صفحات ثقافية

الكلاب

null
قصة: أبيلاردو دياز الفارو
28/09/2009 ( أبيلاردو دياز الفارو.. اختلف في سنة ميلاده، لكنها على الأرجح 1916، أما وفاته فكانت 1999، أما أعماله فترجمت للعديد من لغات العالم، ومنها:
الإنكليزية والبولندية والروسية والألمانية والفرنسية والإيطالية والتشيكية وغيرها. هذا وقد حصل الكاتب الكبير على العديد من درجات الدكتوراه الفخرية من العديد من الجامعات الكبرى).
كان الحصان الرمادي هيكلاً معطوباً، حشداً من الغرائز المختنقة. أما عينه فهي خلطة من الضياء العكر، مرآة كمداء للكائنات والأشياء. لكأنما يتشبث بأهداب الحياة بجهد جهيد! الدماغ متهاو منحول الشعر. قفار الظهر غائرة والجنبان ينحتان أضلاعه نحتاً. الردف الساقط المنتهي بذيله متيبس يتحرك في بطء بطيء. بندول لا جدوى منه لجسم مدحور. وبر الفسيفساء مزهر بالجراح. أنجم متقيحة. القدم الأمامية متورمة القبضة تخفق إذ يمشي وكأنها عصا طائشة لضرير في الليل يسعى. أما الذبابات الزرقاء فتتلاصق متصلبة في الجراحات الحمراء ولكنه بالكاد يشعر بها. بلا مبالاة يحرك
ذنبه وبلا عزيمة. وبرعدة تموجية خفيفة من عضلاته يحاول أن يطردها، لكن ما الفائدة؟! لقد صارت جزءاً لا يتجزأ من كيانه، من مشيه المتكاسل على الدروب. إنها على الأقل تعطيه الإحساس بأنه ما زال حياً! (لماذا لا تموت الجياد قبل أن تصل إلى الدروب؟) إنه لا يجهل أن بعض الحيوانات تنتحر. الثور فاروس حطم رقبته على الصخور. وعندما كان هو مايزال مهراً رأى أكثر من جواد يضحي بحياته وقد كسر أحد قوائمه.! (الجياد على الدروب تموت في بطء. . يوماً بعد يـ.. ساعة بعد ساعة).

كان يبدو عليه أنه يتحمس. كان قد فقد تلك الغريزة العجيبة التي ترشد الحيوانات في الليالي غير المقمرة. يحني رأسه في كل اتجاه ليتبين الدرب بصورة أفضل. ولكن في المرآة الغبشاء كل الأشياء بعينه متحطمة ملتوية ينبجس منها الرعب.

بيد أن ما يشعره أكثر بعجزه هو الكلاب؛ فهي لا تترك الخيل في سلام على الدروب. ففي الليالي المقمرة كانت تضايقه بشراسة وفظاظة، وتضطهده دون راحة ولا هدنة. يتضاعف العواء، العواء البطيء المفجع، العواء الثاقب المسنون. كانت تعوي في لحن جماعي. كان هو شبحاً من الضياء، تمثالاً من القمر الناحل. في العين الفاتنة المائية كانت الكلاب تتمدد وتأخذ هيئة شبحية، وتصل دون جلبة واحداً إثر الآخر وهي تزحف، وكان يصغي إلى دمدمتها الصماء، وإلى لهاث الأشداق السوداء. كان يتمثل الألسنة الحمراء
ولعابها الفضي، العيون الصغيرة الشريرة والأنوف الرطبة. كانت تحك أذنابها الشعثاء في بطنه الناشف، وتغرز أسنانها المعقوفة بضراوة في لحمه المتألم ألما مبرحاً، لم يعرف له اسم. (كان كسابق العهد يجعلها تراوح مكانها، كان يتركها مستلقية على الطرقات، الحنك مزبد مضرج بدم، ذيلها بين فخذيها والكلاب المذعورة…)

كان يتلف. هيكل جسده يهتز كشجرة جافة في ريح الوادي، يحاول الجري وساقه
المتورمة تخفق وكأنها العصا الخرقاء لأعمى يدب في الليل دبيباً. كانت الكلاب تتخفى خلف خط الأدغال المظلم لكي تعاود بكثير من الهمجية. العواء يتواصل ويتمطى مفجعاً في الليلة المسهدة ثم يتلاشى وهو يرن في البعيد كضحكات معتوهة. مرت الليلة المقمرة. كانت أهداب من الضياء تطلي بالذهب قمة تل الجرف الصخري. وفي الصباح شعر الرمادي أنه في حال أفضل إذ انسحبت الكلاب لتستريح. كان الضياء المتسرب فاتراً وهو يدفئ جسده الممزق وخاصرته التي يتلألأ عليها الندى. يصغي مفكراً إلى صياح ديكة الفجر والحفيف الوادع للزهور وصيحات الرعاة المتردد صداها. كانت تراوده الرغبة في تسلق القمة الوعرة من ذلك الجرف الصخري. وثمة نسمات أكثر نقاء تحرك
المراعي الندية والبقاع المحدودة للذرة الشيطانية، وعلى القمة كان الضياء شفافاً يهبط من السماء. وأحس أنه تخلص من بؤسه ومن تسكعه بلا هدف على الدروب. وأفاق من عواء الكلاب القاسي. أجهد نفسه ليضع حوافر ممزقة على الصخور الوعرة الغليظة. يتقدم بمعاناة يبلل العرق جنبيه الحائلين.
وقف لحظة ليستريح. أخفض الرأس قليلاً وأصغى على غير بعيد منه إلى الخطوة
الواثقة الصماء لمهر ذي سرج. أحد هذه الجياد المنطلقة في الريح والمالئة البكور بالصهيل الفخم والأصداء الرجولية. إن الصيحة التي انبجست جرحت أذنيه الناعستين. (حينئذ انتصب رأسه بقوة. محكوماً بالقبضة القاسية قضم لجامه، تمرد وأسال عليه اللعاب الذي أعطاه العشب اللون الأخضر.
رفرف العرف في الريح. الظهر الحريري والردف المتألق، الأذنان المنتصبتان
والصهيل المدوي، والعينان ماويتان مستديرتان رماديتان تبتلعان المنظر).

النباح الحاد لأحد الكلاب جعله يرفع رأسه. الكلاب تستيقظ. نبحة جافة جاوبت نبحة متموجة وتبعثر النباح في الريح. كانت تتنادى من حوش إلى حوش مقعية على مؤخراتها، مادة إلى السماء رؤوسها الناعسة في مؤامرة جائعة، كانت تتآمر. عما قريب ستكون على الطرقات منزلقة من فلجات الحقول زاحفة بمهارة تحت الأسلاك الشائكة قافزة بانسيابية من فوق السياج. كان أول ما عاد إلى الدرب كلب أسود نحيل. شبح مضيء بكلابات بيضاء، وتبعه آخرون من أجناس متباينة مختلفة الفرو. كلاب مقاتلة. كلاب ضالة. الرؤوس الخفيضة كانت تتشمم آثاره العارضة وشبحه الحائر، ثم تعدل الكلاب رؤوسها بعد ذلك متشممة جسده البائس، وها هو العواء أكثر اختصاراً وأكثر رنيناً، يتردد صداه في الجرف الصخري ثم يمتزج الصوت في موجة واحدة راجفة. والآن هذا سرب كلاب يطارده، وكان يبدو له أنه يسمع الطنين الرخو لقوائمها القلقة،
ولسرعة سيرها خلف ظله الذي يضمحل مع ارتفاع الشمس.أخذته الرعدة، وكان
يحرك دماغه من ناحية إلى أخرى ذهاباً وجيئة في حركة بندولية. التصق مرتعداً بالأوتاد الشائكة لأحد المراعي وأحس على خديه نفخة قوية، لهاثاً مضطرباً جعله يرجف. في عينه الغائمة ارتسم الرأس النشط لمهر صغير هائم ذي عينين هلعتين، هش الفقار ذي عرف أشعث. جمح المهر الصغير مبتهجاً، ورفع جسمه الأشقر الناصع فوق الأسلاك الشائكة، والجبهة الكوكبية برزت بكل وضوح في الزرقة المتألقة. حياه المهر الصغير بحمحمة متقطعة مموسقة تلوت كسوط على منحدرات الجرف الصخرية ثم هوت إلى المراعي. بطنه على الأرض وقائمتاه الأماميتان كانتا تطرقان اللازورد في فيض بهيج من الاحتدام.
(كان هذا احتدامه هو. لقد عرف نشوة المراعي والقفز العنيف متخطياً الأشواك). النباح الشرس لأحد الكلاب دمدم في أذنيه الشاخصتين. مثل أمامه شبح عظمي: الكلب الأسود. شعر الرقبة منتصب، والأسنان كمثل التحدي تلمع في عتمة الحنك. أصابه بالجنون حضور الكلب الأسود. نخيره الحاد ألهب أعصابه وانزلق إلى حمحمته كموجة باردة. عيناه المليئتان بضياء راسخ مصفر انغرزتا في حدقتيه الزجاجيتين فأعشيتاه. رفع الكلب رأسه الداكن ومزق الصباح بنباح لا نهاية له. ومن خلف الرمادي نباح آخر كان يجاوب
حازماً جلياً. وحالاً ستبدأ رقصة الأذناب والظهور الجرباء والألسن المتدلية. وها هي الكلاب في قفزات صغيرة تتحرك وتصنع دائرة فيصبح تحت رحمتها. إعصار من التشكيلات في عينه الشاسعة. فكر لو حطم الدائرة. دفن وجهه في لبانه غارزاً حوافره في الأرض بهيئة معقوفة؛ بيد أن الكلب الأسود جابهه بأسنان وحشية. نكص هلعاً بأذنيه الممدودتين وقائمتيه الأماميتين المتصلبتين، ومظهراً بياض عينيه المروعتين، متحجراً فوق نتوء صخري أحمر يكاد يلاصق قاع السحابات الثقال. غرز أحد الكلاب أسنانه
في الخاصرة المتورمة فأحس بكامل جسده يرتعد متشنجاً من الألم، فتقدم مهتاجاً يشق عويل الكلاب المحتدم. (فليتخلص منها أخيراً تلك الكلاب الجرباء). هاهي تبتعد تاركة في الريح ممراً من النباح الخفيف الشفاف.
صمت ثقيل مشمس يخيم على الدرب. أحنى الرمادي رأسه وكانت ذقنه تقريباً في
مستوى الأرض، منسحقاً فوق التلال التي تأتلق فيها الشمس، يبلل العرق كشحيه وينثال بغزارة على قوائمه ويروي الأرض المحترقة. والآن يكاد ظله يكون صورة من جسده الهزيل. وهو لا يدري كم مر من الوقت وهو في هذه الحال نصف نائم. الجفن ثقيل على العين الساكنة المخضبة ؛ رفع الرأس قليلاً وفي بطء استعاد وعيه بجسده الواهن، بخاصرتيه الداميتين وبإصراره المكابر على بلوغ القمة.

(ماذا آلت إليه الكلاب؟ ولماذا تركته؟)

استطال ظله على الدرب. كان الهواء أقل كثافة، كان يتسلل منعشاً إلى منخريه الرطبين ممشطاً عرفه الأشعث، ولم تعد الشمس تلهب لحمه الدامي. رفع الرأس قليلاً وارتسمت في عينيه المضطربة القمة التي عليها تبدأ الظلال في التجمد، وكان الجرف الصخري ظهراً قوياً عليه سرج من الضياء المائل للصفرة، وود الرمادي لو اغتنم فرصة عدم انتباه الكلاب عساه يسبقه نحو القمة قبل أن تقصم العتمة ظهر الجرف الصخري. أخذ يتحرك بخطى محسوبة بإيقاع جسده الواهي تاركاً خيطاً من الدماء على الصخور الخشنة لكنه لم يفهم لماذا نسيته الكلاب. ربما كانت تترصده الآن. وكانت الرياح تموج
خضرة المراعي المؤرجة وهاهو بخار الأرض العذراء يملأ صدره الواهن. (كان
المهر قد تسلق القمة الوعرة. رأسه مغموس في الغمام بينما يرفرف عرفه في
الريح وكان صهيله الهائل ينتشر في موجات رجولية فوق وادي توا’toa’ يجلد
منحدرات بلاتا وأحجار سان لورينزو ويجعلها تصطفق). عواء عميق أخذ يهز
أغصان المساء الساكن. إنهم يترصدونه. ثمة جلبة. نباح مبعثر وفوضى تنبعث من الساحات. إنهم لن يأتوا ـ كما فعلوا سابقاً- في بطء شديد وسرية بل يجرون كسحابات متعددة الألوان. انكمش الرمادي متحيراً.. لعاب مرير مزبد يغمر شفتيه كان يسَاقط ويفضض طريق الشفق البنفسجي. وكان النباح يتحدد ويتضح ويتعمق ويمتزج ليصبح سبيكة عواء واحدة عميقة حدادية مأتمية.
كانت الكلاب تنهب الطريق نهباً ولم يكن يتبقى عليه أن يعبر سوى فضاء مغطى
بصخور وعرة. سريعة خطى الكلاب، أما خطاه فما أبطأها!. وبنظرة غائمة
لمح القمة الغارقة في الضياء الدامي. ولم تكن أشجار الجوافة فوق القمة سوى كلاب الظلمات، وها هو العواء أكثر شدّة وحدّة ووحشة. كانت الكلاب تنبح في الريح، وظن أنه يسمع الشهيق والزفير المترددين في الأحنكة السود، ومد الرقبة قانطاً. كان يود لو فرض على الجسد المضنى إرادته في التقدم. إنه بالكاد يستطيع الوقوف على قوائمه المهتزة. ومن السوح والدروب كانت تأتي الريح محملة برائحة غريبة مقززة، رائحة الظهور الجرباء والجلود المهترئة الكليمة. إن عينه التي جعلها الكدُّ واسعة صارت في الشفق أكثر حمرة. ها هو ما زال يتسمع للطنين الرخو للأرجل المضطربة ذاك الذي يضرب أذنيه المائلتين. إنه يشعر بها تمشي على فقار ظهره وتخدش جلده الذابل.
سوف يلحقون به!!.. تشنج غارقاً في رعبه، واستجمع أطرافه خافضاً مؤخرته خاشياً مرتجفاً من البرد، ومن خلفه انفجرت جوقة من النباح النشاز مروعة وكان الليل على وشك أن يخيم، وكانت الكلاب على أعقابه وعلى ظله الممدود.. أدار الرأس يمنة ويسرة قلقاً مرتاباً، وبعصبية نفخ بمنخريه، ورمى بأذنيه نحو السماء وهو ممتد، وكانت عينه جاحظةً تماماً. . أما الكلاب فكانت تتقدم متجهة تدمدم بحدة مبرزة أسنانها المدببة، وأحنكتها التي تشبه المغارات المعتمة، تصطفق ذيولها فتسبب لرائيها الدوار. وكان سلم
من الضياء البنفسجي يتدلى من السحابة الدامية.

هجموا عليه هجمة كلب واحد. صاروا الآن كثيرين كثيرين. من كل الأصقاع جاؤوا ومن كل القرى المحيطة، أنشبوا مخالبهم المعقوفة في خاصرتيه الرطبتين، في ضلعيه الهشين، ومن المساء الذي كان يهبط ازداد لغطهم حتى قصم أذنيه وثقب جمجمته، فأدار الرمادي رأسه هلعاً وبأسنانه المصفرة حاول أن يخلص نفسه من الأسنان الناشبة في خاصرته لكنها كانت متشبثة بهيكله وبجلده الكابي ففقد توازنه وسقط على قائمتيه الأماميتين في غمرة جلبة الحشد البغيض. وعلى الأرض حرك قوائمه بتشنج يائساً محاولاً النهوض لمغالبة عاصفة الظهور الجرباء حتى تمكن أخيراً من الاستناد على ركبتيه.
وبصعوبة اعتدل شيئاً فشيئا متحدياً دهشة الكلاب الغضبى، وصار تنفسه قصيراً أكثر فأكثر. وخفق صدره في إيقاع غير منتظم مشوش، ورغوة داكنة تتدلى من منخريه الصديانين.

مد رقبته اللاهثة وتمطى برأسه الهزيل يحركه تجاه السحب المحترقة ونحو الغروب المتوهج بيد أن جسده الهزيل لم يكن ليتجاوب مع مهماز تطلعاته ولا مع حافر همته. وهاهو الليل المرعب يباغته فوق الدرب.

الكلب الأسود يزمجر في الخفاء وينزلق تحت بطنه وفي غيظ يغرس أنيابه في خاصرته المتورمة وفي لحمه المنتفخ. عضة كاوية طالت قلبه. كل أعصابه، كل ألياف جسده ترتعش. كل هيكله العظمي يصطفق كشجرة جافة تذروها رياح الوادي. مشى بخطوات واسعة مغموراً بالهلع هاذياً متعثراً مدفوعاً بقوة غامضة. توقف دائخاً منهكاً مخفوض الجبين، جسمه مهدد بالعدوان. قوائمه مشلولة. ساكن فوق صخور الجبل. رأسه المتكاسل يتماوج الآن بلا صلابة.
وكانت الريح أقل كثافة تنفخ بهدوء في العشب ذي الحفيف وتعوي في جنبات الجرف الصخري الحمراء. وتموج وبره الأشعث. الرمادي يتشمم الخواء العميق. ما زالت هناك بعض الخطى وينطلق إلى قاع الهاوية منحطماً على صخور النهر الصلبة الزرقاء. الكلاب المسعورة المهتاجة تزعجه. إنها تثقب لحمه الدامي فينزف بغزارة من خاصرتيه تعرقل تقدمه وتود اقتلاعه من القمة. بيد أنه يقاوم ويلتصق ويتصدى. البخار الرطب المنبعث من النهر يستحوذ شيئاً فشيئا على حلقه وصدره وبطنه. البخار يندفق منعشاً كنسغ يرد الروح في أوردته المنتفخة فيمسح على متاعبه ويجعل جسده المتهدم أكثر خفة.

رفع رأسه بعظمة. خيوط غير عادية من النور، ملتفة، محببة، تتنزل من السماء الأكثر قرباً كانت تضيء عينه الغارقة في الظلمات ثم تتساكب مجيدة على وادي توا’toa’ فتأتلق المنحدرات وتتوج الغيوم. ملأ بالهواء المعطر القادم من الوادي والنهر رئتيه، وهكذا شعر بنفسه قويا فوق القمة ومشدوداً إلى السحاب، منفكا عن الأرض وعن أي بؤس، وعن التسكع فوق الدروب بلا هدف. وكانت الكلاب تهتز بحنق فوق جسده الراقد؛ ولكنه بالكاد كان يشعر بها. وبدأ قلبه يدق بعنف، وبدا له أن نباحاً عميقاً قاطعاً
يحطم صدره ويمزق أحشاءه. كل شيء يدور حالياً في عينه المفردة :
الكلاب والقمة والسماء المخضبة. وفي وسط الإعصار كانت تتلألأ مرعبة متصلبة تلك العيون المليئة بالضياء الثاقب المصفر. .عصفة هواء ثلجية آتية من أعماق الرابية البعيدة هبت عليه ونفذت إلى كل عظامه. إحساس رقيق بالسكينة والراحة غمر ببطء لحمه المصلوب وعظامه المنكل بها. إنه يستحضر احتضار النهار ومجيء الليل العميق اللانهائي..
قوس رقبته النحيلة. رفع متحدياً تجاه السحاب رأساً بارز التقاطيع، وأنزل ظل هيكله فوق القمة. تمثال في لون الرماد يتبدى حازماً في غبشة المساء الذي يتلاشى.
وببطء تتكدس الظلال في العين الشاسعة، الظلال الكثيفة المتلاحمة. .. ولم تعد الكلاب تنبح !..
ترجمة: محمد محمد السنباطي
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى