إغتيال اللواء السليب مرتين ؟ … شئ من الذاكرة
جريس الهامس
سادت تسمية لواء إسكندرون : باللواء السليب , بعد اغتصابه من قبل الأتراك عام 1939 بالتواطؤ مع الإستعمار الفرنسي الذي كان يحتل سورية ,, ولما كانت حكومة الكتلة الوطنية عاجزة عن إنقاذ الموقف تقدمت باستقالتها , كما قدم رئيس الجمهورية السيد هاشم الأتاسي إستقالته من رئاسة الجمهورية .. وبقيت سورية أكثر من ستة أشهر دون حكومة ودون رئيس ,أرغم المفوض السامي الفرنسي عندها على تشكيل عدة حكومات من صنائعه التي كانت مهزلة في التاريخ قابلها الشعب والطلاب بشكل خاص بما تستحق من الهزء والمحاكمة في الشارع … من حكومة المديرين إلى رئاسة الشيخ تاج الدين الحسيني وما بينهما من مهازل إستعمارية معروفة ,,,
هكذا ذهب لواء اسكندرون جنة سورية الشمالية والمرفأ الطبيعي لشمال الساحل السوري ساحل المتوسط الشرقي في صفقة إستعمارية قذرة عقدها أجداد زمرة ساركوزي ومستشاره غايدان عام 1939 دون وعد بلفور ثاني ,, وبكل بساطة إحتل جيش أتاتورك اسكندرون وإنطاكية,,, أحرق العلم السوري ورفع العلم التركي في 29 ت2 1939,بعد إنسحاب قوات الإحتلال الفرنسي منه وتقديمها التحية للأتراك …
, ومن الصدف النادرة في التاريخ وقوع كارثتين في يوم واحد من السنة ولو إختلف تاريخ السنة ففي 29 ت2 1947 أيضاً , صدر قرار مجلس الأمن لتقسيم فلسطين – الذي لم ينفذ — وكان هذا اليوم من كل عام عام تظاهرات وطنية في جميع المدن السورية رغم أنف الديكتاتوريات .. وكانت الحركة الطلابية الوطنية الحارسة الأمينة على هذه المناسبات مهما كانت التضحيات …
هكذا ذهبت إنطاكية ( مدينة الله ) التي كانت عاصمة سورية القديمة , وجوهرة الشرق كما كانت تسمى في التاريخ لقمة سائغة لهمجية الدونمة التركية دون حسيب أورقيب …, إنها موطن كبار الفلاسفة والعباقرة في التاريخ السرياني و اليوناني والعربي قبل الإسلام متجاوزة مدينة القدس أو موازية لها , يو م كانت قيثارة الشرق على يد عبقري زمانه الفيلسوف والفنان السوري ( يوحنا الذهبي الفم ) –
حمل الصديقان المناضلان في اللواء : صبحي زخور , وزكي الأرسوزي كتبهما وزاد الطريق ووصلا منهكين من التعب والألم إلى اللاذقية مع العائلات الوطنية التي أرغمت على الهجرة إلى الوطن الأم ,,
الأستاذ زكي معروف في دمشق لأنه من مؤسسي البعث أولاً ومن المدرسين في ثانوياتها , أما الأستاذ الحقوقي والصحقي صبحي زخور فهو صاحب جريدة ” العروبة ” التي كان يصدرها في اللواء وحمل مجلداتها معه إلى سورية.. هذان الصديقان قادا الحركة الوطنية والقومية في اللواء ضد سياسة التتريك .. وقادا التظاهرات الوطنية في اللواء التي أرغمت فرانسا وعصبة الأمم على إ جراء استفتاء شعبي قي اللواء بإشراف لجنة ( كراين ) كانت نتيجته المعلنة 90 % من سكان اللواء رفضوا الإنضمام لتركيا ورغم ذلك إغتصبه الأتراك وأطلقوا عليه إسم ( هاتاي ) كم أطلق الصهاينة إسم إسرائيل على فلسطين الكنعانية العربية المغتصبة –
المهم .. طمس عسكر أمريكا وإسرائيل ذكرى اسكندرون منذ إغتصابهم للسلطة باسم العروبة والقومية وفوقها – الإشتراكية ….. صحيح أن بعضهم كرّم زكي الأرسوزي بتسمية حديقة وثانوية بدمشق باسمه. وهو يستحق ذلك ولو كان الدافع على الأرجح عصبوي وعنصري ؟؟؟؟
… لكن الذي يستحق أكثر منه هو مؤسس الحركة العربية الديمقراطية في اللواء ضد التتريك وصاحب جريدة العروبة في اللواء الأستاذ صبحي زخور الذي لايذكره أحد وعاش موظفاً عادياً رئيس محاسبة في الدفاع المدني بدمشق نظيف اليد طاهر السمعة نقي السريرة ,, وقد ربطتنا معه صداقة عائلية حميمية لاتنسى ..حتى تهجيرنا من الوطن عام 1980 على أيدي الدونمة السورية . أو الأسدية
واصل شعبنا وقواه الوطنية المناضلة رفع شعار إستعادة لواء اسكندرون السليب قي كل مناسبة وطنية إلى جانب تحرير فلسطين .. وفي 29 ت2 من كل عام ذكرى إغتصا به كان موعداً للتظاهرات الوطنية وكانت الديكتاتوريات العسكرية تحاول منعها بالقوة … وأذكر نكتة مسلية من عهد الوحدة السورية المصرية . 1958 – 1961 .. كانت ذكرى إغتصاب اللواء لاتغيب عن أذهان وأحاديث ضباطنا الوطنيين وكان زملاؤهم المصريون يسمعون دائما إسم اللواء السليب , فأصبحوا في جلساتهم مع السوريين يرددون للمجاملة : الله يرحم اللواء سليم شو كان راجل طيب –
لكن أنظمة القمع والأحكام العرفية والإستبداد بعد الثامن من اّذار 63 وخصوصاً بعد عام 1970 حظرت ذكر اللواء السليب وإقامة الحفل الخطابي السنوي ضد الإحتلال التركي ,, كما أغلقت نادي لواء اسكندرون في دمشق دون أي مبرر ,,!؟
ورغم حظر الإحتفال أو التظاهر في ذكرى إغتصاب لواء اسكندرون بعد أغتصاب الأسد للسلطة عام 70 إلا أن قضيته بقيت منسية فلم يعر نظام القمع والإستبداد الأسدي أية إلتفاتة لما يعانيه عرب اللواء من إضطهاد وتهميش وحرمانهم من تعليم اللغة العربية لأطفالهم في المدارس أو التكلم بها , وكذلك حرمان الشبان العرب من الوظائف العامة المدنية والعسكرية ,, كما يعامل الشعب الكردي تماماً في شرقي الأناضول , كما لم ترفع أية دعوى أو شكوى للهيئات والمحاكم الدولية ضد التمييز العنصري والإضطهاد المزمن للطغمة التركية الحاكمة …
وبعد استخدام حافظ الأسد ورقة حزب العمال الكردي مع الأسف في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي كما فعل مع الكثير من حركات التحرر الوطني العربية والأجنبية , تاجر بها ثم باعها في سوق النخاسة عند الحاجة لتوطيد سلطانه , ورضى أسياده عنه واعتماده لتنفيذ أوامرهم . والأمثلة على ذلك لاتحصى يعرفها القّراء الكرام جيداً : من إغتيال المرحوم وديع حداد , الغدر بكارلوس , إلى الغدر بعبداللة أوجلان وتسليمه لتركيا , وصولاً إلى اغتيال مغنية , مرورا بالتأمر المتواصل على المنظمات الفلسطينية المختلفة … بعد كل ذلك استسلم نهائياً لتهديدات الجنرالات الأتراك عام 1998 ووقع صاغراً إتفاقية ( أضنة ) المذلة , التي تضمنت علناً وبنص صريح على أن لواء إسكندرون جزء لا يتجزأ من أراضى الجمهورية التركية لاحق لسورية تطالب به , كما ليس لها حق الإحتجاج أمام أية هيأة قضائية دولية,,, كما لايحق لسورية الإحتجاج على تحويل أي مصدر من مصادرالثروة المائية التي تنبع من الأراضي التركية إلى داخل تركية …
وتمنح الحكومة التركية وحدها حق تحديد كميات المياه الفائضة عن حا جتها في نهري دجلة والفرات بعد إملاء السدود التركية والقنوات الأخرى ..
علماً أن نظام الدونمة التركية هذا تحت أية لافتة كان متأسلم أوعلماني أو عسكري ..الخ قد اغتصب الأنهار التالية التي كانت تروي شمال سورية وحول مجاريها إلى أراضي تركية وأهمها من الغرب إلى الشرق : نهر قويق الذي كان يخترق مدينة حلب ويروي بساتبنها ويصب جنوب حلب في بحيرة المطخ .
….
— نهر الذهب كان يخترق مدينة الباب ويشكل بحيرة جنوبها …- نهر البليخ أحد روافد الفرات يلتقي به قرب الرقة . اغتصب وحولت مياهه إلى سد أتاتورك …— نهر الخابور أكبر رافد للفرات يلتقي به شرقي دير الزور قرب – البصيرة — كان يروي منطقة الجزيرة وأقيمت على ضفتيه مدينة الحسكة الجميلة مركز المحافظة ..
— نهر جغجغ قرب الزاوية الشمالية الشرقسة لسورية أقيمت عليه مدينة القامشلي الحديثة وهو أ كبر روافد نهر الخابور …
مصب نهر العاصي في خليج السويدية وبحيرة العمق التي يشكلها نهرا عفرين – والأسود وكلها مياه من الأراضي السورية وثرواتها الحياتية عبر اّلاف السنين وهي أمانة في أعناق شعب سورية وشبابها – اغتصبها أتراك الدونمة في العهود المختلفة من القرن المنصرم أسجلها وأقدمها للأجيال الحالية التي لاتعرف عنها الشيء الكثير …. وبارك نظام الأب والإبن هذا الإغتصاب وحولوا سورية إلى تابع ذليل للنظام التركي شريك إسرائيل وقاعدة حلف الناتو في المنطقة ,,, فهل هذا هو النظام المقاوم ؟
؟؟؟؟
في إتفاقية الإذعان التي وقعها بطل تحرير الجولان صاغراً وسلّم ما استطاع تسليمه من أعضاء حزب العمال الكردي للجلادين الأتراك بكل بساطة … تنازل عن كل ما إغتصبه الأتراك من أرضنا وحقوقنا ومياهنا كأنها ملك شخصي ومزرعة لاّل الأسد في اتفاقية أضنة الإذعانية عام 1998 الاّنفة الذكر .. ….
وبقيت نصوص معاهدة أضنة سرية , حتى السيد خدّام الذي يعارض النظام وكان الرأس الثاني في النظام لم يجرؤ على كشف بنود هذه المعاهدة المخزية مع الأسف …
وجاء عهد الوريث الإبن ليكمل وصايا الأب للبقاء على الكرسي بأي ثمن على أشلاء الشعب والوطن .. لكن الإبن الذي تنقصه التجربة والخبرة وبلهوانيات العسكريين المغامرين في سبيل السلطة أو المدربين في الدوائر الإستعمارية الأنكلو أمريكية كوالده … لهذا وقف مهتزاً مرتعداً أمام استحقاقات الداخل الذي برز في نمو مطالب المعارضة العادلة المقموعة منذ عقود التي خرجت من تحت كابوس التعتيم والإلغاء إلى الشارع لأول مرة في إعلان دمشق وإعلان بيروت –دمشق فيما بعد .. وأمام استحقاقات الخارج الدولي والإقليمي ,, الذي توّج في ثورة الأرز في لبنان وتبعه الإنسحاب المخزي للجيش والمخابرات الأسدية من لبنان …ولم تستطع سيدته أمريكا و إسرائيل حامية بقائه فعل أي شيء …
أسقط في يد الديكتاتور الصغير فراح يخبط خبط عشواء بدءاً بالبطش الهمجي بالمعارضين الوطنيين الديمقراطيين في الداخل وصولاً لمسلسل الإغتيالات النازية التي نفذتها مخابراته وأتباعه في لبنان بدءا بمحاولة اغتيال الشهيد الحي مروان حمادة إلى إغتيال الشهيد الحريري ورفاقه إلى إغتيال خيرة الوطنيين والوطنيات من أحرار الشعب اللبناني الشقيق من المدنيين والعسكريين . ….
ارتكب كل هذه الجرائم وغيرها وفق فاتورة والده التي لايترتب عليها أي حساب أوعقاب وفق الوصية النصوحة … ودفن رأسه في الرمال مكلفاً جهازه الحيواني المسلح بالرسالة الطائفية ودريئة تميمة ” ولاية الفقيه .” الذي بقي سليماً , أن يثبت وجوده بين الحين والاّخر .. وهناك تعهد سري مقدم لإسرائيل الجارة الوفية للأسد يتضمن عدم المطالبة بعودة الجولان لسورية بمقدار طلب مساعدته للعودة إلى لبنان .. كماقال مراسل إحدى الصحف الألمانية , ونشر في بيروت في المستقبل -..
أمام نظام ضعيف هزيل يعيش نقطة الدم التي تلاحقه من هذا الفصيل – .. شبهته في مقالات سابقة .. كمشخاص من التبن أو من الطين لايخيف إلا الجهلة والإنتهازيين —,, يقف جميع الطامعين لينهشوا من الذبيحة ما يشتهونه ومايريدونه لمشاريعهم في منطقة المشرق العربي المسماة الشرق الأوسط المرتهنة أمام ثلاثة مشاريع رئيسية مرتهنة للنفوذ الأمريكي بالدرجة الأولى ومغلفة بعناكب الأساطير الدينية ولو تلوّن بعضها بالعلمانية الكاذبة … وهي مشاريع : إسرائيل الكبرى – وأحلام الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية في القرن الحادي والعشرين … وهذا مايفسر إرتماء هذا النظام في أحضان المشاريع الثلاثة في سبيل بقائه ,, وما يفسر مسرحية حلب الأخيرة التي اشتركت في حلبتها حكومة العطري بكاملها .ووقعت فيها عشرات الإتفاقات ( للبيع والشراء ) وفتحت الحدود بين البلدين دون تأشيرة بينما يشدد إغلاقها وصعوباتها على الحدود العربية وتفتح حدود العراق أمام السيارات المفخخة والإرهابيين المجرمين …؟
. وقدم لهم المضيف التركي الحقيقي المن والسلوى الذي ينمو بسخاء فوق أشجار لواء اسكندرون سابقاً ( هاتاي ) حالياً متلمضاً بابتلاع مدينة وولاية حلب ..من يدري؟؟ مادام حكم المماليك القرادحة هبة السماء لسورية الضحية بمباركة ( يهوه ) وشعبه المختار ؟؟؟…
إن مواجهة هذا الواقع لايكون بالبكاء على الأطلال كما يفعل الكثير من المعارضين تحت شتى التسميات والتنظير عن بعد مع الحفاظ على المصالح الأنانية والألقاب والجاه البورجوازي ا لوضيع , بل بنكران الذات والنزول للشارع في الداخل والخارج لجمع الشمل وتحقيق الوحدة الوطنية الديمقراطية لتكنيس هذا النظام الذي لايقبل الإصلاح والترقيع كما ظن البعض في الماضي القريب فخدعوا أنفسهم وخدعوا الاّخرين ,,
صحيح إن هذا النظام وعصاباته المزدوجة مع عصابات ولاية الفقيه في لبنان والمتكاملة معها استطاعت أن تعلق الحكومة اللبنانية على خشبة إنتظاراً لصدور القرار الظني لمحكمة لاهاي الدولية أربعة أشهر ويمكن أن تمتد أكثر, هذا القرار الذي غا ب عن ذاكرة الإعلام الدولي والعربي ,, لكنه لم يغب عن هوس نظام القتلة في دمشق لحظة واحدة ,, حيث يتابع ملف المحكمة عبر محامين سوريين مأجورين ومكاتب محاماة دولية , معظمها غير معلن هنا في لاهاي أو باريس ,, الأمر الذي يؤكد أن سيف المحكمة الدولية لايزال مسلطاً على رقاب القتلة … ومن هنا يجري الترويع والتخويف لهشاشة الوضع اللبناني ,, ويردد أيتام النظام الفاشي في لبنان ماردده زعيم الأمبريالية – أيزنهاور عام 1957 في مشروعه الشهير ( الفراغ في الشرق الأوسط ) للتاّمر على سورية البرلمانية الديمقراطية وإسقاط نظامها الديمقراطي ومقاومتها الشعبية وضمها لحلف بغداد الذي حطمه نضال الشعب السوري يومها .. كما أعلن ولي الفقيه إن لبنان ” أرض الله ” أي أنه أرض سائبة مشاع- فراغ – كفراغ أيزنهاور ملك لمن يستولي عليه … كلها محاولات لإبعاد كأس المحكمة الدولية عن رؤوس القتلة واللصوص ,, ولكن أستطيع الإعتقاد حتى الاّن أن هذه المحاولات دون جدوى وفق أجواء ماصدر عن المحكمة حتى الاّن , ولوكانت سياسات الدول الكبرى التابعة لمصالحها الذاتية لاتوحي بالثقة دائماً …. النصر والحرية في النهاية للشعوب المظلومة المضطهدة وليس للطغاة أعداء الإنسان والوطن .رغم الأخطار القائمة مادام هذا النظام في الوجود ومادام الوضع اللبناني هشاً يخشى عليه من تداعيات صدور القرار الظني للمحكمة الدولية تتجاوز تداعيات مقال مجلة ” دير شبيغل ” التي عزلت وليد جنبلاط رسمياً ضمن القوقعة الطائفية وإن غداً لناظره قريب ….
لاهاي / 5 / 11
الحوار المتمدن