صفحات سورية

* اتفاق الشراكة الأوروبية تحت مجهر خبراء سوريين

null
إبراهيم حميدي
عندما كان مسؤولون اوروبيون يسألون محاوريهم السوريين في الأشهر الاخيرة عن الموقف من توقيع اتفاق الشراكة، كان الجواب السوري موحداً، ومفاده: عندما تصل الدول الاوروبية الى إجماع في شأن توقيع الاتفاق، ستدرس دمشق الموقف وفق المعطيات، باعتبارها طرفاً مقابلاً لـ «الطرف»الاوروبي. لكن فهم الديبلوماسيين الأوروبيين لهذا الكلام كان مختلفاً. إذ فسر بعضهم التصريحات السورية على انها «موقف تفاوضي» للضغط، وأن دمشق «جاهزة للتوقيع بمجرد اتخاذ الأوروبيين قراراً في ذلك».
أظهرت الأيام ان هذا التفسير كان خاطئاً ويتضمن في بعض جوانبه تمنيات اكثر منه قراءة فعلية للموقف. إذ ان وزير الخارجية السويدي كارل بيلدت بعث في 14 الشهر الجاري برسالة الى نظيره السوري وليد المعلم يبلغه فيها قرار الاتحاد أثناء الاجتماع الذي عقد في بروكسيل في بداية الشهر الجاري بتوقيع الاتفاق في شكل رسمي في 26 الجاري. وتضمنت رسالة بيلدت دعوة للمعلم لحضور مراسم التوقيع في لوكسمبورغ مع وزراء 27 دولة اوروبية.
أول تعليق من المعلم جاء في المؤتمر الصحافي مع نظيره الاسباني ميخيل انخيل موراتينوس لدى تأكيده انه تلقى رسالة بيلدت، قائلاً ان بلاده تبلغت القرار الأوروبي وهي تريد دراسة الاتفاق في شكل مفصل قبل اتخاذ قرار في ذلك باعتبار ان الاتفاق جرى تأشيره في البداية في نهاية 2004 قبل ان يجمده الاوروبيون لأسباب سياسية.
المرحلة الاولى من التجميد تولاها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك مستخدماً الاتفاق «أداة ضغط سياسية». وعندما تحولت إدارة الرئيس نيكولا ساركوزي الى الدفع باتجاه التوقيع، على خلفية القناعة بضرورة الحوار مع سورية لما لها من دور أساسي في الشرق الأوسط، تولت هولندا التجميد، وأثار أموراً تعتبرها دمشق شؤوناً داخلية. وأوضحت مصادر ديبلوماسية أوروبية ان وزير الخارجية الهولندي مكسيم فيرهاغن استخدم موضوع حقوق الانسان لأسباب انتخابية باعتبار أنه يريد تسلم رئاسة الحكومة، إذ انه في الوقت الذي كان فيه يعارض توقيع الاتفاق ثم يصل الى الموافقة تحت ضغط دول اوروبية اخرى ثم يسرب ديبلوماسيوه بياناً يلوح باحتمال تجميد الاتفاق لاحقاً بعد توقيعه، كان ممثل وزارة الخارجية الهولندية في جنيف يصوت ضد تقرير القاضي ريتشارد غولدستون في مجلس حقوق الانسان الخاص بالجرائم الاسرائيلية في غزة، الأمر الذي أفقد الموقف الهولندي صدقيته. وقالت المصادر الديبلوماسية: «ان الموقف الانساني يجب أن يكون متكاملاً لايتجزأ، وألا يكون الاستخدام سياسياً». كما نقلت «الوكالة السورية للأنباء» (سانا) عن مصدر سوري قوله في اطار التعليق على التصويت على تقرير غولدستون ومعارضة بعض الدول من دون تسمية اي منها: «ان ازدواجية المواقف لدى هذه الدول تجاه مسائل عدة وفي مقدمها حقوق الإنسان أمر يفقدها الصدقية والموضوعية اللتين ينبغي توافرهما في التعامل مع ما تطرحه بخصوص قضايا حقوق الإنسان».
غير ان موضوع الاهتمام الأساسي للحكومة السورية في الشراكة، كان مدى انعكاسه على عملية الإصلاح. إذ بعث الوزير المعلم في 19 الجاري رسالة الى نظيره السويدي يبلغه ان دمشق في حاجة الى بعض الوقت لدرس بنود اتفاق الشراكة ومدى انعكاسها على عملية الاصلاح والتحديث الجارية في البلاد، كما اجتمع مع سفراء الترويكا الاوروبية لبحث هذا الأمر، بحسب قول مصادر ديبلوماسية اوروبية.
ولم تكن المرة الاولى التي يقرأ فيها الأوروبيون خطا موقف دمشق. ذلك انه بعد قرار أوروبا تجميد الاتفاق الموقع عليه بالأحرف الأولى في نهاية 2004، كان موقف دمشق ان سورية لا تستعجل توقيع الاتفاق وهي مستمرة في عملية الاصلاح، بل ان بعض الاصلاحات تجاوز بنود اتفاق الشراكة، على اساس عملية الاصلاح الاقتصادية والتشريعية الواسعة التي انطلقت بعد انتخاب الرئيس بشار الأسد قبل تسع سنوات واستمرت على رغم قرار الاتحاد الاوروبي تجميد الشراكة.
وبين 2004 و2009 «مرت مياه كثيرة من تحت الجسر» بحسب التعبير الديبلوماسي، لذلك يعكف خبراء سوريون حالياً على درس نص اتفاق الشراكة ومدى انسجام بنوده مع المصلحة الوطنية، خصوصاً في ضوء التغيير الكبير في الواقع الاقتصادي السوري، ذلك ان الكثير من البنود التي كان منصوصاً عليها في الاتفاق أنجزت، أو ان بعضها تجاوز متطلبات الشراكة، خصوصاً ما يتعلق بإصلاح النظام الضريبي وبتحرير التجارة وتشريعات الاستثمار، مع وجود اعتقاد أن 90 في المئة من الاصلاحات قد أنجز سلفاً.
وتشير الأرقام الاقتصادية الى ان العام المقبل سيشهد قفزة في مؤشرات الموازنة التي تقدر بنحو 780 بليون ليرة سورية (الدولار الاميركي 46 ليرة) سواء لجهة زياردة الموازنة الاستثمارية بنسبة 20 في المئة او خفض عجز الموازنة الى ستة في المئة، اضافة الى ارتفاع الايرادات غير النفطية الى 70 في المئة والصادرات غير النفطية الى 55 في المئة.
كما ستتناول الدراسات التغييرات الحاصلة في الاقتصاد الاوروبي لجهة انضمام دول جديدة مثل بلغاريا ورومانيا أو آثار الازمة المالية العالمية على اقتصاد هذه الدول، في وقت حصلت تغييرات جذرية في الاقتصاد السوري من جهة ومع الدول المجاورة من جهة اخرى، مثل توقيع اتفاق تجارة حرة مع تركيا وتحرير التجارة مع الدول العربية وتعزيز علاقة سورية مع دول شرقية وآسيوية.
ويتوقع أن تتناول الدراسات المكثفة والمعمقة آثار كل ذلك على الوضع الاقتصادي السوري وموازنة الايجابيات والسلبيات في بنود الشراكة، الأمر الذي يتطلب اكثر من الفترة المحددة بنحو اسبوعين لتوقيع الشراكة لبحث الآثار الاجتماعية والاقتصادية على السوريين. ويشير خبراء الى ان التأشير الثاني على الاتفاق في نهاية العام الماضي تناول فقط مسألتين: الأولى، إضافة اسمي بلغاريا ورومانيا الى نص الاتفاق. الثاني، إقرار تعديل الدول الاوروبية القاضي بنقل قرار أمورالتجارة الخارجية من السيادة الوطنية الاوروبية الى المفوضية، من دون بحث البنود الأخرى، التي تخضع حالياً للدراسة.
وفيما تجرى الدراسات المعمقة والشاملة على الاتفاق، مع الإفادة من تجارب دول عربية اخرى مثل تونس والجزائر والمغرب، سواء لجهة نص الاتفاق المتشابه في معظمه بين جميع الدول في جنوب البحر الابيض المتوسط، او لجهة ادارة الشراكة مع الجانب الاوروبي، مع تنويه سوري بمواقف الدول التي كانت تدفع باتجاه إنجاز الشراكة، من غير المتوقع ان تتأثر العلاقات الفنية والسياسية والاستثمارية بين دمشق والدول الاوروبية (ثنائياً) غير المرتبطة مباشرة أو قانونياً مع الاتحاد الاوروبي. كما ان التعاون الفني مع المفوضية الاوروبية سيستمر ولن يتوقف خلال الفترة المقبلة، وهذه قناعة المحللين.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى