صفحات العالمما يحدث في لبنان

الخجل من الأبجدية

خليل أيوب!
متابعة اخبار محاولات تشكيل الحكومة لا تُشعر المواطن اللبناني بسوى الخجل. خجل يغطينا من الرأس الى القدمين. خجل يجعل متابعة الأخبار السياسية عنوانا للقرف والشعور باللامعنى. طبقة سياسية قررت ان تكون واقعية، فكان ان تمخضت هذه الواقعية عن شكل سياسي غرائبي. انتهت الانتخابات وبدأ تشكيل الحكومة في مكان ما بين الرياض ودمشق! انكشف مستور الطوائف اللبنانية الكريمة، فإذا بها مجرد ادوات لتحويل لبنان “ساحة” للتوافق بين “سين سين”، على حد تعبير رئيس مجلس النواب الكريم، الذي تناسى ان حرف السين قد يكون بداية لكلمة اخرى لا علاقة لها بسوريا او السعودية، هي السيادة. الـ”سين سين” تلغي كل احتمالات الأبجدية، لتضع لبنان في خانة الوصاية من جديد، وتغتال فكرة العمل السياسي الديموقراطي من اساسها.
عجباً – ولا عجب – لأنها الاعجوبة اللبنانية التي لا تتوقف عن ادهاش العالم! لا تستطيع ان تشرح لأحد في العالم، كيف ان الاكثرية لا تستطيع ان تحكم، والأقلية لا تريد ان تعارض الا من داخل الحكومة!
عجبا – ولا عجب – فلا الاكثرية اكثرية ولا الأقلية معارضة، نحن في لعبة الـ”سين شين”، اي في الصراع السني – الشيعي على السلطة، او على اشلاء السلطة. الـ”سين شين” تستدعي الـ”سين سين”. هذا هو جوهر الموضوع، ولا شيء آخر. ما يسمّونه ديموقراطية ليس سوى شكل من اشكال الحرب. وفي الحروب بين الطوائف لا يوجد رابح او خاسر. الطائفة لا تخسر الا حين يخرج حاميها الدولي او الاقليمي من المعادلة. لذا خسرت الميم، بعد فضيحة الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982. خسرت الميم لأن الألف ليست وارثة للاستعمار التقليدي الذي كان يحمي الأقليات. اميركا معنية بالنفط اولا، وبإسرائيل ثانيا. انظروا الى مصير الأقلية المسيحية في العراق، كي تفهموا ان اميركا ليست وارثة الاستعمارين الفرنسي والبريطاني الا في كونها نقيضهما.
ولأن السينين لم تخرجا من المعادلة، على رغم الحرب الطاحنة بينهما في لبنان، التي بدأت مع اغتيال الحريري، فإن تشكيل الحكومة اللبنانية لن يكون له اي علاقة بالمنطق الديموقراطي. منطق تداول السلطة يصح في البلدان التي تملك مجتمعا مدنيا، هنا يصير الصراع حول برنامج سياسي واقتصادي محدد. اما في الـ”سين شين” فلا نجد اي فرق في البرامج، الا اذا كانت حركة “أمل” تملك برنامجا اقتصاديا يختلف عن “تيار المستقبل”، وهذا لا وجود له على الاطلاق، لأن الطوائف تملك برنامجا واحدا هو الاستيلاء على السلطة في وصفها مصدرا لتوزيع الثروة ونهبها.
نتمنى ككل الناس ان ينتهي التأليف بسرعة، لا لأنا نتوقع شيئا، بل كي لا يعود لبنان الى منطق 7 ايار، والى قيام السلاح بحماية السلاح. كما نتمنى اتفاق السينين كي يتوقف العهر الكلامي. شبعنا كذبا، فلا حنا ديموقراطي ولا حنين مقاوم لاسرائيل. اللعبة ليست هنا، بل في مكان آخر. وقديما اكتشف كمال جنبلاط ان لبنان ديموقراطيا سوف يكون شوكة في خاصرة النظام العربي، فمات كي لا يسمح لمنطق الطوائف اللبنانية الهمجية، والتعبير لكارل ماركس، بأن يعيد لبنان الى ابجدية النظام العربي.
اليوم نتفرج على المسرحية. هل يزور الحريري دمشق قبل التأليف ام بعده؟ وكيف يكون شكل العلاقات المميزة بين لبنان وسوريا؟ ام ان العلاقات المميزة هي بين السين الاولى والسين الثانية، على “ساحة” اللام اللبنانية، في انتظار دخول الألفين، الايرانية والاسرائيلية، على خط الابجدية؟ ¶
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى