فولكلور مصري
ساطع نور الدين
باتت مناهضة التوريث نوعا من الفولكلور السياسي الذي يتسلى به الأشقاء المصريون وتستخدمه أحزاب المعارضة وتياراتها لسد أوقات فراغها، التي زادت في الآونة الأخيرة على الرغم من ارتخاء قبضة السلطة واتساع هامش الحريات السياسية والإعلامية، وقبلها الاقتصادية، في واحدة من أغرب مظاهر العلاقة بين الحاكم والمحكوم في مصر.
بالامس أطلق معارضون مصريون حملة جديدة ضد التوريث، من مقر حزب الغد وبدعوة من رئيسه أيمن نور الذي أكسبته السلطة نفسها بعض الشعبية عندما زجت به في السجن لثلاث سنوات إثر منافسته الرئيس حسني مبارك على الرئاسة في الدورة الأخيرة في العام 2005، والذي أهال عليه الأميركيون بعض الشرعية عندما طالبوا أكثر من مرة بإطلاق سراحه كدليل على حسن نوايا مبارك وعلى أن حكومته تحترم حرية الرأي وحقوق الانسان.
ومنذ ذلك الحين تحول ذلك المعارض المتواضع، الى مؤشر غربي لتقييم أداء النظام المصري، أكثر من كونه معيارا جديا لتقدير طبيعة الحياة السياسية المصرية. وهو بهذه الصفة الجديدة، التي تشبه المزحة، صار دليلا يعتمده بعض المصريين وبعض الأميركيين ايضا لاستكشاف لغز الموقف الأميركي والغربي عموما من مسألة توريث الحكم من الرئيس مبارك الى نجله جمال.
وعلى الطريقة اللبنانية في التحليل السياسي، يمكن القول إن انطلاق الحملة الجديدة ضد التوريث من مقر حزب الغد هو بمثابة رسالة أميركية جديدة تعارض انتقال الحكم الى جمال مبارك، مع أن واشنطن أكثر جدية في التعامل مع هذا الموضوع الحساس، ومع أن القاهرة أكثر دراية بأيمن نور وحجمه السياسي.. ومع أن ما جرى في المقر مساء الاربعاء يتخطى فكرة إعادة تظهير صورة المرشح المنافس للرئيس مبارك، اذا جرت معركة الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر في ربيع العام 2011.
حضر إطلاق الحملة مندوبون من الإخوان المسلمين وحركة كفاية وحزب الوفد والناصريين والاشتراكيين والشيوعيين وغيرهم من أحزاب تحت التأسيس. وغابت رموز حزبية رئيسية عن تلك المناسبة التي بدت كأنها مناسبة اجتماعية أكثر مما هي محطة سياسية.. مثلها مثل جميع المؤتمرات والاجتماعات التي تنظمها المعارضة المصرية، ولا تستقطب ذلك الجمهور الذي ضاق ذرعا بالحكم وما زال يترقب فكرة جديدة تخرجه من المأزق.
التمثيل الواسع للمعارضة في اللقاء، لا يكفي وحده للتعبير عن مزاج الشارع المصري الذي يدرك أن التوريث لم يكن في أي يوم من الايام فكرة جدية، خصوصا بعدما تضاءلت سلطة مبارك الاب نفسه وبات أقرب الى حاكم رمزي، يصرف بعض الاعمال البروتوكولية وينتظر حلول موعد تنفيذ السيناريو التونسي الذي اعتمد مع الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في أيامه الاخيرة في السلطة، ويترقب لمعرفة اسم المسؤول العسكري (على الارجح) الذي سيقرع بابه.. لكي يوصيه بابنه جمال، الذي لن يكون حظه مثل حظ سيف الإسلام القذافي الذي فتح له والده أبواب الخلافة قبل أيام.
مع ذلك، فإن فولكلور مناهضة التوريث يبقى مسليا ومفيدا الى حد بعيد.
السفير