ماذا بعد وحدة موقف أميركا وإسرائيل ؟!
ميشيل كيلو
قرر الرئس أوباما أن الحل السلمي للصراع الإسرائيلي / العربي هو مصلحة قومية أميركية . عادة ، عندما يعلن رئيس أميركي أي أمر مصلحة قومية أميركية ، يعني إعلانه أن على الأطراف ذات العلاقة الانصياع لما يراه من تدابير وسياسات ، وإلا أقلعت أميركا عن الهمس وأخرجت العصا الغليظة ، وانهالت بها على رأس معارضها ، وظلت تضربه إلى أن يقبل ما كان يرفضه : المصلحة القومية الأميركية .
خالف أوباما هذا العرف الأميركي ، بمجرد أن رفض نتنياهو فكرة الحل مع الفلسطينيين وربطها باعترافهم بيهودية دولة إسرائيل وبحقها في الاستيلاء على الأرض الفلسطينية ، حقها في منع قيام دولة عربية فيها . لم يفعل أوباما شيئا ضد إسرائيل ، مع أنها عطلت بتحد واضح ما قيل إنه المصلحة القومية الأميركية ، ووجه عصاه الغليظة إلى الجانب الفلسطيني ، الذي يجب عليه قبول التوسع الإسرائيلي باعتباره المدخل إلى السلام وشرط بدء المفاوضات حوله . وقد بدت السيدة كلينتون ، وزيرة خارجية أوباما ، متحمسة جدا لانقلاب تراجعي نقل موقف حكومتها من المطالبة بالوقف التام والشامل للاستيطان ،إلى المطالبة بتجميده ، إلى القبول بعدم وقفه وتجميده ، إلى الترويج ” لتنازلات غير مسبوقة “تقدمها إسرائيل ، تتجلى في الاكتفاء ببناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية في المستوطنات ، وبإخراج القدس من دائرة النقاش حول الاستيطان ، لأنها ليست مستوطنة – بشهادة نتنياهو – ، وبإشادة مبان حكومية ورسمية في الأراضي المحتلة لضرورات إدارية وأمنية . هكذا ، سيكون من حق الجانب الفلسطيني أن يعارض ، من الآن فصاعدا ، الاستيطان كفكرة ، وعليه أن يقبله كواقع ، وإلا اعتبرته واشنطن مسؤولا عن فشل السلام بما هو “مصلحة قومية أميركية ” تحميها عصا غليظة .
قال أوباما في القاهرة : إن السلام والدولة الفلسطينية مصلحة قومية أميركية ، رهن تحقيقها بوقف الاستيطان التام . عندما رفضت إسرائيل أقواله ، وأصرت على استمرار ما يجب وقفه ، تراجعت واشنطن وأعلنت وزيرة خارجيتها في رام الله أن الاستيطان لا يعطل مفاوضات السلام، وأن بلوغ تسوية حوله ليس شأنا أميركيا ، وأن واشنطن ، التي عجزت عن زحزحة نتنياهو عن مواقفه منه ، ستتركه لمفاوضات الرئيس محمود عباس والدكتور عريقات مع إسرائيل !.
بذلك ، يعود أوباما سياسات أميركا التقليدية من فلسطين ، ويستأنف سياسة بوش في ولايته الثانية ، التي دعت إلى دولة فلسطينية بالكلام ، لكنها عملت كل ما يلزم لمنع قيامها في الواقع ، واعتبرت السلام هدفها ، غير أنها تبنت مواقف إسرائيل حياله ، بل وأمدتها بالسلاح والمال والدعم المعنوي الضروري لوأده .
يطرح الموقف الأميركي / الإسرائيلي ، الذي صار موحدا ومشتركا من جديد، أسئلة مهمة وصعبة على العرب ، رسميين وشعبيين ، والفلسطينيين ، موالين ومعارضين ؛ أسئلة تتمحور حول ضرورة نمط مغاير من علاقة العرب بفلسطين ، التي تعاملوا معها منذ مؤتمر الرباط عام 1974 بوصفها قضية برانية بالنسبة لهم ، وتناسوا أنها كانت وستظل في الصميم من أوضاعهم الداخلية وأحوالهم الذاتية . ويلقي الموقف الأميركي / الإسرائيلي بسؤال لطالما تجنبت السياسات العربية مواجهته حول ما يجب عمله ، في كل بلد وعلى الصعيد العربي العام ، إذا واصلت إسرائيل تمسكها ببرامج التوسع والاحتلال والعدوان ، وظلت السياسات الأميركية تمدها بعون مفتوح وشامل ، واستمر عجز الفلسطينيين عن إدارة قضيتهم ولو بحد أدنى من النجاح ، وعن التفاهم حول سبل بلوغ الدولة والسلام ، ووقف تدهور أوضاعهم وأوضاع بلدهم ؟. وكيف يمكن للسياسات العربية التخلص من ضعفها الذي يبلغ حد العجز تجاه إسرائيل وأميركا ؟. وهل على العرب بدء دورة جديدة من السعي لإقناع واشنطن بعدالة قضية فلسطين ، تنطلق هذه المرة أيضا من عتبة أدنى بكثير من عتبة الدورة السابقة ، أم تقوم نخبهم الحاكمة بإعادة نظر جدية في سياساتها ” القومية ” وعلاقاتها مع شعوبها ، ليكون بوسعها استعادة حقوق وأرض أمتها بالقوة ، إن ثابر العدو على احتلاله ؟. وما العمل لإنهاء الانقسام العربي ، الذي يعزز الانقسام والتقاتل الفلسطيني / الفلسطيني ، ولإقامة تكامل بين مصالحة عربية ، ومصالحة بين العرب وفلسطين ، وأخرى بين الفلسطينيين ، ليكون تكامل المصالحات رسالة قوية إلى إسرائيل وأميركا ؟.
كيف يقر الفلسطينيون بطابع قضيتهم القومي ، ويعيدون إدراجها بطريقة آمنة وصحيحة في وضع عربي لا مفر من أن تشكل رافعة له ، وتجعله ملائما لنضال ومصالح شعبهم ، مع الإبقاء على أولية دورهم في تقرير أمورهم ومصيرهم ، فلا يصيروا أتباع أي نظام ، ولا يتم إقحامهم في صراعات تسيء إلى عمقهم القومي : الرسمي والشعبي ، رغم أنه تنصل من قضيتهم وتنكر لالتزاماته حيالها منذ نيف وثلاثين عاما ، بحجة تركها لأصحابها الأصليين ، أهل مكة الذين هم أدرى بشعابها ، الذين قيل لهم بألف لسان : اذهبوا أنتم وربكم فقاتلوا ، إنا ها هنا قاعدون!.
وكيف يحل الفلسطينيون إشكالاتهم المعقدة ، التي قوضت قضيتهم ودمرتها وأوصلت تياريها السياسيين الرئيسيين إلى حال من الإفلاس جعلت من العسير ، إن لم يكن من المحال ، تحقيق استقلال بلدهم الوطني وبناء دولة سيدة وحرة فيه ؟ . كيف تستعيد قضية فلسطين طابعها كقضية وطنية وإسلامية وعربية وإنسانية بامتياز ، بعد أن أفقدها “صراع الأخوة” الكثير من وطنيتها وإسلاميتها وعروبتها وإنسانيتها ، وحولها إلى قضية تندرج أكثر فأكثر في سياقات إقليمية تعد راعية للإرهاب وجزءا من الصراع ضد الآخر ،المختلف ، لمجرد أنه آخر ومختلف . إلى البارحة ، كانت فلسطين رمزا للحرية والعدالة ، ومثل الفلسطينيون الجانب الإنساني والمستنير والتواصلي ، وكان الإسرائيليون في الجانب المعادي للإنسانية والظلامي والعنصري ، واليوم ..؟!.
أدى الصراع الداخلي إلى تهميش قضية وحقوق فلسطين الوطنية ، وأحدث انقلابا في موازين القوى لصالح العدو المحتل . ماذا بوسع فلسطين أن تفعل ، لاستعادة بعض التوازن مع إسرائيل ، ولإشعار أميركا بأنها لن تربح من التنكر لحقوقها ودعم عدوها ؟. إن الخروج من الحال الراهن عبر توحيد طاقات وقوى الشعب الفلسطيني هو الخطوة التي لن يتحقق شيء بدونها ، ويتطلب تأسيس وحدة وطنية فلسطينية جديدة اقتناع التيارات الوطني والإسلامي والديموقراطي بتبني مشتركات لا خلاف عليها ، يشكل على أرضية القبول العام بها جيش شعبي فلسطيني يضم قيادات ومقاتلي الفصائل المسلحة : من كتائب شهداء الأقصى إلى كتائب القسام ، على أن يعطى حق القيام بعمل مسلح ومقاوم مفتوح ، يتوقف يوم ينسحب جيش الاحتلال والاستيطان من أرض 1967 الفلسطينية بكاملها ، سواء فاوضت القيادات الوطنية والإسلامية والديموقراطية العدو أو لم تفاوضه . لا بد أن يكون الجيش الشعبي منظمة بعيدة عن أي خلاف ، يتجاوز نشاطها أية لحظية سياسية تفرضها ظروف عربية أو دولية أو محلية ، فلا بد ، من أجل تعظيم قوته وتسهيل عمله ، من تجميد الخلافات الفلسطينية – وما يترتب عليها من مماحكات وصراعات – وفق عهد وطني محدد ومعلن البنود ، يقر باستفتاء شعبي يجعل من الصعب أن يسيء أحد تفسيره أو يستسهل الخروج عليه ، على أن تنجز القيادات مهمة وحيدة هي تزويده بالمال والسلاح ، مهما كانت الظروف والأحوال .
يجب أن يبادر الأخ أبو مازن إلى خطوة كهذه ، فهي تحسن موقفه التفاوضي ، وتشعر الأميركيين والإسرائيليين أن إجهاض الحل الوطني في فلسطين لن يعني فقط ضياع إنجازات ما بعد عام 1965 السلمية ، بل كذلك انتصار الحل الإسلامي ، الذي سيوافق عليه الفلسطينيون ، بمن فيهم أبناء حركة فتح ، وليذهب أوباما والصهاينة إلى حرب مائة عام في فلسطين ، ستضاف إلى الحروب التي أخذت تغطي تدريجيا العالم الإسلامي ، والتي لن يربحها الأميركيون ، بشهادة أفغانستان !.
ليس من المنطقي أن تستمر فتح وحماس في انتهاج سياسة : أنا والغريب على أخي وابن عمي . ولا بد من سياسة أخرى ، عملية وتنفيذية وشرسة ، هي سياسة : أنا وابن عمي على الغريب ، ولو أطبقت بعد ذلك السماء على الأرض !.