تدخّل مباشر في الشؤون اللبنانية أنكرته إبان شغور الرئاسة الأولى، وتنكره الآن مع شغور الرئاسة الثالثة.
والآخر أنها تفضّل التشاور بينها وبين لبنان، وتحديداً بين رئيسي البلدين، وجهاً لوجه دون المرور بالضرورة ـــــ ودائماً ـــــ بموفدين كي يتبادلا الأفكار والمعطيات ما داما اجتمعا حول ربط استقرار بلد أحدهما ببلد الآخر، فلا يكتفيان بمكالمات هاتفية ولا برسائل غير مباشرة.
ومع أن عقد قمّة لبنانية ـــــ سورية وارد في ذهن رئيس الجمهورية، فإن فحوى موقفه منها هو عدم إقرانها بأزمة داخلية كي لا يُستشم طلب تدخّل سوري في شأن محض لبناني، والتيقّن من استعداد سوريا لتقديم ما قد يحتاج إليه لبنان في إرساء استقرار علاقة قوى 8 و14 آذار وسط استحقاقات إقليمية محوطة بالغموض والالتباس تتعدّى لبنان إلى علاقة سوريا بجوارها العربي، ناهيك بضباب يلفّ علاقتها بواشنطن.
الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى