حركة التأليف والنشر في العالم العربي:6 دقائق قراءة لكل عربي .. سنويا!
ناظم السيد
بيروت – ‘القدس العربي’ 27809 كتب صدرت سنة 2007 في العالم العربي. هذا يعني أن كل 11950 مواطناً يحظون بكتاب واحد. بعض المؤسسات الأجنبية يقول إن العناوين العربية المنشورة تبلغ نحو 17000 سنوياً فقط. هذا يعني أن العرب مجتمعين ينشرون أكثر بقليل من إيران (15000 عنوان كتاب سنوياً). في المقابل هناك كتاب واحد لكل 500 بريطاني، وكتاب واحد لكل 900 شخص في ألمانيا. هكذا يغدو معدل القراءة في العالم العربي نحو 4 في المئة من معدل القراءة في بريطانيا.
العربي يعطي 6 دقائق من وقته سنوياً للقراءة. نسبة الأمية الحرفية (الفعلية) تبلغ ما يقارب 30 في المئة بين المواطنين العرب. في بعض المناطق العربية تبلغ نسبة الأمية لدى النساء ما يقارب 60 في المئة (بعض الأرياف في المغرب مثلاً)، لكن لتفصيلات هذه الأرقام دلالات أخرى. بحسب التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية الذي أصدرته ‘مؤسسة الفكر العربي’ في العام 2008، تبين أن منشورات الأدب والديانات بلغت 13411 عنوان كتاب، أي ما يقارب نصف الكتب المنشورة سنوياً، في حين بلغت كتب العلوم التطبيقية والنظرية نحو 3337 عنواناً.
وتأتي الرواية – تحديدا- في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً على قلة هذه العناوين وأعداد النسخات. يشكل قطاع الأطفال والشباب 60 في المئة من السكان العرب، في حين أن الإنتاج الأدبي الموجّه إلى هذا القطاع لا يشكل 10 في المئة من مجمل الإنتاج.
هذه بعض الأرقام التي تتعلق بواقع الكتابة والنشر والقراءة في الدول العربية. الأرقام نفسها التي دفعت ‘مؤسسة الفكر العربي’ إلى تنظيم مؤتمر في بيروت (1 و2 تشرين الأول/ أكتوبر) حمل عنوان ‘حركة التأليف والنشر في العالم العربي: كتاب يصدر… أمة تتقدّم’. وقد عقد المؤتمر برعاية رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان، وبالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية، ضمن فعاليات ‘بيروت عاصمة عالمية للكتاب’. ثماني جلسات على مدار يومين حملت عناوين عديدة أبرزها: حركة التأليف وصياغة المشروع النهضوي العربي، حركة التأليف: قضايا وإشكاليات، أدب الطفل، ماذا يكتب العرب؟ كتب ذوي الاحتياجات الخاصة، تجارب عربية ناجحة (‘كتاب في جريدة’، ‘القراءة للجميع’ المشروع الذي تقوم به ‘مكتبة الأسرة’ في مصر، منشورات ‘مركز دراسات الوحدة العربية’)، حقوق المؤلف، النشر بين تحديات الماضي وآفاق الحاضر، التراث والمخطوطات، النشر الإلكتروني في العالم العربي: آفاق وتحديات، نحو سوق عربية مشتركة للكتاب، القراءة أزمة قارئ أم أزمة كتاب؟، دور المكتبات العامة في نشر المعرفة، وماذا يقرأ العرب؟ هكذا توزّعت العناوين على محاور أربعة أساسية: التأليف، النشر، التوزيع والقراءة. وقد انتدب لهذه المهمة كتّاب وباحثون وأكاديميون من بينهم المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز والأكاديمي اللبناني مسعود ضاهر اللذان بحثا في موضوع التأليف وارتباطه بمشروع النهوض العربي، في حين حاضر المفكر المغربي وسفير بلاده في لبنان علي أومليل عن المضامين التي يقرأها العرب اليوم، بينما تحدثت الروائية اللبنانية علوية صبح وأمين عام اتحاد الكتّاب العرب محمد سلماوي عن حقوق المؤلف المهدورة، أما موضوع النشر بين تحديات الماضي وآفاق الحاضر، والذي تفرّع إلى موضوعين: المخطوطات: تراث أمة وتحقيق يحتاج إلى ضوابط، والنشر الإلكتروني، فقد حاضر فيه أمين عام جائزة الملك فيصل العالمية عبد الله العثيمين، ورئيس الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية في مصر محمد صابر عرب، ومدير مركز المخطوطات في مكتبة الإسكندرية الروائي يوسف زيدان، ورئيس اتحاد كتّاب الإنترنت العرب سابقاً محمد سناجلة وخبير المعلوماتية في مصر نبيل علي والباحث المصري وحيد عبد المجيد (‘الهيئة المصرية العامة للكتاب’). وضمّت الجلسة السادسة التي حملت عنوان ‘نحو سوق عربية مشتركة للكتاب’ شوقي عبد الأمير، ومعتصم سليمان من جامعة الدول العربية، ومدير ‘دار نلسن’ الناقد سليمان بختي، وأمين عام اتحاد الناشرين العرب بشار شبارو. وتحت عنوان ‘أزمة قارئ أم أزمة كتاب؟’ حاضر مدير مركز الدراسات الفلسطيني في لبنان صقر أبو فخر، والناقد السعودي عبد الله الغذامي، وعلي بن سليمان الصوينع ومود أسطفان وأمين عام اتحاد الكتّاب العرب سابقاً السوري علي عقلة عرسان والكاتب الصحافي رئيس تحرير جريدة ‘أوان’ الكويتي محمد الرميحي. وقد أثار المؤتمرون في هذه الجلسات عدداً من القضايا البارزة التي تعوق قضية الكتابة والقراءة والنشر في العالم العربي، بدءاً بالرقابة والمنع، مروراً بالاستقلالية المادية للكاتب، والبيروقراطية في عملية انتقال الكتاب من بلد إلى آخر، وعدم المهنية في التسويق، وإهمال حقوق المؤلف، والوضع الاقتصادي الذي قد يكون عائقاً أمام شراء الكتاب من قبل فئات اجتماعية عديدة، ودور الدولة في دعم الثقافة من غير أن ترهن النتاج الثقافي بشروط أمنية أو أيديولوجية أو سياسية أو دينية، وأثر الأمية، وتأثير الإنترنت (البعض رأى- كمسعود ضاهر- أن اليابان أكثر الدول استخداماً للإنترنت لكن روايات هاروكي موراكامي تصل طبعاتها إلى مليون نسخة) وغير ذلك من القضايا التي تتعلق بالنشر مباشرة أو بطريقة غير مباشرة.
وكان مؤتمر ‘حركة التأليف والنشر في العالم العربي: كتاب يصدر… أمة تتقدّم’ الذي أقيم في فندق فينيسيا افتتح وسط حشد ثقافي وسياسي وإعلامي، في حضور وزير الثقافة اللبناني تمّام سلام ممثلاً رئيس الجمهورية. واستهل حفل الافتتاح الأمين العام لمؤسسة الفكر العربي سليمان عبد المنعم الذي ربط ‘التنمية الإنسانية المستدامة في أي من جوانبها الاقتصادية والتكنولوجيا والاجتماعية’ بما أسماه ‘ثقافة المعرفة’. بعد ذلك تحدث رئيس ‘مؤسسة الفكر العربي’ الأمير خالد الفيصل مباركاً لبيروت اختيارها ‘عاصمة عالمية للكتاب’، الأمر الذي رآه ‘استحقاقاً أصيلاً لهذه المنارة الثقافية العربية كواحدة من أنشط المدن في مجالات صناعة الكتاب ونشره وتوزيعه، وتوفير فضاءات واسعة من الحرية في هذا الصدد’ مشيراً إلى أن تقارير المؤسسة عن حال الكتابة والنشر والقراءة في العالم العربي، تؤكد ‘التدني المخيف الذي تشهده حركة التأليف والنشر في الساحة العربية’، رابطاً بين ‘التطوير والتحديث’ من جهة وبين ‘المعرفة’ من جهة أخرى.
بدوره أشار الوزير تمّام سلام في كلمته التي حيّا فيها الفيصل و’مؤسسة الفكر العربي’، إلى أن المؤتمر ‘يأتي في سياق منطقي وتوقيت مميز. لقد أفسح التقرير (تقرير التنمية الثقافية في العالم العربي) في المجال للانتقال من مرحلة الوصف والتشخيص إلى مرحلة النقد والاستشراف والتخطيط’، رابطاً بين ‘التربية’ التي تحتاج إلى تطوير وبين ‘الإنماء الثقافي والتفاعل الإنساني المتكافئ اللذين يحققان العملية التغييرية’، ليختم كلامه بالأرقام المخيفة عن واقع القراءة في العالم العربي.
واختتم المؤتمر أعماله بطاولة مستديرة تحت عنوان ‘شركاء من أجل الكتاب العربي’ ضمّت ‘مؤسسة الفكر العربي’، ‘وزارة الثقافة اللبنانية’، ‘مؤسسة محمد بن عيسى الجابر’، ‘اتحاد الكتّاب العرب’، و’اتحاد الناشرين العرب’. وقد خلصت هذه الجلسة إلى عدد من التوجهات والتوصيات والمبادرات أبرزها.
أولاً: تشجيع التأليف النوعي للكتب الهامة ذات الارتباط الوثيق بقضايا المجتمع العربي وتحديات العصر وتقديم الحوافز المادية والأدبية لأهم الكتب التي تصدر سنوياً.
ثانياً: الاهتمام بحركة التأليف والبحث التي تسهم في بلورة وصوغ مشروع نهضوي عربي وتشجيع الأعمال الجماعية الميدانية في هذا المجال.
ثالثاً: تهيئة المناخ الإبداعي للشباب في مجال التأليف بتقديم الدعم المناسب لإصدار العمل الإبداعي الأول.
رابعاً: أهمية تنسيق الجهود والمبادرات لتشجيع انتشار الكتاب العربي وإزالة المعوقات الجمركية والبيروقراطية التي تحد من تدفقه وتداوله عبر الحدود العربية.
خامساً: تعزيز التكامل الاقتصادي العربي على صعيد اقتصاديات الكتاب والدعوة إلى إنشاء سوق عربية مشتركة للكتاب.
سادساً: دعم وتنسيق الجهود العربية الرسمية والخاصة والأهلية في مجال حماية المخطوطات وأهمية إصدار فهرس شامل للمخطوطات العربية وضرورة إصدار تشريعات تحمي المخطوطات العربية.
سابعاً: تعزيز موقع الكتاب الرقمي، وتنسيق شتى المؤسسات العربية العاملة في هذا المجال، وأهمية كفالة حقوق المؤلف المادية والمعنوية في ما ينشر على شبكة الإنترنت، وإصدار معجم عربي شامل للمصطلحات والمفاهيم في مجال المعلوماتية.
ثامناً: دعم الجهود والمبادرات الكفيلة بحماية حقوق الملكية الفكرية للكتاب والدعوة إلى ميثاق أخلاقي يضمن الحقوق المتبادلة للمؤلفين والناشرين معاً.
تاسعاً: الاهتمام بدعم المكتبات العامة وتطويرها بما يتناسب مع العصر الرقمي والوسائل الحديثة لتدفق المعلومات والأفكار، ودعم وتعميم المكتبات المتنقلة في القرى والأماكن البعيدة، تجسيداً لمبدأ القراءة للجميع.
عاشراً: الإشادة بالتجارب والمبادرات العربية الناجحة في مجال التأليف والنشر التي أسهمت في تقديم الكتاب مجاناً أو بأسعار زهيدة، والدعوة إلى تطوير هذه التجارب وتعميمها.
وبعدهذا الإعلان، عقد الأمير خالد الفيصل والوزير تمام سلام مؤتمراً صحافياً مشتركاً، شدد فيه سلام على ما توصل إليه المؤتمر في أهمية الشراكة والعمل الجماعي، بينما أعلن الفيصل عن عزم المؤسسة إطلاق جائزة للكتاب العربي بعنوان ‘جائزة أهم كتاب عربي’، ومقدارها 100 ألف دولار، بدءاً من السنة المقبلة، في مناسبة الذكرى العاشرة على إنشاء المؤسسة.
هكذا يكون مؤتمر ‘حركة التأليف والنشر في العالم العربي: كتاب يصدر… أمة تتقدّم’ أبرز حدث أقيم حتى الآن ضمن فعاليات ‘بيروت عاصمة عالمية للكتاب’، تحديداً لجهة ارتباط هذا الحدث بالكتاب وما يتصل به من قضايا ما بين طرفيه: الكاتب والمتلقي، أو حدّيه: التأليف والقراءة.
القدس العربي