في البدء كان المثنّى لخالدة سعيد : الخلق معاداً تأسيسه بتصحيح التكوين
حسن عبّاس
أن نسبر أحاسيس المرأة ومعاناتها، أن نقوّم موقعها في النظام الاجتماعي، أي أن ندرك واقعها بغية الارتقاء به، أن لا نجرّدها في نموذج منعزل عن واقع معاناتها، او ان نتيه في استقصاء تاريخاني للنظرة اليها، أن نموضعها في مثنّى يدخل في علاقات متفاعلة منذ البدء، ونشدّد على قيمة هذا المثنى غير القابل للإفراد، على الرغم مما تكرّسه الثقافة من مفاهيم تجعل المرأة الداخلة في لوحة المثنى مكوّناً تابعاً للرجل، وتحمّلها وزر خطايا ابدية…، هذه هي موضوعات كتاب الناقدة خالدة سعيد “في البدء كان المثنّى” الصادر حديثاً لدى “دار الساقي”.
تتابع الكاتبة انعكاسات “هوية اسطورية سابقة” للمرأة على واقعها الحياتي الرازح تحت وطأة “ارهاب المذكر” المستند الى قيم اسّس لها الذكور وتأخذ اشكالاً اخلاقية او دينية. فـ”للمرأة، من جهة نصف حقوق من حيث انها كائن خصوصي بل ناقص يضبط شؤونها قانون الاحوال الشخصية، وهي شبه انسان او شكل انساني بصفات بهيمية في الثقافة الشعبية الموروثة والقوانين المعيشة غير المكتوبة، ومن جهة ثانية لها، في بعض البلدان، حقوق سياسية – وإن غير كاملة – من حيث هي مواطن”.
ترى خالدة سعيد ان “تغيير الوضعية الدهرية للتراتب والتسلّط وشيطنة الجنس المؤنث بكامله، وهدم عقيدة قصوره والتوائه وحيوانيته ونجاسته، ومقاومة إبعاده عن مساحات العمل والعلم والنضال، لا يتحقق بلا دخول كثيف في مجالات النشاط جميعها بقوّة القرار الفردي”. هذا هو الدافع وراء التعليق على شهادات انثوية عربية عديدة في الكتاب، وتحليلها. تبتعد الكاتبة عن تطرّف بعض الحركات النسوية مفضِّلةً فلسفة المثنى التي تُدخل الرجل في معركة تعنيه كما تعني المرأة. فـ”من الوهم التصوّر… أن تطور اوضاع النساء يمكن ان يتحقق فعلياً بانعزال عن تطوّر ثقافي أخلاقي عميق للمذكّر نفسه”.
لا تنكر الكاتبة خصوصية المرأة، ولا ترى مشكلة في الاعتراف بها، فهي ليست نقصاً ولا امتيازاً ولا تجعل الانسانية درجات. ترى ان المشكلة هي في “تقويم الخصوصية”، فـ”الإشكال يقوم في عقدة تقويم الخصوصية الوظيفية لدى الجنسين وقياس درجة الإنسانية قياساً على الخصوصية الذكورية، واتخاذها معياراً للتقويم الإنساني”، مما يعلي من شأن كل ما هو ذكوري ويدني المغاير الانثوي.
تحرير المرأة من تحرير الانسان
يضم تعليقات متنوعة على اعمال نسائية خلاّقة، ويبدأ بفصل خاص بقاسم امين ونظرته الى المرأة. للبدء بكتاب يتخذ الاعمال النسوية موضوعاً له بفصل يعرض تنظيراً ذكورياً لوضع المرأة في المجتمع العربي دلالات خاصة. هو تكريس لفلسفة المثنى التي لا تنظر الى المرأة بمعزل عن الرجل وعن الكلّ الاجتماعي، وإن تكن تطرح ضرورة تغيير العلاقات التي تربط عناصر هذا الكلّ. فدعوة قاسم امين الى تحرير المرأة هو جانب من دعوته العامة الى تحرير الانسان.
يقيم قاسم امين تلازماً بين الاستبداد وتدنّي وضع المرأة، و”يبقى منطلقه الفكري المحوري ان الانسانية لا تصنّف ولا تكون درجات، وانّ الحرية لا يمكن ان تكون حرية للبعض وقيداً للبعض الآخر، وان الطغيان هو كذلك لا يتجزّأ”. فالمنطق الذي يحجر على حرية النساء، هو وجه من وجوه المنطق القاضي بحرمان الحكومات الشرقية ابناءها من حرية القول والكتابة والعمل، وبإقفال باب الاجتهاد في الاحكام الدينية، وباعتماد القسوة كأسلوب تربوي. كتب قاسم امين كتابين: “تحرير المرأة” 1899 و”المرأة الجديدة” 1900، وتميّز عن عموم مفكري النهضة بالتزامه التجريبي المعيش.
ينتقد امين الحجاب “لأن المرأة التي تعيش مسجونة في بيتها، ولا تبصر العالم إلا من نوافذ الجدران او من بين استار العربة، ولا تمشي إلا وهي كما قال الامير علي القاضي: “ملتفّة بكفن”، لا يمكن أن تكون إنساناً حيّاً شاعراً خبيراً بأحوال الناس، قادراً على أن يعيش بينهم”. يرى ان اصلاح الانسان يكون بالتربية، والتربية هي مهمة العائلة، كما ان “الاولاد هم صناعة الوالدين، والامهات لهنّ النصيب الاوفر في هذه الصناعة”. لهذا فإن “كل تغيير في الامم إنما يكون نتيجة لمجموع فضائل وصفات واخلاق وعادات لا تتولّد في النفوس ولا تتمكن منها إلا بالتربية، اي بواسطة المرأة”.
كلّ ما شيّدته الانسانية، كان على حجر اساسي هو المرأة. ولكن، في نظر المسلمين، يُنظر الى المرأة كإنسان غير تام يقع تحت سيادة الرجل، ويجب ألا يزيد تعليمها عن فروض العبادة ومقدار محدود من بعض العلوم، مما ادى الى عَرَض “ان المرأة احط من الرجل في الجملة”. يثور امين على هذا الواقع، ويجعل تحرير المرأة لازمة لارتقاء الامة العربية الاسلامية: “ارتقاء الامم يحتاج الى عوامل مختلفة متنوعة، من اهمها ارتقاء المرأة”. بل هو لا يتوانى عن رفض القيمة العليا المعطاة لعفة النساء قائلاً: “اننا غالينا في اعتبار صفة العفّة في النساء… العفة لا تغني شيئاً عن باقي الصفات والملكات، من كمال العقل وحسن التدبير، بل نقول إن لهذه الصفات دخلاً كبيراً في كمال العفة”.
المرأة وجسدها
تبحث الكاتبة في القيمة المعطاة لجسد المرأة من خلال ثلاث حالات ترشح عنها دلالات مختلفة حول جسد المرأة كقيمة سلبية. تتحدث عن “طوطم القبيلة” مختار ماي، المرأة الباكستانية التي تعرضت لجريمة اغتصاب في امارة البنجاب الباكستانية، حيث تمتزج في هذه الواقعة القيم الذكورية بالطبقية الاجتماعية. ترى أن “جسد المرأة موضع الشرف لأسرتها وجماعتها. لكن بما هو كذلك فهو موضع العقاب والتطهير العنيف والاغتصاب، وهو ما لا ينفصل عن كون هذا الجسد موضع الشرف، او هو موضع الشرف الجمعي وموضع العار الجمعي في وقت واحد. من هنا هويته السحرية الطوطمية”. فجسد المرأة هو، في التقاليد، ملك لجماعتها لا لها، من هنا نشأ حق الجماعة في تلف هذا الجسد بالقتل “غسلاً للعار” او بالرجم. والمرأة تحمل شرف جماعتها، “لكنه شرف لا يحضر إلا سلباً، لا يحضر إلا مثلوماً. جسد المرأة محلّ انتقام الغرباء والاعداء: من جسدها يطلب قصاص جماعتها”.
تعرض الكاتبة لحالة المقاتلة الفلسطينية عائشة عودة التي اصبحت “طوطم شعبها” بعد وقوعها في اسر الاسرائيليين. فتاة رام الله تعرّضت للتعذيب الشديد اثناء التحقيق معها. لم يمارَس التعذيب عليها كونها امرأة بل “كان حفلة طقوسية رمزية سحرية تمارس على جسد، وكان هذا الجسد في نظرهم اكثر من جسد امرأة او فرد. كان هذا الجسد هو الآخر المختلف الذي ينبغي ان يظلّ آخر ومختلفاً وعدواً. حالة عائشة، على رغم مأسويتها، تكشف عن مفارقة اقسى هي كون خارج السجن سجناً اصعب. كانت كلٌّ من زميلات عائشة في السجن تقول حين الافراج عنها: “انا الآن خارجة الى السجن… الناس يصفقون لي اذا قاومت المحتل وتحديت سجنه. قمع المحتل استطيع مقاومته أما قمع الاب والاخ والزوج فلا يسمح لي بمقاومته”.
تستخلص من قضية الكاتبة الاردنية سهير التل التي حوكمت لانها سمّت العملية الجنسية باسمها في اقصوصتها “المشنقة”، تستخلص فكرة “تأنيث الكلام”. فالمحرك الاول للدعوى عيسى الجراجرة كان قد وضع كتاباً موسوماً بعنوان “شاعران من البادية”، سمّى فيه اعضاء الجسد ووصف مشاهد جنسية في معرض تحفيز الرغبة، لكنه لم يُحاكَم، ولم يمنعه ذلك من تقديم بلاغه الى رئيس النيابات العامة، فأصبح من الحق ما هو مذكّر ومنه ما هو مؤنث.
عقلنة النضال
تتوقف الكاتبة عند كتاب لور نصر مغيزل، “نصف قرن دفاعاً عن حقوق المرأة في لبنان”. يغريها تحليل عبارة مغيزل “انا وجوزف” او “جوزف وانا”، التي تبدأ بها كلامها عن المعارك من اجل الحقوق. تستخلص ان الكاتبة “لا ترى النضال في سبيل حقوق النساء إلا نضالاً مشتركاً بين النساء والرجال لأنه بالطبع ليس نضالاً ضد الرجال، ولأنه بقدر ما هو نضال من أجل نيل حقوق النساء، هو عمل لتوكيد حقوق الرجال وتوكيد الهويّة الانسانية لهذه الحقوق”. لم تضع قضية حقوق المرأة في مهب الصراع بين جنسين، بل جعلتها اختباراً لإنسانية القيم، طارحةً مبدأ “الأنسنة بدل الجنسنة”، على اساس ان الحق الانساني يجب ألاّ ينحدر الى مرتبة الامتياز الجنسي، وان النضال من اجل مساواة الرجل بالمرأة يجب الاّ ينفصل عن النضال العام من اجل الحقوق، كي لا يُفقد الوضع العام الحقوق الجزئية قيمتها.
تحلل خالدة سعيد كتاب “الحريم السياسي” لفاطمة المرنيسي ونفيها كون النبي هو صاحب الاحاديث التي تخفض من مكانة المرأة، كحديثي “ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة” وان ثلاثة تفسد الصلاة إذا اعترضت بين المصلّي والكعبة: كلب وحمار وامرأة، وهما حديثان نسبهما البخاري اليه. تؤيد منطق الكاتبة في النفي، كونها استخدمت المنطق نفسه في مواضع من كتابها، ولكنها تتجاوز مسألة تعليل كون النبي خالف قيم مجتمعه الجنسانية.
تتابع التحديث الذي صنعته الكاتبة اللبنانية روز غريّب في مجال النقد الادبي والبلاغة، ودعوتها الى قيم اخلاقية وتربوية تحفز الفتاة على الاستقلال والعمل والقبض على مصيرها بنفسها، وتتوقف عند كتابها “نساء عالم القرن العشرين”، مشيرة الى “ان الموضوع المركزي الذي يحظى باهتمام روز غريّب في هذا الكتاب هو موضوع عمل المرأة، فبالعلم والعمل، كما ترى، تنتقل المرأة من الانوثة المستلبة الى الانسانية”. كما تقدّم تحية الى سعاد الحكيم عن عملها الشاق في ابحاثها عن التصوف، وخصوصاً عن موسوعتها الرائدة: “المعجم الصوفي”.
“لتأتِ المرأة الكاتبة”
تحت هذا العنوان، تعقد فصلاً خاصاً لبحث مسألة الخلق والانوثة. ترى “ان محض الاختلاف لا يكسب العمل خصيصة الابداع ولا بدّ ان يتقدم العمل المختلف او الجديد بإمكانات الموروث المشترك خطوة جديدة او يحرّك حساسيات جديدة او يبتكر مقاربات وتناولاً جديداً ويقدم اقتراحات او اعتراضات جديدة تشكّل في مجموعها متناً متماسكاً متكاملاً ورؤية خاصة لها افقها او حضورها المميز”. من هذا التعريف العام، تنتقل الى تحليل علاقة الخصوصية بالخلق، فترى ان الخصوصية شرط غير كافٍ، ذلك أن الخلق ملزم تجاوز الخصوصية “لأن الإبداع قفزة ابعد في الافق الانساني، قفزة في الاعمق او الابعد، في المحتمل والمرتجى أو الجديد المبتكر”.
تحدث الاعمال النسائية الخلاّقة انقلاباً يتمثل في “الانتقال التاريخي من وقفة الموضوع والموصوف والمكتوب او المحكي عنه الى موقف الرائي والواصف والكاتب او فاعل فعل الرؤية والحكي والتقويم”، مما يحدث انزياحاً لصورة العالم في الوعي والمتخيَّل، فهي رؤى تبحث عن معنى حركي متجدد للانسان.
ترفض مصطلح “الادب النسائي” كون “هذه التسمية تتضمن حكماً بالهامشية في مقابل مركزية مفترضة. فالتخصيص الذي يعيّن حدود الفئة الكاتبة يعيّنها قياساً الى عام”. ترى ان الكتابة لدى النساء فعل تحرري يعي تجارب النساء الخاصة، و”هي انسنة للخصوصية وخروج بها الى افق التفاعل والفعل والفاعلية، او خروج الى المشترك العام”.
تتابع القلق المستدام الذي يكتنف محاولات مي غصوب في وداع بيروت، والذي تكشف عنه في كتابها Leaving Beirut. ترى ان الخلق يتداخل لديها مع الصداقة والحب، فهي “ابدعت شكلاً جديداً للحياة في الفن والفن في الحياة”.
وتنتقل الى بحث تجربة الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان التي اوردتها في كتابها “رحلة جبلية رحلة صعبة”، حيث تعرض وعورة مسارها الشعري في عائلة شرقية. تتحدث عن انضمامها الى حركة الشعر الجديد الذي شاركت في ريادته الشاعرة العراقية نازك الملائكة، وعن انقلابها الاسلوبي الذي تجاوز التكيف مع الاشكال والقوالب الموروثة، فترى في انقلاب طوقان على الصرامة والجفاف التقليديين “ترجمة لانبجاس هذه المرأة العصامية المبدعة من هندسات القمع وكتم الصوت والعزل عن الحياة العامة بكامل صفاتها وكبريائها، بكامل إشراقها وعنفوانها الانساني”.
في فصل آخر، تلاحق شخصيات رواية “نفرتيتي او حلم اخناتون” لاندريه شديد لتكشف عن دعوتها الواردة على لسان بوباستوس: “لكن مهمة نقض الاسس والمواضعات، لست انا، بوباستوس، من سيقوم بها! فلتأتِ المرأة – الكاتبة المؤرّخة القادرة على زعزعة الصرح القديم”، معطية الرواية معنى النهوض بواقع المرأة.
ثم تحلل الرموز الداخلة في متن الحياة في رواية “شجرة الحب، غابة الأحزان” لأسيمة درويش، واجدة فيها ميزة العناية بالإنسان في نسيج العائلة لا بالمرأة فقط، فهي “معنية بالبنية القمعية للعائلة والأبوة، خاصة تلك التي تريد الأبناء على صورتها أو لا تريدهم ابداً”.
تتقصى دخول الزواج في مجموعة من العلاقات التي تفرض قبول منظومة كاملة من المفاهيم، من خلال رواية “مذكرات امرأة غير واقعية” لسحر خليفة، فتلاحظ ان هذه المفاهيم تتحكم بالعلاقات الاجتماعية وشؤون الجسد الى البنية النفسية وردود الفعل، فـ”لا تدخل المرأة في هذه المنظومة عند الزواج، بل تدخل فيها قبل ذلك بكثير. وتربية البنت تتلخص في التهيئة للزواج. ثقافة كاملة تتمحور على جسد المرأة. وهي كيانياً تحدد قياساً الى الزواج”.
تسبر عمق صيغة “كأن” في مجموعة “انا اريد النهار” القصصية للكاتبة الفلسطينية ليانة بدر. “كأن” تتقدم جميع الصور وتعوّض عن ضيق الأرض، هكذا هي “باب الدخول الى المتخيّل الذي لا تنقطع صلته بالمعيش الواقع، صلة تبقي مسافة الإمكان ومسافة الامتناع في وقت واحد، صلة تكشف الحسرة لأن الممكن المحتمل يظلّ في قصر الخيال وحدائق الحلم ولا يحلّ في المتحقق الفعلي”.
الخلق كولادة
لا تبني الشاعرة ناديا تويني الصور على البلاغة المألوفة بل “على ما ينتمي الى الهيام ويترجّح بين الحضور والغياب، الممكن والخارق”. فرادة تجربتها ليست في شدة ألمها بل في “الطرق التي سار فيها هذا الألم، والآفاق الانسانية التي افتتحها؛ هذا الألم الذي استحال حباً هائلاً وتوحّداً بأرض تمزّقها حراب بنيها، قد ارتفع الى افق الرمز”. ففي شعرها تداخل بين جسدها المريض ولبنان الممزق.
ختمت سنية صالح حياتها بصورة شاعرية عندما أجابت عن سؤال زوجها محمد الماغوط عما تريده من حركات شفتيها، بجملة مقتضبة: “ألوك يأس العالم”. تردّ تهمة تأثر الشاعرة بزوجها شعرياً الى الجهل، فـ”هناك دائماً بعض المفردات او العناصر المشتركة بين ابناء الجيل الواحد بسبب من شفافية الشعراء ونفاذية لغتهم، وسيادة هواجس معينة في مرحلة زمنية معينة”.، مؤكدة ان شعر سنية صالح يمتلك ملامح خاصة لا تشبه فيها احداً، ففيه “الانوثة ببعديها الكوني والتاريخي”.
في باب آخر، تعلّق الكاتبة على منحوتات سلوى روضة شقير التي انتهجت الاتجاه التجريدي في منحوتاتها المستلهمة من التراث الفني الاسلامي، فترى ان “الشكل عندها هو الفكرة. او هو ذاته وليس طريقاً لشيء آخر. لم يعد الجسد ولا اي شكل كناية ولا استعارة. هنا الشكل مولود لا على مثال، وليس آتياً من ذاكرة. الشكل حدوث؛ يولد فحسب”. تضع الحركة في اساس النحت عندها. ولكن الحركة في منحوتاتها “جزء من البنية؛ الحركة هنا علاقة، حركة داخلية تكوينية، الحركة التي تقلق الشكل نفسه وتبطل نهائيته”.
تضيء خالدة سعيد على مشروع “الانسان المثنى” في منحوتات الفنانة الاردنية منى السعودي، وتبحث في منحوتاتها عن المعنى الانساني الذي يحققه الانسان المثنى الذي يتعرّف كلقاء. “لقد ابدعت منى السعودي، في منحوتاتها الاولى أسطورة الانسان المثنى، أسطورة الذات التي لا تكون ذاتها إلا اذا كانت الآخر… وهي في بناء هذه الاسطورة تبدع امتداداً متنامياً لأسطورة الخصب القديمة”. اما انصابها القائمة في مدينة عمان فقد اخرجت احلامها الى فضاء المدينة واسكنتها في شكلها وذاكرتها.
تختم الكاتبة كتابها مع لوحات أنجيليكا فون شويدس، فترى ان اعمالها “ليست انكشاف المكتمل، بل لعثمة غير الناجز ولا النهائي لحظة انفجار اللون من عتمة السديم”. لوحاتها التي تتعدد فيها تسميات “حوّاء” و”آدم وحوّاء”، هي “إعادة “تأويل”، أي اعادة كتابة لقصة الانسان ورموز البدايات التي ورثها شطر من العالم منذ ملاحم التوراة. لقد وعت الذات المؤنثة كحضور متداخل بالطبيعة.
وإذا كانت خالدة سعيد بدأت كتابها بعرض منظومة افكار خارجة من رجل، هو قاسم امين، لا من امرأة، فإنها تختمه مع فنانة غير عربية لتقول ان قضايا النساء هي مسألة عالمية لا مسألة تطرح فقط في العالم العربي.