صفحات العالم

استراتيجية “رِجْل في البور ورِجْل في الفلاحة” انتهت؟!

سركيس نعوم
يشعر اعداء الجمهورية الاسلامية الايرانية في المنطقة والعالم واخصامها والخائفون منها بارتياح كلما ظهرت اشارات تفيد ان الولايات المتحدة جادة في قرارها الحوار مع سوريا بشار الاسد والتوصل معها الى تسوية لكل القضايا المختلف عليها سواء تلك المتعلقة بالداخل السوري والديموقراطية وحقوق الانسان او المتعلقة بلبنان وضرورة مساعدته على استعادته حياة طبيعية وبناء دولة مستقرة وقوية ومحتكرة لكل السلاح أو المتعلقة بالعراق او بالقضية الفلسطينية والصراع العربي – الاسرائيلي واستعادة الاراضي المحتلة وفي مقدمها الجولان. ويشعرون بارتياح ايضاً كلما ابدى الاوروبيون استعدادهم للانفتاح على سوريا سواء كدول مستقلة او كأعضاء في الاتحاد الاوروبي لاعتبار دورها اساسياً في المنطقة بل في حل مشكلاتها وممراً لا بد ان يعبروه اذا ارادوا ممارسة دور شرق اوسطي مهم او دور عربي مهم او حتى دور اسلامي مهم. ويشعرون بارتياح ثالثاً كلما تأكدوا من وثوق العلاقة بينها (اي سوريا بشار الاسد) وتركيا وتجاوزها حسن الجوار والصداقة الى نوع من التحالف وان المصلحي او على الاقل الى نوع من التعاون والتنسيق الدائمين بسبب التقاء مصالحهما او ربما بسبب تحولها مصالح مشتركة. ويشعرون بارتياح رابعاً كلما رأوا عزلة سوريا عربياً قد ضعفت وكلما تحققت مصالحة بينها وبين دولة عربية كبيرة كانت العلاقات معها سيئة وربما شبه مقطوعة خلال سنوات وكلما تأكدوا من عودة سوريا التي تعتبر نفسها قلب العالم العربي نجماً عربياً له دوره ومصالحه واحترامه. ويشعرون بارتياح خامساً واخيراً كلما رأوا بوادر تشير الى معاودة المفاوضات بين سوريا واسرائيل سواء مباشرة او عبر وسيط تركي او اميركي او… وعندما يرون ان تحوّل التفاوض مباشراً صار ممكناً ويلمسون ان توصّل الدولتين الى تسوية سلمية تحقق لكل منهما مطالبها “المحقة” لم يعد بعيداً على الاطلاق.
لماذا كل الارتياح المفصل اعلاه؟
لسبب اساسي ووحيد يمكن التعبير عنه بالقول الشائع: لا حباً بعلي بل كرها بمعاوية. ويعني ذلك ان كل الاعداء والاخصام والخائفين يعتقدون ان سوريا في عهد آل الاسد ورغم صغر حجمها وامكاناتها على كل الصعد مقارنة بايران قدمت الى الأخيرة تحديداً والنظام الاسلامي الذي قام فيها عام 1979 مساعدات مهمة بل قيِّمة كانت لها آثار استراتيجية قريبة  ومتوسطة المدى ولا بد ان تكون لها آثار بعيدة المدى على منطقة الشرق الاوسط كلها ومصالح هذه المنطقة فضلاً عن مصالح العالم المرتبطة بها. اولاها وقوف سوريا حافظ الاسد، وعلى نقيض معظم الدول العربية مع الجمهورية الاسلامية الايرانية اثناء الحرب التي شنها عليها عراق صدام حسين وقدم اليها بذلك فرصة جليلة اذ حال دون احياء الصراع العربي – الفارسي القديم ولكن “مدوبلاً” هذه المرة باتخاذ الصراع السنّي – الشيعي اشكالاً عنفية وخطيرة. علماً ان هذا الامر الاخير عاد الى الظهور في السنوات الاخيرة. وثانيتها توصل سوريا حافظ الاسد وايران الاسلامية وإن بعد سنوات من الصراع بالواسطة في لبنان الى تفاهم على استراتيجيا واضحة لمقاومة احتلال اسرائيل لجنوب لبنان واجزاء اخرى منه. وادى ذلك مع الوقت الى حصر المقاومة بابن ايران “حزب الله”. وتالياً مكن ايران من ان تصير دولة حدودية لاسرائيل ومؤذية لها وضاغطة عليها وان تزيد قوتها واوراقها في المواجهة الكبيرة الدائرة بينها وبين اميركا واستطراداً اسرائيل. وثالثتها، مساعدة سوريا الاسد (اباً وابناً) ايران الاسلامية على تحقيق “اختراق” فلسطيني بالغ الاهمية اذا جاز التعبير جعلها من دون مبالغة المواجه الاول في الصراع الفلسطيني والعربي – الاسرائيلي الذي سعت وتسعى دائماً الى تحويله صراعاً اسلامياً – اسرائيلياً. ورابعة المساعدات هو قيام علاقة صداقة وتحالف اقرب الى ان يكون استراتيجيا وعلاقات مصالح واقتصاد وسلاح واستثمار وفي اختصار قيام علاقات شبه شاملة بين الدولتين بالغة العمق والدلالات.
وبما ان كل هؤلاء الاعداء والاخصام والخائفين يريدون اضعاف ايران او احتواءها او ربما ضربها فان نجاحهم في تحقيق هذه الاهداف او واحدا منها يقتضي فصل سوريا عنها بل اكثر من ذلك يقتضي بعد الفصل استخدام سوريا في عملية التحقيق هذه.
هل هذا الامر ممكن؟
العارفون من المصادر الديبلوماسية الاقليمية والدولية باوضاع الشرق الاوسط وتحديداً بنوعية علاقة سوريا وايران يؤكدون انه ليس ممكناً رغم التحركات التي تقوم بها الاولى ويرى الاخصام والاعداء فيها مصدر ارتياح لهم. لماذا؟ لان سوريا بشار الاسد لا تنوي ذلك أولاً وفاء لايران. وثانياً لأن مصالحها واستمرارها ربما ترتبط بدوام التحالف “الاستراتيجي” مع ايران. وثالثاً لان ايران صارت او في طريقها الى ان تصبح دولة اقليمية عظمى بعد نجاحها والمجتمع الدولي في حل خلافاتهما، وهذا امر ممكن رغم انه قد يستغرق وقتاً طويلاً في حين ان سوريا على اهميتها ليست بهذا الحجم وهي تدرك حجمها جيداً وتعرف اين تكمن مصالحها.
طبعاً قد يحاول الاعداء والاخصام اغراء سوريا لـ”الفك” مع ايران او للتخفيف من علاقتها بها  باقناعها باعتماد استراتيجية مؤسس النظام الراحل حافظ الاسد التي قامت دوماً على امر جوهري هو “رِجْل في الفلاحة واخرى في البور” اي رِجْل عند اميركا واخرى عند السوفيات ورِجْل عند ايران واخرى عند العرب والاميركيين… وربما يجد ذلك نوعاً من الهوى عند البعض في دمشق اليوم. لكن العارفين جداً من المصادر الديبلوماسية المذكورة اعلاه يستبعدون ان تقتنع سوريا بشار الاسد بمحاولة كهذه لانها تعرف ان الظروف تغيرت في الداخل والمنطقة والعالم وانه لم يعد في وسعها ابقاء رجْلَيْها كل واحدة في مكان.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى