جائزة ‘بوكر’ تذهب إلى أطول عمل في تاريخها ‘قاعة الذئب’ لهيلاري مانتيل: رواية عن ثائر في بلاط هنري الثامن
ابراهيم درويش
لندن تعيش الآن حركة ثقافية ونشاطات تسم عادة موسم الخريف، مواسم ازياء ‘اسبوع الازياء’ اسبوع الفن المعروف بفريز، وموسم الجوائز الادبية والفنية حيث تم الاعلان عن الفائزة بجائزة ‘مان بوكر’ (وهي جائزة تأسست عام 1969) والتي فازت بها الراوئية المعروفة هيلاري مانتل عن عملها التاريخي حول صعود توماس كرمويل في بلاط هنري الثامن. واختيرت الرواية من بين ست روايات لكتاب معروفين وبعضهم يرشح للمرة الاولى للجائزة. وعادة ما تثير الجائزة انتقادات في الوسط الادبي حول طبيعة الاعمال المختارة او اللجنة المحكمة لكن لجنة العام الحالي والفائزة التي اعلن عنها حظيت كما يبدو بإجماع من النقاد، غير أن سوق الكتب الذي سيستفيد من الاعلان عن الفائزة اظهر اصواتا قال فيها ان الروايات المرشحة لا تمثل الا جزءا بسيطا من سوق الكتاب…
وتاريخ ‘مان بوكر’ يظهر ان الفائز الذي يحصل على مبلغ مجز ومبيعات جيدة لا يعود للاضواء كثيرا وفي احيان اخرى لا يبيع كتابه الكثير فرواية العام الماضي ‘النمر الابيض’ لم تبع إلا نصف مليون نسخة مقارنة مع اعمال شعبية وذات طابع خيالي او سري ديني مثل عمل دان براون الاخير الذي تجاوزت مبيعاته الـ 800 الف نسخة. ومهما كان الامر فجائزة بوكر وإن مثلث الادب العالي واحسن ما يختاره النقاد الا انها لا تقوم بتحديد مذاق القراءة لدى القراء وهي في النهاية معيار عن الاعمال الجيدة وحالة الادب الناطق بالانكليزية، فهي لا تمنح لكتاب بريطانيين ولكنها معهم تمنح لكتاب الكومنولث. وبالعودة للرواية الفائزة ‘قاعة الذئب’ لهيلاري مانتيل، فقد كانت الرواية المفضلة من بين الذين قامروا عليها في محلات القمار، وتعتبر الرواية الاطول في تاريخ الجائزة اذ ان قراءتها تحتاج الى جهد وتعب ولكنها ليست مملة، اذ تبلغ صفحاتها 650 صفحة. ولم تجمع لجنة التحكيم كلها على مانتيل فقد انقسموا بينها وبين رواية اخرى لم يتم الكشف عن هوية كاتبها، وفي النهاية تم اختيار مانتيل عبر اقتراع سري ادى لترجيح كفتها 3- 2 . وكانت جائزة هذا العام قد رست على اعمال روائية لكل من اي اس بيات والحائز على نوبل، الجنوب افريقي جون ماكسويل (جي ام) كويتزي وكلاهما حصلا على بوكر في السابق وفي حالة كويتزي مرتين (1983 و 1998) اضافة الى سارة ووترز وسيمون ماوير وادم فولدز. ووصفت الفائزة المناسبة بانها مثل تحطم قطار ارسلها للتحليق في الهواء. وذكرت الكاتبة الحضور بانها ستنفق قيمة الجائزة على ‘الجنس والمخدرات والروك اند رول’، كانت تمزح ولكنها اعادت للحضور ذكريات السبعينات المتحررة والتي اشارت اليها الرواية المنافسة لها لكويتزي ‘وقت الصيف’. وفي إلماح آخر الى الازمة الاقتصادية قالت ان قيمة الجائزة (50 الف جنيه) ستستخدمها لدفع ثمن بيتها ‘الرهن العقاري’. ووصف رئيس لجنة التحكيم جيمس نوتي عملية اختيار الرواية الفائزة بأنها عملية صعبة ولم يتم الاجماع فيها على اسم واحد، لكن في النهاية وافق الجميع على الاختيار ‘لم يسل دم على السجاد’ كما قال. ووصف الرواية بانها عمل جميل وخارق في سرده حيث تم الحكم عليها من خلال الحجم، وصراحة السرد وجمالية المشهدية التي اختارتها لتدور احداث الرواية فيها. وتأتي اختيارات اللجنة والمراقبين ممن يقامرون على الاسم الفائز عادة على الاسم المعروف خلافا للتوقعات وحجم الرواية لم يكن يلعب في صالح الكاتبة ويذكر هذا برواية يان مارتل التي فازت عام 2002، ‘حياة باي’، حيث باع كاتبها مليون نسخة في بريطانيا وحدها. وحتى فوزها بلغت مبيعات الرواية الفائزة 48 الف نسخة وقد اعترفت مانتيل ان العمل كبير ويحتاج لصبر من اجل اتمام قراءته. ومانتيل (57 عاما) من دربي شاير ليست جديدة على المشهد الروائي فهذه هي روايتها الحادية عشرة والاولى التي ترشح لمان بوكر ولكنها كانت عضوا في لجنة التحكيم قبل 19 عاما عندما تم منحها لبيات، منافستها هذا العام. وقضت مانتيل خمسة اعوام في انجاز الرواية الجديدة. وقالت ان خبرتها كواحدة من محكمي اللجنة في السابق جعلتها تتوقع حدوث اي شيء في اللقاء الاخير من اللجنة وان توقعات اصحاب محلات القمار والنقاد قد تلعب ضدّها لكن اصحاب المكتبات وباعة الكتب الان يتوقعون ان تحقق نجاحا في سوق الكتب. ونقل عن عدد من اصحاب المتاجر قولهم ان العمل، رغم طوله، تجاري ويتوقعون ان يتحول الى اكثر الكتب المبيعة لديهم. وتعمل مانتيل على انجاز عمل مكمل للرواية الحالية يحمل عنوان ‘المرآة والنور’ والذي تحاول فيه تقديم الاعوام والايام الاخيرة من حياة الثائر كرومويل التي تنتهي بإعدامه عام 1540. وكشفت مانتيل ان فكرة كتابة رواية تاريخية عن كرومويل جاءتها قبل 30 عاما، حيث تقول انها ظلت تحمل جذور العمل معها طوال هذه المدة وترددت في كتابة اول سطوره. وقالت ان كتابها هو من ناحية دراسة في علاقات السلطة، تم تقديمها عبر سرد روائي لحياة كرومويل، ابن الحداد الذي اصبح مصدر قوة في بلاط الملك هنري واصبح فيما بعد مهندس الاصلاح. وترى ان سيرة كرومويل هي في النهاية تعبير عن مذهب ميكافيلي من ناحية الصعود للسلطة والحصول عليها واستخدامها وخسارتها. وعلى الرغم من طولها امتدح النقاد الطريقة التي كتبت فيها بحيث جعلت من قراءة التاريخ امرا جذابا. وبالاضافة لعملها تم ترشيح رواية بيات ‘كتاب الاطفال’ وكويتزي ‘وقت الصيف’. وليست هذه هي المرة الاولى التي تحصل فيها مانتيل على جائزة ففي رصيدها جوائز عديدة وكتبت اولى رواياتها عام 1983 ‘كل يوم هو عيد الأم’.
يذكر ان جائزة العام الماضي منحت الى الهندي الصحافي ارافيند اديغا ‘النمر الابيض’ وفي عام 2007 الى آن اينرايت ‘الاجتماع’ وقبلها عام 2006 الى الهندية كيران ديساي ‘ارث الفقدان’ وفي عام 2005 الى جون بانفيل ‘البحر’. وما دام موسم الجوائز قد بدأ فمن المتوقع ان يعلن اليوم الخميس الفائز بجائزة نوبل للاداب فيما سيعلن لاحقا عن الفائز بجائزة تيرنر للفن المعاصر وينتظر ان يفتتح مهرجان لندن للفيلم موسمه لهذا العام الشهر القادم.
القدس العربي
باحة الذئب لهيلاري مانتيل: الفائزة بجائزة “بوكر” 2009
الصور غزيرة
والجمل تتلكأ في الذهن
“انت جيّد بقدر جودة آخر جملة كتبتها”. تلك كانت امثولة الروائية هيلاري مانتيل بعيد الافصاح عن عناوين اللائحة القصيرة لجائزة “بوكر” الأدبية قبل نحو الشهر، حيث استبقيت روايتها “باحة الذئب”. والحال ان اللفتة صوب نوعيّة نصها تراءت ملحّة انذاك، فيما استحوذ مؤلفها التخييلي على القسط الأوفر من المراهنات الأدبية في انكلترا. كانت المحاججة ضرورية للقول ان الانتشار الشعبي لا يعادي الملكة الأدبية، وان الاستسهال لا يفسر تدافع القراء دوما. ولا ريب في ان شرحاً من هذا القبيل سيتكرّر ويتشعب بعد اعلان فوز الروائية الانكليزية بـ”بوكر” لهذه السنة.
تجاوزت مانتيل قائمة من ستة مكتب شملت ثلاث نساء هن الى مانتيل، اي. اس. بييات وسارة واترز. كانت تلك لائحة سطا عليها الشكل التقليدي، وبالكاد سادت فيها نفحة من حيلة وتضليل. وفيما كانت “صيف” دجاي ام كويتزي، وهي تمرين في جلد الذات، الاستثناء المؤثر والغريب الى حد الهذيان، فإن “باحة الذئب” المصروفة للمكيدة وسمات الشخصية، هي التي فازت في المحصلة.
تستقر الرواية في حاشية الملك هنري الثامن وتبحث في الصراع المديد واللاهث الذي بدأه هذا الرأس المتوّج بغية التخلّي عن كاترين الأراغونية والزواج بآن بولين. غير ان “باحة الذئب” تصير قصة توماس كرومويل، ابن الحداد الذي صار بيدقا يُسقط البيادق الاخرى في لوحة شطرنج تعجّ بالنبلاء. الرواية قطعة في جدارية تاريخية تتطور في كنف حاشية الملك وتتركز على شخصية كونت اسيكس، توماس كرومويل، حيث تقبض مانتيل على مفاتيح حقبة، وتتصورها على نحو متحفّز، وتتمهل عند مثال تاريخي طافق الحضور ومراوغ. لحظة نلتقي كرومويل للمرة الأولى بين دفتي الرواية، نراه ممددا على الارض، مضرجا بالدم، بعدما فرغ والده والتر السكير للتو من ركله. الرواية تبدأ فعليا هنا، من جملة لمانتيل: “يتقدّم إنشا بعد الانش زاحفا، ثم فاقدا للوعي محاولا المضي، خارج الحياة التي ولد في كنفها”.
“باحة الذئب” رواية ضخمة ومكتظّة الى حد احتلال جردة الشخوص وحدها خمس صفحات. تتبعثر التفاصيل بين الذي كان وما سيكون، محدثةً جلبة، لترسو احيانا في ميناء الماضي على نحو مشوّش. تتم رواية تجربة كرومويل في اضاءات سريعة، في مقتطفات ناعسة وزلقة في آن واحد، تزيد الى حسّ الرواية الحلمي. وفي حين تعيد مانتيل ترميم التاريخ بتأنٍّ، يبقى عالمها غير دارج، عالم يتخلله موت كثير. بيد ان هذا لا يعفي الرواية من حيوية لغوية وحسية، حيث تغزر الصور والجمل المتلكئة في الذهن.
انه في كل حال، لمنحى مرتقب في دنيا مانتيل التي حصدت خلال عقدين صيت المشرّحة الأنيقة للرياء والوحشية. بدءا من الثورة الفرنسية في “مطرح الأمان الكبير” (1992)، جاءت الانكليزية بمؤلفات دقيقة الاخلاقية ودقيقة اللاأخلاقية ايضا. مؤلفات رفضت الخجل مما يدور في قاع الحياة، وحيث وجدت مانتيل في الكارثة جذرا من فكاهة كئيبة، في حركية لدنة بين الضحك والمأساة.
الاعلان عن “بوكر” 2009 ذريعة للعودة الى فحوى جائزة تجاوزت عقدها الرابع. في السنين العشر الأولى من حياة هذه الجائزة الادبية التي ولدت في نهاية الستينات من القرن المنصرم، على اثر مباراة غولف، على ما يتردد، اتخذت القرارات في حجرات نوادي لندن التائهة في الدخان وفي العزلة. كان مسموحا مذّاك، وفق ناموس الجائزة، الميل صوب الاقلام المتحدرة من “كومونولث”، الهند واوستراليا ونيوزيلندا ونيجيريا وسواها، غير انه تم نسيانها وتناسيها الى حين انخراط التلفزيون في الحدث الادبي جاعلا منه حدثا اعلاميا. اليوم، في ظل البريق والضوضاء، ثمة احتمال في ان يقودنا اي تشخيص لحال “بوكر” الصحية، نحو اعتماد خلاصة كاتبة التشويق نيسي جيرارد التي انتهى بها الامر الى اعتبار هذه المناسبة “حماقة مهيبة”، او ربما الى ابقاء حكم الروائي والباحث جوليان بارنز في شأن مقارنة الجائزة بـ”ضربة بينغو انيقة”.
اياً تكن التصنيفات والتعريفات، لا لبس في ان “بوكر” 2009 عادت لتتكوّر على انويتها، في حظيرتها: الجزيرة الانكليزية.
ر. ر.
النهار