قضيتان فلسطينيتان …أو أكثر
حسام عيتاني
مسار المصالحة الفلسطينية يوحي أن الوضع القائم بين المتصارعين يحتاج الى ما يزيد كثيراً عن المصالحة. فما التعثر في التوقيع على الورقة المصرية سوى عيّنة على تجذر خلاف مستعصٍ بين عناصر الاجتماع السياسي الفلسطيني.
فالورقة المذكورة تكاد تكون لائحة بالمسلمات والبداهات والإجراءات التي لا يفترض أن تثير خلافاً بين أصحاب القضية الواحدة، لكنها، مع ذلك، تواجه مصاعب لا تحصى قبل ان تحمل توقيعي الفصيلين الممسكين بخناق القضية الفلسطينية. آخر المصاعب هذه اكتشاف حركة «حماس» «خيانة» قيادة السلطة التي وافقت برعونة على تأجيل النظر في تقرير غولدستون أمام مجلس حقوق الانسان في الأمم المتحدة وهو ما أثبت للسيد خالد مشعل ان السلطة «لا تستحق ثقته»، خصوصا أن المسألة تتعلق بتقرير رأت «حماس» في قراءة أولى له انه يساوي بين الجلاد والضحية ورفضته رفضاً باتاً وقاطعاً قبل ان تظهر «بركاته» في تأجيج التناحر الفلسطيني وتسعيره.
في معزل عن هذا النوع من الاستخدام الأداتي الساذج لمستجدات آنية، لا بد من الإعراب عن خشية من وصول الشقاق الفلسطيني إلى مرحلة تتجاوز خطورتها كثيراً الخلاف على موعد توقيع ورقة تفاهم او مصالحة أعدها وأشرف عليها فريق ثالث. نحن إزاء رؤيتين مستقلتين إلى القضية الفلسطينية بحيث يجوز الاستنتاج اننا بتنا أقرب الى قضيتين منفصلتين، يواجه فيهما شعب واحد نوعين من الاحتلال ومن المعاناة ومن الصعوبات. ويرتفع عدد «القضايا الفلسطينية» اذا اضيف الى ما يواجهه أهل الداخل، من بؤس الشتات ومخيماته.
الرؤية الأولى، باختصار شديد، هي تلك التي تتبناها السلطة والتيارات الرئيسة في «فتح» وترتكز الى امكان التوصل عبر التفاوض ومن دون تغيير في موازين القوى الحالية، الى تسوية تاريخية مع اسرائيل تضمن حصول الفلسطينيين على حد أدنى من حقوق قوامها اقامة دولة مستقلة وحل مشاكل اللاجئين والاستيطان والقدس، حلاً مرضياً. العنف وفق الرؤية هذه، أدى دوره التاريخي كوسيلة أملى اللجوء إليها واقع انقضى.
اما الرؤية الثانية، فنصابها خطابة ولفظية عاليتا النبرة ودعوات إلى التعبئة والاستنفار الدائمين وتلمّس المخارج للمأزق الوطني الفلسطيني بالتوجه صوب الحلول القصوى القائمة على عنف بالغ، يفتقر دعاته الى الطاقة اللازمة لاخراجه من حيز صراعاتهم الداخلية الى أرض القتال مع الاحتلال، على ما دلت تجارب لم يمر الزمن عليها. ولا يقبل أصحاب المواقف هذه بأقل من نصر ناجز مبرم يعيد فلسطين من النهر الى البحر الى اصحابها التاريخيين.
بين الرؤيتين، ثمة ثالثة توفيقية (أو تلفيقية) تحض على تغيير موازين القوى والاحتفاظ بخيار العودة الى الكفاح المسلح، من دون الخروج بشكل كامل من المسار التفاوضي. بيد ان اصحاب القول هذا هم الأقل نفوذاً وتأثيراً على أرض الصراع.
من دون الانجرار الى تفنيد تفصيلي لكل من الرؤى أعلاه، يمكن الزعم أن قضية تتباين مواقف أصحابها إلى الدرجة هذه حيال حلها، لا يعود في وسع هؤلاء التوافق على ادارة شؤونهم اليومية او تقاسم حقائب حكومة وحدة وطنية، في منطقة تتفشى فيها نزعة إستئثارية –إقصائية تفشي الأوبئة. ولا يبقى أمام المتصارعين من علاج لمصيبتهم سوى الوقوع في فخ مصيبة أدهى هي الحرب الأهلية، أو القطيعة التامة والتصرف بمنطق شعبين يعيشان قضيتين أو أكثر.
الحياة