صفحات ثقافية

‘وقت الصيف’ لكويتزي: اعترافات كاتب هامشي في آخر أجزاء السيرة الذاتية

null
ابراهيم درويش
الحديث الدائر في الأوساط الادبية البريطانية هو عن هوية الفائز في جائزة ‘مان بوكر’التي ستعلن يوم غد الثلاثاء، فمن بين الستة الذين يتنافسون على الجائزة الادبية شخصية روائية مهمة في عالم اللغة الانكليزية وهو الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 2003، كويتزي. وستكون هذه هي المرة الثالثة التي يفوز بها بالجائزة، إن فاز بها غداً، حيث حاز عليها عام 1983 عن روايته ‘حياة وزمن مايكل ك’، وعام 1999 عن روايته ‘عار’، وضمنت سيرته الذاتية الروائية او الجزء الثالث منها ضمن قائمة المرشحين الستة للجائزة. وتبدو حظوظ كويتزي قوية خاصة ان سيرته الجديدة باهرة في سردها ودخولها عالم الكاتب نفسه حيث تصوره كفاشل في الحياة يعاني من نقص وعاجز جنسيا من ناحية كونه ليس فحلا او ذا جاذبية جنسية للنساء التي تعامل معهن او اقمن علاقات معه. والرواية الجديدة تجمع بين كثافة وكآبة ‘شباب’ (2002) وبراءة ‘صبا’ (1999) التي قدم فيها تجربته ببريطانيا التي جاء اليها في ستينات القرن الماضي وعمل كخبير كمبيوتر بشركة ‘اي بي ام’ وتركها بحثا عن مستقبل في الرواية والشعر والعلاقات العاطفية ليعود خائبا الى بلده الذي كان يعيش تحت نظام التمييز العنصري. فيما تشير سيرته، ‘ صبا ‘، الى حياته في الاقاليم والارياف كولد من ابناء الاقلية البيضاء ‘افريكان’ وفي هذا العمل الجديد ‘وقت الصيف’ يعيد الكاتب تجديل حياته بعد ‘وفاته- شبابه ‘ الافتراضية وبطريقة تتخذ اطار الشكل في البحث العام في السيرة ولكنه لا يخلو من طابع السرد الدرامي المكثف والمثير. وسيعلن القاضي جيمس نوتي، رئيس لجنة التحكيم، الفائز في الحفلة التقليدية بقاعة غيلدهول بلندن التي تعقد ليلة غد الثلاثاء ويتنافس مع كويتزي خمسة راوئيين هم : اي اس بيات عن روايتها ‘كتاب الاطفال’ وادامز فولد ‘العجلة المحيرة’ او هكذا تقترح الترجمة الحرفية للعنوان! وهيلاري مانتل ‘قاعة الذئب’ وسيمون ماوير ‘القاعة الزجاجية’ وسارة ووترز ‘الغريب القزم’.

مساءلة الماضي

ما يهم في راوية سيرة كويتزي الجديدة انها تمارس لعبة الاعتراف عبر مجموعة من الشخصيات التي اختارها كاتب سيرة كويتزي المتخيل فينسينت وهي تقدم اضاءات عن حياة وطفولة ومواقف الكاتب حول حياة باتت في ظل النسيان او بخطر التحول لأطلال وذكرى منسية، فالعمل الجديد ليس كما يبدو في الوهلة الاولى عن حياة الكاتب وإن ظلت هذه تراوح وتدور حوله ولكنها عن جنوب افريقيا وبالتحديد عن مستقبل الافريكان الذين يبدو لا مستقبل لهم الا القبول بشروط اللعبة الجديدة التي وضعوها في بلد تغيب اغلبيته عن التحكم بمسار الامور او الرحيل الى اماكن جديدة، امريكا واستراليا مثلا، كما فعل الكاتب، وتقترح ‘وقت صيف’، الرواية، ان على الافريكاني القبول بوضعه ‘المهمش’ نوعا ما والنجاة بما لديه من ادوات للحياة او الرحيل.

