الدور التركي في المنطقةصفحات العالم

جرس تنبيه

ساطع نور الدين
كالعادة امام اي حدث مهم، يجري الانكفاء الى التاريخ اكثر مما يتم التطلع الى المستقبل، وتتحول إزالة الحدود المشتركة بين سوريا وتركيا الى عملية انتقامية من سقوط السلطنة العثمانية والخلافة الاسلامية، او من معاهدة سايكس ـ بيكو، او حتى من حلف شمالي الاطلسي، او ربما من قيام دولة اسرائيل..
الحدث استراتيجي، يجيز اجراء بعض المقارنات التاريخية بين دول انبثقت من امبراطورية واحدة، وخاضت او كادت تخوض حروبا حدودية، وتنازعت على الاستقلال والسيادة على بعض الاقاليم او الاعراق او الطوائف المشتركة، قبل ان تتوصل الى قرار عقلاني واع يقدم المصالح السياسية والاقتصادية الراهنة على النزاعات الجغرافية او العرقية او الدينية القديمة، ويفتح افقا للشعوب التي غالبا ما سجنت داخل اسوار واسلاك مكهربة او حتى وراء حقول الغام زرعت في النصف الاول من القرن الماضي، ولم تنبت سوى الخوف والضياع.
الاتفاق السوري التركي على فتح الحدود المشتركة، على المثال الاوروبي، يطوي الكثير من صفحات الماضي المؤلم بين البلدين وبين الشعبين، والتي لا يمكن تعدادها او حصرها في قرن واحد، او في سياق سياسي او تاريخي موحد. فهي تحتوي على كل ما يمكن ان يخطر في البال من حروب وصراعات وانشقاقات وظلامات بين دولتين، وهي ظلت حتى الامس القريب، قبل عشر سنوات، سببا محتملا لان ينتهك احد الجيشين الحدود المشتركة ويشعل حربا اقليمية كبرى.
لكن الصفحات الاهم هي تلك التي يفتحها ذلك الاتفاق على المستقبل، والتي يمكن ان تمثل تحولا جذريا في سوريا وتركيا على حد سواء: لن يكون انتقال مركز السلطة والاقتصاد والتجارة من دمشق الى الحدود الشمالية السورية مجرد ترحال عابر في سياق تشكيل المجتمع السوري، مثلما لن يكون الانفتاح التركي الاقتصادي والتجاري والسياسي على الجنوب مجرد اختبار مؤقت او استكشاف محدود. هو بمثابة تغيير جذري في الديموغرافيا السورية والتركية على حد سواء، يستدعي الكثير من التأمل في التعديلات الجوهرية التي ستدخل على عملية صنع القرار في عاصمتي البلدين، والتي لا يمكن قياسها فقط بالمعايير السائدة حاليا عن حاجة سوريا الى فك عزلتها وتوسيع هوامش حركتها وخياراتها السياسية، او عن رغبة تركيا في ان تثأر لسد ابواب اوروبا في وجهها من خلال التوسع في اتجاه العالم العربي والاسلامي.
ثمة ما هو ابعد واعمق من اي كلام سياسي متغير ومتحول ولا يزيد مداه الزمني عن بضع سنوات او بضعة عقود على ابعد تقدير. السياسة هنا تخدم فقط في توفير منصة للانطلاق نحو مستقبل واعد، يحاكي التجربة الغربية التي تخطت منذ زمن بعيد الفكرة الوطنية والقومية لترسي اسس ازدهار واستقرار وتطور لم يعد بإمكان اي سلطة مهما كانت مهجوسة بالتاريخ ان تعطله.. ولتنقل الشعبين السوري والتركي، وليس النظامين، نحو شراكة استراتيجية ليس لها حدود.
ينبغي ان تقرع في بيروت اجراس الانذار او على الاقل اجراس التنبيه لاهمية ذلك الحدث المستقبلي.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى