اليومُ الأَغَرّ
وهيب أيوب
الأول من تشرين أول من العام 2009، لن يكون يوماً عابراً في تاريخ الجولان وتاريخ مجدل شمس على وجه الخصوص. لقد فتّشت عن عنوان يناسب هذا اليوم، فلم أجد أفضل من تسميته باليوم الأغرّ.
والأغرُّ: الأبيض الحَسَن من كل شئ فإن الغرّة من كل شئ، أوله وأكرمه، والغرّة من الهلال: طلعته، ومن الرجل وجهه، والفرَسُ الغراء، هو الأبيض في جبينها، وكل ما بدا من ضوءٍ أو صبحٍ فقد بدت غرّته ومن القوم شريفهم وسيّدهم. والمؤنّث، غرّاء، فمن كانت من النساء غرّة فهى السيدة الشريفة.
هذا اليوم الأغرُّ الذي أُعلن فيه عن بدء التنفيذ الفعلي لمشروع أراضي الوقف والذي دام انتظاره تسع سنوات، كان بمثابة الخيط الدقيق الواهي الذي يفصل الليل عن النهار والظُلمةِ عن النور، لهذا حقَّ أن يكونَ اليوم الأغرّ، ولو فشل مُراد هذا اليوم لكان يوماً أمرّ.
ولن يكون شقُّ الطرقات في الجبال وبناء المساكن في المحاضِر، أقل أهمية من إعادة شقِّ طرق التواصل وبناء الثقة والمحبة بين أبناء هذا المجتمع في كلِ محضرٍ ومجلس.
ولو لم يكن خلف هذا اليوم الأغرّ، شيوخ ورجال وشباب ونساء غرّان، لما فُزنا في هذا اليوم ولا فاز بنا.
فـ على قدرِ أهلِِ العزمِ تأتي العزائمُ وتأتي على قدرِ الكِرامِ المكارِمُ
سوف يُخلَّد هذا اليوم الأغرّ في ذاكرة الأجيال القادمة، من أبناء وأحفاد مجدل شمس، وسيذكرون هذا اليوم المجيد كلّما رجعوا إلى بيوتهم وناموا على فراشهم وتناولوا القهوة على شرفات منازلهم القائمة على أرضهم وعلى تراب بلدتهم ووطنهم.
هذا اليوم لن يشابهه يوم آخر، ولن تجاريه فرحة أُخرى، إلا اليوم الذي يتسلّم فيه كل شاب في مجدل شمس قطعة أرضٍ يبني عليها حلمه، ذاك اليوم فقط هو الذي سيغار منه اليوم الأغرّ.
ما أتمناه على لجنة الوقف وجميع القائمين على المشروع والداعمين له عن قرب، أن يُحافظوا على رباطة الجأش وحسن التخاطب مع كل الأخوة المعنيين ممن يتم الحوار معهم حول بعض الأراضي، وأن نبتعد جميعاً عن الألفاظ الجارحة أو المُهينة لأي كان مهما بلغت الصعوبات، ثم لا نرفع شعارات استفزازية تُعيق المشروع ولا تُقدّم له خدمة. فأولاً وآخراً نريد إتمام المشروع دون أن نغبن حق أحد، لا في مُلكه ولا في كرامته.
فما يجب تحقيقه من المشروع هو بُعدٌ آخر لا يقلُّ أهمية عن توزيع الأرض، ألا وهو إعادة الثقة واللحمة والتواصل التي كدنا نفقدها في مجتمعنا، فهذه فرصة لضرب عصفورين بحجرٍ واحد، فلا يَغيبُ أو نُغيّب عن بالنا هذا الأمر.
فقد رأينا كيف أن بعض الإشكالات التي واجهت عمل “البياكر” في شق الطرقات يوم السبت الفائت 3/10/2009 قد حُلّت بسهولة وبطريقة التعاطي التي تمّت لحلها، وقد تجاوب الإخوة المعنيون بالأمر وأبدوا تفهّمهم وتعاونهم، وأنا على ثقة بأن الأسلوب والطريقة في التعاطي في هذه الأمور تقطع أكثر من نصف الطريق، خاصة وأن جميع المعنيين بالأمر قد اقتنعوا أن المشروع هو مطلب حقٍ لأبناء مجدل شمس ولا سبيل أو منطق لرفضه أو معارضته.
وهنا نأمل من جميع الأخوة الذين كان لهم بعض التحفظات بما يخص بعض الأراضي المطلوب تسليمها للجنة الوقف، أن يتجاوزوا ما وقع من سوء تفاهم أو إساءات من البعض، وأن يبادروا بأنفسهم بطوي الصفحة والانخراط بشكل فعّال لإتمام المشروع بنجاح، وسوف لن ينسى لهم مجتمعهم تعاونهم وتسهيلهم عمل اللجنة، وأنا واثق من تجاوبهم.
إن ما حصل في الأول من تشرين “اليوم الأغرّ” والثالث منه يوم السبت، وإذا ما تم سير المشروع كما هو مخطّطٌ له واستعادة التكاتف لهذا المجتمع في مجدل شمس والجولان عامة، سيكون هذا بمثابة إنذار لسلطات الاحتلال الإسرائيلي وما يُسمى دائرة الأموال المتروكة، بأنها، لو سوّلت لها نفسها بالاعتداء على أرزاقنا وأراضينا، أو إعادة محاولة اقتلاع أشجارنا كما فعلت سابقاً، فإنها ستواجَهُ بهذا الموج العارم من البشر في كل قرى الجولان وعلى كل سنتيمتر من الأرض، ومهما كلّف الثمن.
لهذا أيها الأخوة والأهل جميعاً، علينا أن نُقدّر الأمور بأفضل ما يمكن تقديرها، وأن ننظر جميعاً لهذا المشروع، كونه منعطفاً تاريخياً هاماً في حياتنا ووجودنا، وبقائنا موحّدين متماسكين، فقد تواجهنا مستقبلاً أيام صِعاب، لا ينفع فيها إلاّ توحّدنا، فلا يستهينن أحد بحجم الأمور وأهميتها، أو ينزلق لسوء التقدير.
خاص – صفحات سورية –