اعترافات كاتب هامشي

لكن العمل الجديد هذا هو بمثابة اعترافات للكاتب تضيء لنا جوانب من حياته فما نعرفه عن كويتزي هو ما يتواجد من معلومات قليلة عن سيرته وعائلته وعمله واعماله المنشورة، لكن كويتزي معروف بضيقه من الحياة العامة ومنذ هجرته الى استراليا التي حاز على جائزتها زادت من حالة الغموض حوله، فهو مثلا يتحرج من المقابلات مع الصحافيين والنسخ الموقعة منه قليلة لدرجة انها اصبحت هدفا للقراء، وككاتب فهو مكرس لمهنته التي حلم بها في الطفولة والشباب، مما يذكرنا بمشهد ساخر في روايته ‘شباب’ انه عندما قرر البطل الاستقالة من عمله في شركة ‘اي بي ام’ للكمبيوتر، وهو عمل مهم ومربح بمقاييس ذلك الزمن اي قبل خمسين عاما، لم يجد ما يقوله لمدير الشركة سوى ان العمل لا يحفزه ابداعيا. وعلى خلاف هذا الموقف يقضي يوميا على مكتبه ساعة، على الاقل للكتابة، ويحب المشي وركوب العجلة ويقطع بها مسافات طويلة ولا يأكل اللحم ايا كان، فهو نباتي، واعتذر عن استلام جائزة ‘بوكر’ البريطانية التي منحت له. ومن هنا فما يقدمه لنا كويتزي في هذه الحلقة الثالثة والاخيرة من سيرته مهم من ناحية اطلاعنا على تفاصيل حياة وقبيلة ‘كويتزي’التي تفرق ابناؤها بين مدن جنوب افريقيا وغادروا مزارعهم وهاجروا الى خارج البلاد، وكواحد من اهم الكتاب البيض الناقدين لتجربة التمييز العنصري مع نادين غورديمر، واندريه برنيك وبريتين برتنباخ. والاخير يحضر في الرواية الاخيرة من خلال زيارة سمحت بها سلطات التمييز العنصري ولأيام مع زوجته الفيتنامية الشابة. يبدو كويتزي في ‘وقت الصيف’ عدميا وفي اعلى حالاته من ناحية فقدان الامل بمصير ثقافة قامت خلف الاسوار والقلاع التي عاشوا خلفها واداروا دولتهم البوليسية حتى تظل شعلة الحضارة المسيحية حية لحين ما يعود العالم لحسه وعقله. وما يهمنا في هذا العمل هو طبيعة العلاقة الهادئة على السطح المتوترة في العمق بين الابن العائد من امريكا والاب الارمل في حي من احياء مدينة كيب تاون’ شارع توكاي’.

مقابلات وبحث في المناطق الغامضة

تتخذ الرواية الحالية شكل مقابلات يجريها كاتب انكليزي شاب يطمح من خلال هذه الدراسة عن كويتزي الدخول للعالم الادبي، ويقرر من اجل التعرف على ملامح الابداع عند الروائي دراسة منطقة مهمة من حياته، على الاقل كما يفهمنا الكاتب نفسه وهي سنوات السبعينات من القرن الماضي، عندما كان كويتزي نفسه في الثلاثين من عمره ذلك انه مولود عام 1940. يتخذ الكاتب ـ الرواي من يوميات ونتف منها كتبها جون كويتزي في الفترة ما بين عام 1972 -1975 تمثل تعليقات غير مكتملة على حياته مع والده وعلى اخبار ترد في صحف الاحد عن الوضع السياسي في جنوب افريقيا، ونقول انها غير مكتملة لأن كل مدخل فيها يقول في نهايته ‘سيتم توسيعه من اجل تأكيد مظاهر الاختلاف والتشابه بين ما يراه هو او ما يراه والده الذي يعيش معه’. وبناء على هذه اليوميات غير المكتملة يقوم الكاتب فرانكل بسلسلة من المقابلات مع شخصيات قريبة من الكاتب واحدة منها سيدة اسمها جوليا، متزوجة من رجل اعمال اسمه مارك يسافر دائما وتعيش معه قريبا من حي جون كويتزي الذي يعيش مع والده في بيت متداع. وتبدو علاقة جوليا مع جون قائمة على فعل الانتقام من الزوج الذي خان قسم الولاء لمخدع الزوجية، فهي تندفع نحو جون الذي تلتقيه صدفة في متجر، وهي التي تقوم بإغراء هذا الشاب العائد من امريكا، فاشلا كما يشي السياق، يقوم بمهمة اصلاح البيت المتداعي ويعطي دروسا خاصة للطلاب الضعاف بالانكليزية مقابل اجر قليل. ومن هنا فعلاقة جوليا التي تقوم بحالة من الاعتراف مع الكاتب من طرف واحد، هي كنوع من محاولة التخلص من عبء سنوات من عقدة الذنب نظرا لما تركته هذه العلاقة من اثر عليها. جوليا اندفعت نحو جون الهادئ الذي يقول انه يكتب الشعر والرواية، هو يقدم لها رواية تحت عنوان’ ارض الغروب’ ولا ترى فيه انسانا منفتحا، بل مغلق المشاعر وقدراته على الحب لا تعدل قدرات زوجها الخائن، وهي حينما تندفع نحوه فانها تريد الانتقام من الزوج وهو عندما يندفع نحوها فهو يريد الخروج من نطاق الروتين والكآبة التي يعيشها مع والده العجوز. يبدو كويتزي، الشاب، بدون هدف او طموحات سوى محاولته الكتابة، فهو يقارن مثلا بين وضعه كشاب مجتهد بدراسته وحقق انجازات في المدرسة ووضع جاره الشاب الذي يقود سيارة فارهة ولديه وظيفة مجزية على الرغم من فشله الدراسي خاصة في مادة الرياضيات، فهو يقول في البداية عن زميل المدرسة ديفيد تراسكوت انه موظف ناجح مقارنة مع الكاتب نفسه الذي يعيش حالة من البطالة التي يسميها مثقف عاطل عن العمل. جوليا التي تهرب من البيت بعد اكتشاف زوجها للعلاقة تاركة كل شيء البيت وامنه وابنتها الصغيرة كريسي التي لا تدري إن كانت حية ام لا مقابل حريتها. يفهمنا السارد او جوليا ان الاخيرة عندما تحررت من خيانة زوجها بخيانته وهروبها وتعلمها كانت تتصرف ضمن ظروف سنوات السبعينات التي تعاملت مع الجنس والتحرر الجنسي كعامل قوة للمرأة وما يهم في العلاقة هذه، التي لم تكن متوازنة في كل الاحيان، ان جوليا لم تغفر لجون ما تراه خيانة لها عندما تركها وحيدة في غرفة الفندق وهي التي كانت بحاجة له ولمساعدته في هذه الفترة الحرجة، فهو وإن جاء لاحقا واخذها الى بيته الا انه لم يكن معها في ساعة الحاجة اليه. جوليا وغيرها عندما يتحدثون عن علاقتهم مع جون كويتزي يفتحون ملفات حياتهم ومن خلال تلك الحادثة او العلاقة هذه يطلعنا الكاتب على ظروف الحياة في جنوب افريقيا، هنا السيادة في هذا البلد للصوت الابيض اما السود وهم الغالبية فهم يقبعون في خلفية الصورة.

الاعتراف

يمارس الكاتب، هنا لعبتين الاولى الاعتراف من خلال ابطاله والثانية تجلية ماهية الاعترافات كما في حالة ابنة عمته مارغوت التي تعمل محاسبة في فندق بكيب تاون وتقضي سبعة ايام بعيدة عن مزرعتها وبيتها فيما يعمل زوجها سائقا، يلتقيان معا بنهاية الاسبوع، ووجه عملها انه في ظل الظروف المتغيرة تجد مع زوجها لوكاس ان هناك فرصة للنجاة في الواقع الجديد لجنوب افريقيا ويصبح همّ الحفاظ على المزرعة مقرونا بهمّ البقاء والنجاة كخيار عن الرحيل الذي بدأ ينتشر في قرى البيض المقفرة والفقيرة الآن. اختيار الراوي او كويتزي لمارغوت مهم في هذا السياق لأنها كانت اقرب اليه في ايام الصبا وعلى عادة ابناء الاقارب كانوا يخطبون لبعضهم بعضاً قبل ان تفرقهم الدنيا، ولانها كانت مخطوبة او موعودة له فلديهما الكثير من الذكريات في مناطق الحياة الريفية وقراها. مشكلة مارغوت انها على الرغم من حرصها على قريبها الا انها لا تصدق مشاعره ونواياه من ناحية خططه شراء بيت رخيص في قرية بعيدة عن كيب تاون كي يسكن فيه مع والده الارمل، فهي لا تفهم دواعيه الا من خلال انانية الابن الذي يريد التخلص من والده برميه بقرية هجرها اهلها واصبحت قفرا الا من الذباب، وكما لا تصدق نواياه فهي ترى مع ابناء العائلة ان كويتزي، جون، خائن للعائلة وخارج على تقاليدها عندما فر من البلاد لبريطانيا كما تقول رواية، ولأمريكا في رواية اخرى، للدراسة او العمل وعاد منها صفر اليدين لكي يدعو وبنفاق من اجل العمل والكدح الذي لم يكن البيض يرون فيه الا مهنة البيض. مارغوت التي تضطر لقضاء ليلة في العراء بعد ان حاول جون اصلاح سيارته التي تعطلت على الطريق الى قرية العائلة لأنه اراد اثبات قدرته على العمل اليدوي لها.

الشعر ممقوت

وتسخر مارغوت من مثالية جون المتأخرة التي يرى فيها التمسك بتقاليد الريف من اجل كتابة اشعاره، مشيرة إلى ان الشعر في جنوب افريقيا لا مكان له الآن. ومن خلال مارغوت وقبلها جوليا وادريانا البرازيلية، يطلعنا جون على مصير كئيب لأبناء جلدته في جنوب افريقيا فامامهم خيار البقاء ضمن الشروط الجديدة او الهجرة. وبالعودة الى الطريقة التي يكشف فيها الكاتب عن حياته فإما من خلال الاعتراف او عبر تدقيق نسخة الشهادة التي قدمتها مارغوت لفرانكيل والتي ترد الكثير من اضافات كاتب السيرة عليها، وفي بعض الاحيان يرد الكاتب هنا ان السبب في الزيادة والنقص في الشهادة محاولته اضفاء عامل درامي على مشاهد الحياة في البلد. وانتقاد مارغوت لطريقة العرض فيها تلميح لنا إلى ان الشهادة او الاعترافات المقدمة لنا ليست في النهاية حقيقة ما عاشه الكاتب وهي تظل محط شك. يبدو حرص كويتزي على كتابة مذكراته من خلال نص روائي واختياره لكاتب سيرته هروبا من الطريقة الاعتيادية لكتابة السيرة الذاتية ولكي يوفر على الباحثين مهمة البحث في تناقضات حياته ومسيرته التي على الرغم من نجاحها تحمل في طياتها الكثير من الخيبات، والفشل والخيانة. وبطل العمل الجديد وان كان كاتبه إلا ان اختياره للصورة على الغلاف والتي تظهر كويتزي الشاب بشعره الطويل ولحيته التي تذكر بثقافة السبعينات من القرن الماضي، الهبيز والشارلستون هي محاولة اخرى لخداعنا بان الكاتب يقول الحقيقة كل الحقيقة. تجربة ‘وقت الصيف’ هي إطار آخر عن محاولات كويتزي التجريب وامتحان حدود الكتابة وجر النص لجبهات وابعاد اخرى وهي ما يميز اعماله الاخيرة التي لم يسائل فيها هوية ابطاله ولم يجعلهم فقط يتحدّون ‘خالقهم’، الكاتب هنا، بل يتمردون على المصير الذي رسمه له الكاتب وتجاوزه. وقت الصيف يمارس فيه كويتزي سردا على السرد ويسائل فيه البطل حياته، فهو هنا كويتزي.

غموض الحقيقة والخيال

ومما يعقد مهمة القراءة ان الخطوط بين الحقيقة والخيال اصبحت في هذه الرواية اقل وضوحا. لكن ما يهمنا كقرّاء لكتابات كويتزي انها تتجرأ على النقد وتعترف بقصور التجربة الانسانية وعبثية الحياة وان الكتابة في ظرفها الانساني ليست خالدة وستؤول حتما الى زوال. فالشعر والرواية والمدن والقرى والبشر في نهاية الامر سيدخلون الثقب الاسود ويشوون في حر الشمس. إن كان كويتزي الذي يوصف على انه كاتب منعزل فهو في هذه الرواية ـ السيرة مخادع، لانه يمارس خدعة الكتابة على قارئه. ونحن وإن اشرنا الى أن كويتزي مشغول دائما بالتجريب وتقديم اعمال تستعصي على التفسير كما في ‘عار’ التي تم التعامل معها باعتبارها مجازاً عن جنوب افريقيا التي تحاول التصالح مع تاريخها وبناء حاضرها، فعمله الاخير وثلاثيته هي ايضا تعبير عن رفضه للاطر الشخصية باعتبارها تاريخا. فهو وإن بدا في العملين الاوليين ‘شباب’ و ‘صبا’ يتبع طريقة السرد الروائي بصيغة الـ ‘هو’، ففي هذا العمل بدا منشغلا اكثر بفكرة تتعلق باهتمام الناس به ولماذا ينشغلون بتتبع اخباره ويبدو ككاتب هنا واع لأهمية حجز الناس عنه بتقديم حياته عبر عيون معاصريه او من عرفوه والذين اتفقوا او اختلفوا قدموا صورة انسان عادي هش، يحمل من نوازع الخير والشر والنجاح والفشل، وانه كإنسان يبدو مملا لا يعرف الحياة على طبيعتها، يقاد بسهولة ، مشاعره غامضة ومعرفته من الكتب. ومن هنا نفهم حرص كويتزي على بداية عمله هذا بمقتطفات من يوميات مؤرخة يحمل كل مدخل امكانيات التطوير والتعديل ثم يدخلنا في اطار تحقيق اكاديمي يقوم به فنسينت والذي يعترف انه لم يقابل شخصيته بل يحاول بناء معرفته من زيارة اماكن طفولة وشباب كويتزي ومن عرفوه عن قرب. فجوليا التي اقامت علاقة قصيرة مع جون كويتزي تصفه لكاتب السيرة بالشخص البارد ‘سمكة باردة’ ‘لا حضور جنسيا له’،فيما تصفه مدرسة الباليه البرازيلية ادريانا الذي استأجرته لتقوية لغة ابنتها الانكليزية بانه ‘لا شيء، فقط مثير للغيظ والاحراج’ وتقول انه كان ‘فاترا’ مثل رجل يرقص عاريا ولا يعرف حركات الرقص. في ضوء هذا الموقف المخادع يبدو لنا ان تاريخ كويتزي الحقيقي والمتخيل لا اهمية له، وهنا لا يهمنا ان كانت جوليا وادريانا عرفتا الكاتب مع ان اسم مارغوت قريبته غير بدلا من مقابلتها الحقيقية في ‘صبا’ اغنيس.

سؤال اخلاقي

وما يهم كويتزي في هذا السرد المكثف والمليء بالحياة هو سؤال اكبر اخلاقي الطابع يتعلق بأهميته هو عن غيره وكونه محلا للاهتمام من غيره، الناس العاديين وحتى الرواة نفسهم، والده الارمل، عمته التي تعاني من مرض القلب بل وزوج ادريانا البرازيلي الذي تجبره تغير احوال انغولا على الهجرة لجنوب افريقيا بدلا من العودة لبلده ويعمل في مجال الامن لتقتله عصابة سطو. وعليه تبدو قصص الابطال الذين اخترعهم كويتزي تتحدث بصوت واحد مع انها تتحدى وترفض نسخة روايتها كما لاحظنا عندما تقاطع الكاتب الافتراضي فينسيت معترضة انه يضع في فمها ما لم تقله ويعد الاخير بإعادة كتابة النص بل يتعهد بوضعه امامها حالة اكتماله كي تشطب منه او الجزء المتعلق بها ما تريد. في ‘وقت الصيف’ تبدو العلاقة بين ‘الحقيقة’ التي وردت في’صبا’ التي ركزت على طفولته في منطقة ورسستر وكيب تاون في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي و ‘شباب’ التي تناولت حياته في بريطانيا في الستينات قد محيت في هذا العمل ويبدو من العبث الربط بين حياة الكاتب الحقيقية وحياة كويتزي الشاب في ‘وقت الصيف’ فوالدته فيرا توفيت عام 1985 لكنها في العمل الجديد ماتت منذ زمن بعيد وكان كويتزي الكاتب قد تزوج في1963 وله ابنة وابن توفي فيما بعد، اما في العمل الجديد فهو اعزب ‘لم يخل للعلاقات العاطفية’. ومن هنا فعلينا كما يطلب منا الكاتب النظر الى ثلاثيته التي بدأت بـ ‘صبا: مشاهد من حياة ريفية’ ليس على انها مراوغة من الكشف عن حياته لكنها كرحلة لتطوره الابداعي فنحن هنا معه وهو يكافح بعمل غير مستقر ويقوم باعمال يدوية ويعيش مع والده الارمل ويحاول الاستمرار بالكتابة فما يهم هنا ليس الشاب الفاتر الذي حمل اسم جون كويتزي لكن الكاتب كويتزي نفسه الذي يواصل رحلته الابداعية وتجربته في اختراق العادي والسخرية من الماضي واخيرا يمكن للذين ينشغلون بالتفسير النظر الى انغلاق كويتزي الشاب في العمل هذا كمجاز عن انغلاق جنوب افريقيا وعدم استعدادها لمواجهة حاضرها المقيت من التمييز العنصري في تلك الفترة..
ناقد من اسرة ‘القدس العربي’

SUMMERTIME
By: J. M. Coetzee
Harvill Secker
London/ 2009
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى